in

سوريا وذكرى الثورة العظيمة

Large protest gathering in Binnish, Idlib against Assad regime

مئات الآلاف من الشهداء تحت قصف الطائرات والمدافع والبراميل المتفجرة ورصاص القناصين والسلاح الكيماوي، مئات الآلاف من المعتقلين وعشرات الشهداء تحت التعذيب، ملايين المهجّرين بين نازح في الداخل ومهاجر في الخارج، عشرات الآلاف من البيوت المدمرة، خراب على كل شبر من الأرض السورية، هذه حصيلة أولية بعد 2922 يوماً، بعد ثمانية أعوام كاملة على اشتعال الثورة السورية.
أما بعد:

في ذكرى الثورة.. حين انطلقت الحناجر تهتف في حي الحريقة بدمشق وبعدها في مدينة درعا المهد لم يكن هذا النداء والهتاف إلا استمرار جميل لما بدأ بالتشكل في تونس ومصر وليبيا، وصدى الحرية المشتهاة منذ قرون على هذه الأرض التي طالما حلمت بها وأنتجت كل عناصر تأهلها للوصول إليها.
لطالما كانت الذكريات في شهر آذار وصمة لئيمة تركت آثارها لما يزيد عن نصف قرن على جسد الشعب السوري، لكنه في عام 2011 ظهر بهيئة جديدة خلابة ساحرة أوجزت صراع عصور كاملة لتنهض الطيور الأسطورية وتحلق بسلام في السماء السورية.

رغم الموت المحيط بها من كل جانب نجد هنا ثورةً بدأت بالرقص والغناء، ثورة بدأت بحمل الورود والماء وتقديمها لجنود الوطن (حماة الديار) كما يجب أن يكونوا، ثورة صفقّت وغنّت وهتفت لوحدة كل أطياف الشعب السوري بأديانه وطوائفه وقومياته المتعددة، ثورة ترفع اللافتات الكوميدية وترسم العوالم الجديدة لطعم الحرية..  هكذا كانت في البدايات.

لم يحتمل الطاغية ابن الطاغية هكذا مشاهد، فرد عليها بالحديد والنار، وجلب الضباع من كل بقاع الأرض، ليخنقها في مهدها، جرب النار بداية في درعا ولم يرد عليه الشعب، ثم جربه مرة أخرى في حمص، وبقي المشروع العظيم سلمياً، جربه في الغوطة وإدلب ودير الزور، حتى فاضت الكأس بالدم، وتحولت الثورة اليتيمة إلى التسلح الذي سعى له المجرم من اليوم الأول.

من هنا بدأ التحول الآخر وهو تغذية البذرة الطائفية التي عمل عليها المجرم منذ اليوم الأول. الطائفية والسلاح الذي يصل بانفجار الشعب طلباً للحرية إلى عكسه، إضافة إلى حماية زنادقة الخراب في أنحاء الأرض للطاغية وأبيه من قبله، واللذان كرسا وجودهما بخدمة المشروع الصهيوني والمصالح الغربية، ولهذا سعت كل الأطراف للمحافظة على هذا النظام وحمايته داخلياً وخارجياً.

ومازال الطاغية وحلفاؤه من الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية الأخرى يسعون بكل جهودهم للقضاء على آخر ما تبقى من سوريين في سوريا مازالوا يقولون لا. فهاهو يستمر في حشد قواته ويجرب الأسلحة الروسية الجديدة بكل قذاراتها على أهل إدلب وأطفالها بما جمعت من سوريين من كل المناطق المنكوبة، بعد الاتفاقات المشبوهة مع التركي حليف الثورة سابقاً، ويحدث هذا تحت أنظار العالم المتحضر الواقف بلبوس العار دون أية ردة فعل.
كثيرون قالوا ومازالوا يقولون أن الثورة انتهت، أو أنها هزمت، وقد يكون هذا القول صحيحاً من جانب، وغير صحيح من جوانب كثيرة.
الثورة هزمت على الصعيد العسكري، ومعروفة الأسباب للقاصي والداني، الثورة تعبت ووهنت  بعد هذا العدد الهائل من الضحايا، لكنها الثورة نفسها التي خرج أهلها بعد ثماني سنوات من الموت في مظاهرات سلمية (درعا) احتجاجاً على إعادة تمثال الديكتاتور الأب إلى إحدى ساحات المدينة، وهي نفسها التي استطاع موالون للنظام بسببها من الخروج في احتجاجات قبل عدة أشهر.

هذه الثورة لم تنتصر بعد لكنها زرعت بذور الرفض في قلوب كل السوريين، هدمت جدران الخوف الأسود الذي بنيت عليه سلطة الطاغية منذ خمسين عام، هذه الثورة نفسها التي مدت جسور بيضاء للحلم بوطن لايقتل أبناءه.

ثماني سنوات عمر الثورة، ومازال الإيمان بها مستمراً بعد كل العثرات والمطبات والتشوهات التي أصابتها، بعد كل الخذلان والخيانات من الأصدقاء قبل الأعداء.
ثماني سنوات عمر أطفال الثورة الآن، وهم من شربوا آلامها وآلام كل السوريين بأوضح صور الألم، هؤلاء من سيبنون سوريا العظيمة ولو بعد حين.

محمـد داودـ كاتب فلسطيني

اقرأ/ي أيضاً:

بين ثورتين : واحدة مهزومة وأخرى مستحيلة

سبع سنوات على الثورة السورية: سوريا إلى أين؟ 

في الذكرى الخامسة لانطلاقتها “الثورة السورية نجاحاتها وإخفاقاتها”

في ذكرى انطلاق الثورة ومعناها

الريمونتادا فكرة الكبار.. والفكرة لا تموت

اللوحة للفنانة نسرين أبو بكر

زاوية يوميات مهاجرة 4: مرحلة العدم