in

ما بعد صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري.. لبنان إلى أين!!

لبنان: صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري
لبنان: صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري © Anwar Amro/​AFP/​Getty Images

بسام العيسمي. محامي سوري مقيم في النمسا
بعد 13 عاماً على إنشائها، أصدرت المحكمة الخاصة بقضية اغتيال الحريري قرارها القاضي بتجريم المدعو سليم عياش القيادي في حزب الله، واعتباره مذنباً بصفته شريكاً بارتكاب عمل إجرامي، باستهداف موكب رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في بيروت، بمواد متفجرة بتاريخ 14 شباط فبراير لعام 2005، وتبرئة ثلاثة من المتهمين وهم حسن مرعي، حسن عنيسي، وأسد صبرا، لعدم كفاية الأدلة بحقهم. ووقف ملاحقة ومحاكمة المتهم مصطفى بدر الدين لثبوت قتله في سوريا.

قبل مناقشة الحكم الخاص بقضية اغتيال الحريري وردود الأفعال والمواقف المتناقضة منه استناداً للانقسامات السياسية في لبنان وسوريا، لابد أن نعرّف وبعُجالة بالمحكمة التي أصدرته. 

  • هي محكمة ذات طابع دولي أنشئت بتوافق بين لبنان والأمم المتحدة، بقرار مجلس الأمن رقم 1757 ت في 30 أيار مايو 2007. 
  • هي هيئة قضائية مستقلة لاتتبع للأمم المتحدة، ولا هي جزء من النظام القضائي اللبناني
  • اختصاصها بموجب المادة 1 من قانون إنشائها: محاكمة المسؤولين عن التفجير وأي أعمال إجرامية أخرى وقعت في لبنان في الفترة الممتدة من 1 أكتوبر 2004، ولغاية 12 ديسمبر 2005 إذا تبين أن لها صلة بالتفجير. وأي أعمال إجرامية تقع بعد هذا التاريخ شريطة توافق الأمم المتحدة ولبنان، وموافقة مجلس الأمن. 
  • هي المحكمة الدولية الأولى في العالم التي تحقق في قضية اغتيال، وأيضاً الأولى التي تتناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بحد ذاتها. 

اغتيال الحريري تم في سياق الانقسام الحاصل في لبنان بين فريقين:

  • فريق يمثل تيار المستقبل برئاسة الحريري وحلفائه من القوى والأحزاب الأخرى في لبنان، يعتبرون الوجود العسكري السوري في لبنان انتقاصاً للسيادة، ومصلحة لبنان تكمن باستقلال قراره، وحياده عن سياسة المحاور. 
  • فريق يمثله حزب الله وأنصاره وداعميه الأساسيين النظامين الإيراني والسوري. أو مايُسمى بمحور الممانعة، وكان ينظر للحريري كتهديد للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان.

ورد في متن قرار المحكمة (بأن النظام السوري وحزب الله لديهما دوافع لقتل الحريري)، معززةً هذا الاستدلال بحدثين سبقا التفجير وهما:

  • اجتماع الحريري بوليد المعلم وقوله له إن وجود جيشكم في لبنان ليس قدراً ولا يمكن أن يبقى إلى مالانهاية.
  • الاجتماع الذي تم في فندق بروستل في بيروت للفريق الذي يمثله الحريري وأنصاره، ومطالبتهم الصريحة بخروج القوات العسكرية السورية من لبنان وطرح سلاح حزب الله على طاولة المفاوضات.

ورجحت المحكمة بأن قرار اغتيال الحريري اتخذ بعد هذا الاجتماع. وهذا اتهام سياسي واضح لنظام الأسد وحزب الله بأنهم وراء عملية التفجير. وهذا يعني أن الجريمة بملابساتها والغاية منها وشخص المستهدف فيها وطريقة الإعداد لها هي جريمة سياسية بامتياز. ويجدر بالذكر أن الجرائم السياسية يخطط لها وتنفذ عبر عملية استخباراتية معقدة ومحكمة بعناية، تكون وراءها جهة ما لها مصلحة فيها. 

وقاعدة الاستدلال الأولى في الجريمة السياسية للبحث عن المجرمين تبدأ بالبحث عن المستفيد من الجريمة. وقرار المحكمة أضاء وحدد من لديه دوافع قتل الحريري. لذلك فإن ما انتهى إليه القرار بتجريم شخص واحد بهذه الجريمة المعقدة، خيب آمال الكثير من اللبنانيين والسوريين الذين كانوا ينتظرون العدالة. 

وهنا لابد من الإشارة لبعض المسائل التي قد تكون غائبةً عن الكثيرين لنقترب من الموضوعية بتقييمنا للحكم:

  • قاعدة الأدلة والإثبات في القانون الدولي يجب أن تكون قطعية ومُحكمة لايخامرها شك، (فالأحكام تبنى على اليقين لا على الاحتمال والتخمين) وأي شك في قرينةٍ ما ولو بمقدار 1% يفسر لصالح المتهم وتتجه المحكمة للتبرئة.
  • المحكمة ولدت بقرار من مجلس الأمن. واشترطت روسيا حينها لتمريره حصرَ اختصاص المحكمة بمحاكمة الأشخاص فقط. وأن لاتوجه الاتهام لشخصيات اعتبارية. وهذا يوضح السبب في أن ما ساقته المحكمة من اتهامات واضحة للنظام السوري وحزب الله في سردية قرارها بأنهما وراء هذه الجريمة، قد سقط بالفقرة الحكمية.

تزامن صدور قرار المحكمة مع تفجير مرفأ بيروت

تزامن صدور هذا القرار مع الكارثة التي حلت بلبنان بتفجير المرفأ، وما زالت شظاياها تدمي كامل الجسم اللبناني المتهالك، غلاء وبطالة وفساد رأسه الطبقة السياسية الحاكمة. اقتصادٌ مأزوم وصل لدرجة الإفلاس، احتجاجات مطلبية في الشارع وحدت اللبنانيين لأول مرة واخترقت السياجات الطائفية بمواجهة فساد الحكم. 

فقد لبنان بتفجير المرفأ الكثير من الأغذية والأدوية والمواد الضرورية والحياتية التي كانت تأتي عبره، والضرائب والرسوم التي كان يجنيها مقابل حركة البضائع، مما يعمق من معاناة اللبنانيين ويعمم الفقر عليهم، ويزيد من مأساة اللاجئين السوريين أيضاً.

فهل نحن على أبواب موجة نزوح وهجرة للبنانيين؟ أم أمام تغيرات جذرية تعيد هيبة الدولة وسيادتها على قرارها المخطوف من حزب الله؟ هل انتهى الدور الوظيفي لحزب الله ولابد أن يسلم سلاحه سلمياً أو بالقوة، في سياق المواجهة الأمريكية والغربية مع إيران التي أصبحت تشكل خطراً على التوازنات الإقليمية والدولية، وعلى تراتبية المصالح في المنطقة عبر قصقصة أذرعها السرطانية المدمرة المنتشرة فيها؟ 

لاشك بأن المنطقة كلها على صفيحٍ ساخن، وهذه الأحداث ستدخل بوابة الاستثمار السياسي في سياق الصراعات الدولية والإقليمية داخل وخارج لبنان. مع اعتبار أن الحشود العسكرية التي قَدمت لشواطئ المتوسط إنما هي دليل على ذلك. قد تحدث تسويات غير متوقعة، وربما تذهب الأمور للتصعيد وخيار القوة. 

فهل تمتلك إيران الحكمة الكافية للانحناء أمام العاصفة، ومن ثم تجنيب حزب الله ضربة عسكرية قاصمة تبدأ في لبنان ولا تنتهي فيه، لتطال أذرعها ومصالحها في المنطقة؟ أم أنها ستقوم بالضغط عليه لتمرير خطة الإصلاح التي أتى بها ماكرون إلى لبنان بالتنسيق مع الولايات المتحدة، مع تسليم سليم عياش للمحكمة؟ أم أنها ستراهن على الوقت في انتظار أوباما جديد؟
كل هذه التساؤلات لها مايبررها، والأيام القادمة ستكشف إلى أين ستتجه الأمور.

اقرأ/ي أيضاً:

بهاء الحريري بمواجهة حزب الله: تصريحاتٌ جريئة وإعدادٌ لقيادة مستقبلية

الانفجار الذي بدأ منذ عقود.. نظرة إلى لبنان ما بعد الحرب وما أوصله إلى حريقه الأخير

ماذا تبقّى لهم؟ لبنانيون يسعون للهجرة بعد كارثة المرفأ وآخرون باقون..

محاولة اقتحام مبنى البرلمان الألماني في برلين

الرئيس الألماني يدين بشدة محاولة المتظاهرين اقتحام مبنى البرلمان الألماني في برلين

وصول أول طائرة إسرائيلية إلى الإمارات بعد اتفاقية التطبيع مع الاحتلال

انتصار الشر مجدداً.. وصول أول طائرة إسرائيلية إلى الإمارات بعد اتفاقية التطبيع