in ,

بعيداً عن تأثير الدين: اللغة العربية لأطفال المهاجرين… الأهمية والمصاعب!

العمل الفني: منير الشعراني

د. هاني حرب

باحث في علم المناعة والجينيات في جامعة هارفرد، الولايات المتحدة الأمريكية

من منا لم يفكر يوماً بمستقبل اللغة العربية لأطفاله في المهجر عموماً وفي ألمانيا بشكل خاص. إن استمرارية تعليم اللغة العربية لأطفال المهاجرين من العرب تحمل من الأهمية ما يجعلها من الأمور الأساسية التي يجب على الأهل بشكل عام الانتباه إليها.

خلال العقود الثلاثة الماضية ومع وجود كم ليس بكبير من الجالية العربية بشكل عام والجالية المسلمة في ألمانيا، اتجه تعليم اللغة العربية لأولاد المهاجرين ليكون مهمة المساجد والجوامع المختلفة الموجودة في المدن المختلفة، إذ أن الأمر كان لحسن الحظ مهما لدى المهاجرين. في المقابل أدت طريقة تعليم اللغة العربية ضمن الأجواء الدينية إلى تنشئة جيل استقى اللغة العربية من العلوم الدينية، التي ارتبطت للأسف بتشوهات شديدة أدت بدورها إلى صعود التطرف الديني لدى البعض!

الاندماج على حساب اللغة؟

ترتبط اللغة العربية لدى العديد من المهاجرين بالوطن أو بالعائلة البعيدة، أو بذكريات جميلة. ومحاولة تمرير هذه الذكريات والقصص المختلفة لم يكن ممكناً لو لم يتم تعليم اللغة العربية، فاللغة تبقى جسراً بين الجيل الصاعد بعيداً عن الدول الأم وبين أقربائهم وأهاليهم هناك، وهي وسيلة إبقاء الارتباط العضوي بين الضفتين.

يقوم العديد من المهاجرين، خصوصاً ممن هاجر من بلده لسبب سياسي أو هرباً من اضطهاد، بإبعاد أولادهم عن تعلم العربية رغبة بالاندماج الكامل! كحالِ بعض المهاجرين من سوريا ولبنان وفلسطين إلى دول الأمريكيتين، حيث نلاحظ وجود جالية كبيرة من أهالي مدينة بوسطن الامريكية مثلاً من أصول سورية أو لبنانية، مازال لديهم ذكريات أهاليهم في بيروت وقراها، أو حلب أو دمشق وغوطتها، لكنهم فقدوا اللغة العربية كرابطٍ مع تلك البلاد، ليغوصوا بشكل كامل ضمن مجتمعاتهم الجديدة دون الانتباه أو العودة لتلك الذكريات أو لعائلات كانت ومازالت تقربهم بشكل أو بآخر.

مثال آخر مهم هو الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين السوريين أو اللبنانيين في دول أمريكا الجنوبية، حيث وصل بعض أبناء هذا الجيل إلى مناصب سياسية واقتصادية مهمة في تلك البلدان، ولكن للأسف على حساب اللغة العربية التي خسروها بقصد أو دون قصد بسبب إهمال أهاليهم.

إن تعليم اللغة العربية ليس مهماً فقط لممارسة الشعائر الدينية، بل أيضاً لإحياء التراث المرتبط بالدول التي أتى منها  المهاجرون. هذا التراث الذي لا يقل أبداً عن أي موروث أوروبي أو أمريكي.

الصعوبات التي تواجه اللغة العربية في أوروبا

اندثار اللغة العربية في أوروبا عموماً، وفي ألمانيا خصوصاً، كان يسير بشكل حثيث قبل موجة الهجرة الأخيرة القادمة من سوريا والعراق. لوحظ وقتها انحدار هائل بمستوى تعليم اللغة العربية ضمن مراكز التعليم المختلفة التي تقوم عليها الجاليات العربية.

فمثلاً كان تعليم اللغة العربية الفصحى من أقل اهتمامات الجاليات المغاربية التي كانت وما زالت تسيطر بشكل كبير على مراكز تعليم اللغة. قامت تلك الجاليات بشكل غير مقصود بتعليم اللغة العربية باللهجات المغاربية! مما أدى إلى تراجع الفصحى بشكل كبير. كما أن ربط تعليم اللغة العربية بالتعليم الديني أدى إلى عزوف بعض الجاليات عن تعليم أطفالها اللغة العربية، خوفاً عليهم من الأفكار الدينية المتطرفة التي يتمّ بثّها ضمن دروس اللغة العربية.

ما يدعو للقلق هنا هو محاولة لمحاربة تعليم اللغة العربية ضمن مدارس تعليمية محترفة بعيداً عن التعليم الديني. هذه الموجة تأتي من المساجد والجوامع العربية التي تعتبر فصل التعليم الديني عن التعليم اللغوي خسارة كبيرة لها، فالأطفال لن يقوموا بزيارة المساجد لأجل الدروس الدينية فحسب، فيما كان الهدف الأساسي لزيادة دور العبادة تعلّم اللغة العربية، وقامت تلك الدور بغرس المفاهيم الدينية بشكل مدروس ضمن فترات تعليم اللغة العربية.

أحد أهم الأمثلة ما حدث لمدرسة تعليم اللغة العربية في مدينة باد ناوهايم في مقاطعة هيسن، حيث بدأت تلك المدرسة بتقديم الدروس اللغوية العربية وبشكل شبه مجاني للأطفال، وتم استخدام أحدث المناهج وتطورت لغة الطلبة كثيراً، لكن القائمين على المدرسة خسروا بعض طلابهم بسبب خوف أهاليهم (المسلمين المحافظين) في تلك المدينة وما حولها، والذين طالبوا بعدم دعم المشروع بحجة ابتعاده عن تعليم الدين والاكتفاء باللغة! هذا الأمر أدى آنذاك لعزوف الكثير من الأهالي عن إرسال أولادهم لتعلم اللغة العربية!

خلال العامين الماضيين قامت مبادرات كثيرة لتعليم اللغة العربية لأولاد المهاجرين الجدد، وتلك المبادرات كانت بعيدة كل البعد عن التأثير والخطاب الديني. مما أنعش تعليم العربية مجدداً بالشكل الأصح، وهذا سيكون له تأثير كبير على الجيل القادم من أبناء المهاجرين، الذين سيكونون حجر الأساس لإعادة إعمار أوطانهم.

خاص أبواب

 

اقرأ/ي أيضاً للكاتب:

أنغيلا ميركل: كيف قتلها شغفها للمساعدة سياسياَ؟

دراسة الحقوق في ألمانيا: معادلة الشهادات والعمل

كيف تؤثر ثقافة التعليم الألمانية على أطفال القادمين الجدد؟

برشلونة.. فايروس فالفيردي وموسم “صفري” يلوح في الأفق!

حفل الأوسكار دون مقدم للمرة الثانية في تاريخه, فما السبب؟