in

التنمر في ألمانيا، مشكلة ممتدة للدراسات العليا ومجتمعات البحث العلمي الألمانية

د. هاني حرب

باحث في جامعة هارفرد، مؤسس وأمين سر الجمعية الألمانية – السورية للبحث العلمي

لا شك أن التنمر مشكلة ضخمة جداً في المدارس وأماكن العمل وغيرها في كل أنحاء العالم. وتبدو مشكلة التنمر بشكل أوضح وأعمق في الدول الغربية بسبب ارتباط الأمر بالعديد من المشاكل النفسية التي يتم الإفصاح عنها عادةً لدى الأفراد بينما يتم التكتم عليها في مجتمعاتنا الشرقية. أما أن تكون ظاهرة التنمر جزءاً من المجتمعات عالية الثقافة والعلوم كالجامعات ومراكز البحث العلمي فهذا قد يعني مشكلةً متأصلة في المجتمع.

ورغم أن مشكلة التنمر في الجامعات ومراكز البحث العلمي في ألمانيا ليست شائعة لكنها موجودة وتكون عادةً موجهة ضد الأجانب. لا يمكننا الادعاء أنها مشكلة عنصرية، بل هي مشكلة تنمر واضحة تماماً وخصوصاً حين تكون موجهة للباحثين الأجانب الناجحين بالأخص. شخصياً لم أواجه هذه المشكلة ولكنني رأيتها تتكرر في عدد كبير من مراكز البحث العلمي بمختلف التخصصات في ألمانيا.

تنبع مشكلة التنمر في الجامعات ومراكز البحث العلمي من عقدة تفوق مازالت موجودة لدى بعض الأشخاص الذين يرون أن ألمانيا هي فقط للألمان، حيث يرى هؤلاء أن الطلبة الأجانب أو الباحثين الأجانب هم ضيوف أتوا للحصول على الشهادة ليغادروا بعدها. وحين يبدأ الطالب أو الباحث الأجنبي بالتفوق على نظرائه الألمان، يبدأ التنمر والمضايقات المختلفة من الناحية الثقافية، الدينية، وحتى العرقية. يمكن للمتنمرين في الكثير من الحالات دفع الباحثين أو الطلبة الأجانب لطلب تغيير جامعاتهم أو مخابرهم أو حتى طلب العودة إلى موطنهم الأم هرباً من تلك المضايقات.

وتتنوع أساليب التنمر حسب الخلفية الاجتماعية للباحث أو الطالب، ومن أهم المضايقات التي تعرض لها الطلبة المسلمون مثلاً ما يتعلق بتناول المشروبات الكحولية ولحم الخنزير. بينما يتعرض الطلبة الأفارقة لمضايقات مثل التذكير بالعبودية أو البدائية والبعد عن الحضارة وقد تصل حد التشبيه بالقرود، أما في حالة الطلبة العرب فإن محاولات النيل منهم تكون بالتشبيه بالإرهابيين وبأنهم قادمون من منابع الإرهاب إضافةً للاستهزاء بالتقاليد والعادات المختلفة دون محاولة فهمها واستيعابها على الأقل.

التنمر العلمي

الأمور السابق ذكرها موجودة في كل مكان، وحتى لو افترضنا جدلاً أن مشكلات كهذه لا يمكن حدوثها في الجامعات ومراكز الأبحاث وغيرها من الأماكن ذات المستويات العليا في الثقافة والعلم، إلا أنها ممكنة الحدوث.

وللأسف هنالك نوعٌ جديد من التنمر ينتقل بشكل كبير ضمن مجتمعات البحث العلمي في أنحاء العالم وهو التنمر العلمي، ويعني رفض أو محاولة رفض الأبحاث الصادرة عن باحثٍ معين في محاولة من جزء من المجتمع العلمي لإيقاف تقدمه العلمي ونشراته العلمية. هذا الأمر ليس بجديد وهنالك العديد من الأمثلة عليه ولكنه يزداد في جامعات النخبة كما في ألمانيا، بريطانيا، فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث يحاول العديد من الباحثين، إيقاف تقدم أحد الباحثين عن طريق التنمر على أبحاثه، مقالاته، نشراته العلمية، محاولين إيقافها،  إضافةً لرفض نشرها في حال كان هؤلاء في مراكز صنع القرار المرتبط بدور النشر والمجلات العلمية. يضاف إلى ذلك محاربة هؤلاء الباحثين في المؤتمرات العلمية والاجتماعات الأكاديمية، حيث يتم تهميشهم كي لا يشكلوا خطراً على اللوبيات العلمية التي تسعى لاحتكار النشرات العلمية.

يمكن أن يقوم بالتنمر العلمي الأساتذة المشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراة والأبحاث ضد طلابهم أنفسهم، خصوصاً إن كان الأستاذ متنمراً منذ صغره أو يخشى أن يصبح طلابه بمرتبة يمكنهم بها تجاوزه علمياً، فيتنمر هو نفسه عليهم ويحاول تدميرهم علمياً من خلال إيجاد العراقيل في مسيرتهم العلمية، وعدم دعمهم في الدفاع عن رسائلهم وأبحاثهم والكثير من الأمور التي تدفع مسيرتهم العلمية إلى الأمام.

التنمر بين الباحثات، أبعاد جديدة

إن التنمر لا يكون فقط بين الباحثين الذكور بل يمتد إلى تنمر الباحثات على بعضهن البعض. أبرز تلك الأمثلة، الفضيحة الكبيرة التي أصابت مركز “ماكس بلانك” حيث تم اكتشاف أن مديرة المركز تقوم بالتنمر وتخلق المشكلات لطالباتها وخصوصاً الحوامل أو الأمهات منهن. هذه الحالات تحولت من حالات فردية إلى تنمر ممنهج يتم بشكل يومي ضد الباحثات والطالبات، حتى وصل الأمر لتقديم شكاوى عديدة، أدت في النهاية إلى فضيحة حقيقية ضجت بها وسائل الإعلام الألمانية.

إن التنمر العلمي في الجامعات، مراكز الأبحاث وغيرها من منشآت التعليم العالي والدراسات العليا، هو أمر حقيقي، موجود، ولا يجب السكوت عليه أبداً. لهذا بدأ العديد من الباحثين بمختلف تخصصاتهم وجنسياتهم بتنظيم أنفسهم رويداً رويداً ليستطيعوا التحرك حيال هذه المشاكل المختلفة. وعلى باحثينا أيضاً عدم السكوت حيال التنمر سواء كان تنمراً عادياً أو تنمراً علمياً لإحباطهم.

خاص أبواب

 

اقرأ/ي أيضاً للكاتب:

بعيداً عن تأثير الدين: اللغة العربية لأطفال المهاجرين… الأهمية والمصاعب!

الدراسات الفنية والمهنية فوائدها وسلبياتها

دراسة الحقوق في ألمانيا: معادلة الشهادات والعمل

السودان: حكم البشير ينهار، هل ستفشل ثورة عربية أخرى؟

تفاهم ميسي سواريز أفضل ما حصل في مسرح الأحلام