د. هاني حرب. باحث في جامعة هارفرد، مؤسس وأمين سر الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي
تغير العالم بشكل لم نكن نتوقعه على الإطلاق في أعقاب انتشار جائحة كورونا، ورغم انكباب آلاف الشركات الطبية على الأبحاث المتعلقة بإنتاج لقاح فعال، إلا أن النتائج قد يطول انتظارها، ومن هنا نتوقع أن التغييرات الكبرى الناجمة عن الوباء لم تحدث بعد. فعدا عن الخسائر الهائلة بالأرواح وخسائر الاقتصاد العالمي، تغيرت حياة ملايين من الناس جذرياً ولو بمجرد مزاولة أعمالهم من وراء جدران منازلهم.
على صعيد التعليم، توقفت المدارس، الجامعات، المعاهد التقنية وكذلك الحضانات. ورغم العقبات استطاع هذا القطاع خلال فترة الحجر الصحي الأولى الانتقال بشكل تدريجي وناجح من التعليم التقليدي ضمن المدارس والجامعات، إلى التعليم الرقمي المعتمد على الإنترنت. لكنّ هذا التحول الهائل وخلال فترة قصيرة شكل ضغطاً لا يستهان به على الطلبة، الأساتذة، موظفي الجامعات والمدارس بمختلف اختصاصاتهم، وأدى إلى شرخ كبير في كمية المعلومات التي تم تقديمها خلال فترة الحجر وقيمتها. عدا عن أن البنية التحتية الموجودة في ألمانيا بشكل خاص وأوروبا عموماً، لم تستطع ولا تستطيع حالياً تقديم الخدمات كاملةً للطلبة في مختلف مجالاتهم.
كل هذا لا ينفي أن التعليم الرقمي سيكون خلال العقود القادمة أساس التعليم المدرسي والعالي وخصوصاً في العلوم النظرية. ورغم أن تحويل التعليم النظري إلى تعليم رقمي، سيترك أثراً واضحاً على تخفيض النفقات في المؤسسات التعليمية، كنفقات القاعات، التكاليف الخدمية، سكن الطلبة، والكثير من التكاليف الأخرى، وبالتالي ستتمكن الجامعات من التركيز على الدراسات التطبيقية العملية، إلا أنه يتطلب بالطبع أن تعمل الحكومات على تطوير أنظمة الإنترنت لتستطيع مواكبة الضغط الهائل الذي سيتم إحداثه على المخدمات المختلفة أثناء دراسة الطلبة، ويثير هذا تساؤلاً حول التفاوت المعرفي والعلمي الذي قد يترتب على ذلك ما بين دول العالم.
المخاوف الحقيقية تتبدى في العامل الاجتماعي إذ أن التحول إلى الدراسة الرقمية سيقضي على الحياة الجامعية. فالانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وطرائق التواصل الرقمية، جعلت من الجامعة المكان الأخير المتبقي ربما للتواصل الاجتماعي الحقيقي، وأي محاولة لتغيير هذه المعادلة ستؤدي إلى تغييرات جذرية في بنية المجتمع الحالية والأداء الاجتماعي على المدى المنظور والبعيد.
للاطلاع على افتتاحيات أعداد سابقة:
افتتاحية العدد 52: نصفُ عامٍ مزدحم!
افتتاحية العدد 51: آذار النسوي
افتتاحية العدد 50: النجاة ومعركة الذاكرة
