in

د. محمد شحرور: لا تضربوهنّ باسم الإسلام!

REUTERS/Ivan Alvarado
د. محمد شحرور | باحث ومفكر إسلامي. 

اضطر السوريون خلال الأعوام القليلة الماضية إلى الاحتكاك بالثقافات الأخرى في بلاد اللجوء، العربية والأجنبية، وأعجب جلهم بالتعامل الإنساني لسكان بلاد الغرب، لكن مواضيع كثيرة جعلتهم يعانون صعوبات في التأقلم، وهذا أمر طبيعي، في ظل مجتمعات مختلفة بكل ما فيها من أعراف وتقاليد.

ولا يقتصر الموضوع في الاندماج على اللغة واللباس والطعام، فهناك مسائل عدة تجعل العربي أو السوري يفضل العودة إلى بلاده على الرغم من ظروفها، كمسألة ضرب الزوجة والأطفال، إذ تختلف النظرة في الغرب لهذه الظاهرة عنها في مجتمعاتنا، من حيث كونها مستهجنة أم لا، وتعرض مرتكبها للمساءلة القانونية من عدمه، فقد اعتدنا على كون الطفل ملكية خاصة نتصرف بها كما نشاء، وكذلك الزوجة في أحيان كثيرة، وكأن عقد الزواج يعطي للزوج أهلية التحكم بزوجته وضربها إذا أراد وأنى أراد، مع قبول المرأة لذلك كجزء من أصول الحياة الزوجية الصحية، حتى أن بعضهن يدافعن عن أزواجهن في المحاكم بحجة أنه لم يرتكب خطأً حين ضربها وهشم أضلاعها فهذا أمر عادي في ثقافة بلادنا، وتبدع النساء في هذا المجال، فبدل العمل على توعية المرأة لمعرفة حقوقها، يروج بعضهن أفلامًا تعلم النسوة كيفية إخفاء علامات الضرب بمستحضرات التجميل.

كيف يبرر “المسلمون” ضرب النساء

ورغم أن ظاهرة العنف ضد المرأة و ضرب الزوجة قد تكون موجودة في كل المجتمعات، مهما كان دينها ودرجة تحضرها، إلا أن المستهجن هو استناد المسلمين (بالمعنى الشائع) على الإسلام في ذلك، واعتبار ما يفعلونه مبررًا بموجب دينهم، إن لم يكن محبذًا، فالرسول وفق قناعتهم لو كان أمر أحدًا بالسجود لغير الله، لأمر المرأة أن تسجد لزوجها، ومع أنه برأيهم أوصاهم الرفق بالقوارير، إلا أن النساء كونهن “ناقصات عقل ودين” بحاجة للضرب، سيما وأن {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} والله تعالى قال: {وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} ففهموا الآية على أساس أن يضربها “ضربًا غير مبرح”، وربما يفقد أعصابه فيصبح  الضرب مبرحًا ومشوهًا أيضًا، ولم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة الآية كاملة دونما اجتزاء {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء 34)  فمن هو أكثر كفاءة له القوامة في المنزل والمعمل والشركة والدولة، سواء كان ذكرًا أم أنثى، والرجال هنا ذكور وإناث، والنساء ذكور وإناث أيضًا، ولو كان الذكور قوامون دائمًا لقال “بما فضلهم الله عليهن”، كما في قوله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ} (التوبة 71) بعض المؤمنين والمؤمنات أولياء البعض الآخر، فإذا كانت القوامة للمرأة واستبدت برأيها وتسلطت، ضرب على قوامتها وسحبت منها، مما يستدعي تدخل الأهل في حال كانت زوجة {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء 35) ولو كان الزوج في هذه الحالة يملك من أمره شيئًا لطلقها، لكنه في موقف ضعيف، سواء ماديًا أم اجتماعيًا، أي أن الآية خاصة فقط بحالة القوامة بيد المرأة، علمًا أن الضرب الفيزيائي قد ذكره الله تعالى في التنزيل مع الأداة {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ–} (البقرة 60)، أو عبر عنه بتخيصص أدق {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (القصص 15) حيث “وكزه” تعني “ضربه بجمع الكف”، إضافة إلى أن “ضرب” تأخذ معاني عدة كالسفر {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} (النساء 101)، أو “ضرب الأمثال”: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس 78). 

أنصح من يضرب زوجته أو أطفاله أن يراجع طبيبًا نفسيًا

وكما أن المرأة تنشز، ينشز الرجل أيضًا {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء 128) وهو هنا مستبد، مبتعد عن شؤون بيته، وهو “بعلها” أي لا جنس بينهما، ذو نفس شحيحة العواطف، فيحثه الله تعالى على الصلح والإحسان، أما قوله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فهو مجتزأ من آية تخص تفصيل الطلاق {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (البقرة 228) فإذا كانت المرأة حاملاً وتريد الطلاق فلرأيه درجة عليها حفاظًا على الأسرة ومصلحة الطفل، لكن للأسف ذكورنا سمعوا بالجملة وأعجبتهم فحفظوها عن ظهر قلب، والأنكى من ذلك أنك ترى أحدهم لا يعرف من دينه سواها، إضافة لقوله تعالى {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ} (النساء 3) ويهمه عند توزيع الإرث أن يكون مسلمًا مؤمنًا بما جاء به محمد فيتمسك بقوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء 11) ليغبن أخته حقها، لكنه لا يعلم عن الصراط المستقيم أكثر من أنه “أحد من السيف وأدق من الشعر” يحتاج للاعب سيرك ليمر عليه، ولم يسمع قوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام 152) أو قوله {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الروم 38) لكنه سمع بصلاة الجمعة بأفضل الأحوال، وربما يصوم رمضان ويزجر من لم يصم، ويلعب “العيب” دوره هنا، لكنه يختفي عند المصالح الشخصية واضطهاد الأضعف. 

قد يبدو هذا الموضوع مكررًا إلى درجة الملل، لكن المآسي التي نسمع بها كل يوم لا تعد ولا تحصى، وأنصح من يضرب زوجته أو أطفاله أن يراجع طبيبًا نفسيًا، لكن لا يحمل الإسلام وزر ما ترتكب يداه، فكفى الإسلام ما يحمله من أوزار فقهاء الكذب والتخلف.

مواضيع ذات صلة:

الإسلام بين الحقيقة والموروث

محمد شحرور: أن ترتاح المرأة لغطاء الرأس لا يعني أن تنسبه للإسلام

أشكال العنف ضد المرأة -الجزء الثاني- العنف الجسدي والنفسي

مقتل يونس أبو يعقوب منفذ هجوم برشلونة

ألمانيا: عدم معرفة القانون لا يحمي من الجزاء