in

إنها مجرد قصة حب.. ظاهرة طلاق اللاجئين وزواج الأجانب، هي حرية اختيار وليست ظواهر غريبة

ألمانيا: ظاهرة طلاق اللاجئين وزواج الأجانب
ألمانيا: ظاهرة طلاق اللاجئين وزواج الأجانب

ظاهرة طلاق اللاجئين وزواج الأجانب: بالرغم من عدم توفر إحصائية دقيقة عن نسب الطلاق بين اللاجئين في ألمانيا. إلا أنّ هذه الظاهرة أصبحت محوراً شائعاً للنقاش في وسائل الإعلام.

يدعوها البعض موضة أو تقليداً للغرب، بينما يعزوها آخرون لواقعٍ صار التعبير عنه متاحاً في ظلّ مجتمع حر ومنفتح على قضية الطلاق والخلافات الأسرية بشكل عام.

وبعيداً عن التعميم، تابعت أبواب قصة امرأةٍ وأمٍ سورية، عاشت تجربتها الخاصة التي تضمنت الانفصال عن زوجها عقب مجيئها إلى أوروبا.
وطرحت تساؤلات حول تعامل المرأة مع الحرّية التي تكفلها لها الدولة، سيما في حرية خياراتها في حياتها العاطفية. والأهمّ ما الصعوبات والمخاوف التي يمكن أن تواجها وكيف تتجاوزها؟
ومن جهة أخرى، هل يمكن للحبّ بين الأزواج مختلفي النشأة الاجتماعية والثقافية أن يلغي الاختلافات الثقافية بينهما؟ وما العقبات التي يعيشها هؤلاء الأزواج؟

طلاق اللاجئين وزواج الأجانب. الطلاق قرار صعب وليس مجرّد موضة

وصلت بيترا (30 عاماً) برفقة ابنتها جوي (9 أعوام) إلى ألمانيا في خريف عام 2016. راجيةً طيّ صفحة حياتها في سوريا. وفتح صفحة جديدة قرب زوجها الذي جهد لإخراجها وابنته من تلك الفوضى والوصول بهما إلى برّ النجاة.
لم تسر الأمور كما خطّطت هذه الأسرة، وسرعان ما أخذت العلاقة تتداعي شيئاً فشيئاً ممّا أدى إلى انفصال بيترا وزوجها السابق.

تقول بيترا لأبواب: “المشكلات كانت حاضرة قبل وصولي إلى ألمانيا حتّى، مجيئي وابنتي جوي إلى هنا كان بمثابة فرصة لهذه العلاقة، ولكن اتضح ألّا أمل منها مع تكرار الفرص والوعود والخيبات، ما دفعنا نهايةً لاتخاذ القرار والانفصال نهائياً”.

لم تكن بيترا تقلّد أحداً حينما اتخذت ذلك القرار، كما أنّها لم تكن ضحية محاكاة عمياء لبعض الطروح المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي حول الطلاق وفوائده. والتي كانت تُصدَّر كموضة لا بدّ من اتباعها. بل كانت تعيش تحت ضغط مخاوف حقيقية: “كثيرةٌ هي المخاوف التي عايشتها، وكان أقساها فكرة أن أعيش وحيدة في بلاد غربية عنّي لا أعرف أحداً بها. وأن أربّي ابنتي لوحدي من دون أب أو أهل كنت تعوّدت على قربهم ومساعدتهم لي كلما احتجتهم في سوريا. وكنت متخوّفة أيضاً من ردّة فعل ابنتي، وهذا كان أكثر ما يقلقني من ناحية الطلاق ومستقبل حياتها النفسية. لكنّ الأمور سارت للأفضل وتبدّدت مع الوقت معظم مخاوفي”.

إنّ اتخاذ القرار لا يشتمل عادةً على فكرة واضحة حول تداعياتهِ والمسؤوليات الجديدة التي يفرضها على متّخذيه. وهذه هي الحقيقة التي اصطدمت بها بيترا مبكّراً عقبَ الانفصال وعنها تقول: “الفترة الزمنية التي أمضيتها وابنتي جوي لوحدنا كانت الأصعب في حياتي وليس في ألمانيا وحسب. تزامنت مع صدمتي بوفاة والدي المفجعة. تأخرت في دراسة اللغة بسبب الضغوط النفسية الشديدة، وساعدني الطبيب النفسي على استعادة قوايَ وتوازني النفسيين”.

كيف تلقت الطفلة جوي كل هذه التغييرات؟

“أعتقد أنّها أيضاً كانت تحت تأثير صدمة من نوع آخر؛ صدمة بقائها في المنزل لفترات طويلة بعيداً عن أصدقائها ودراستها وروتينها اليومي، فلم أجد مكاناً لها في الروضة في مدينة كاسل. وفاة جدّها، وأيضاً ما كان مؤثّراً للغاية، انفصال والديها عن بعضهما عكس ما كانت تتصوّر وهي في طريقها إلى ألمانيا”.
رغم كلّ تلك الانكسارات والخيبات والضغوط لم تتنازل الأمّ عن حقّها في عيش حرّيتها وسلامها مع طفلتها الوحيدة. فاستعادت أنفاسها وتوازنها مجدّداً وخَلُصتْ إلى ضرورة مغادرة المدينة والبدء من جديد. فتحكي بيترا: “قرّرتُ الانتقال إلى كولن حيث وجدتُ روضة قرب عملي، ما سهّل عليّ تنظيم حياتي من جديد. وبإمكاني القول بأنّ حياتنا استعادت عافيتها منذ ذلك الحين. وهنا أيضاً في كولن تعرّفت إلى الشخص الذي تحسنت حياتي بعده شيئاً فشيئاً”.

طلاق اللاجئين وزواج الأجانب. على شفير العودة إلى سوريا، ولكن..

في كولن تعرّفت بيترا على بيورن، موظّف في شركةٍ لتأمين عقود عمل للطلبة في ألمانيا. شخصٌ وصفتهُ بيترا بالودود والعفوي، الشيء الذي دفعها لأن تثق به وتشاركه حياتها: “فيما أنا مشغولة بعملي كان هناك بيورن يساعدني بالاعتناء بجوي ريثما أعود؛ ووجوده منحني الفرصة للتوفيق بين عملي ودراسة ابنتي ومتابعتي تعلّم الألمانية”.
تزوّجتْ بيترا من بيورن في كولن عام 2019. بعد أن كانت على شفير اتخاذ قرار العودة إلى سوريا رغم أن الصراع فيها ما يزال مستمراً. إلا أن شخصية بيورن وطريقة تفكيره وعدم تصنّعه ومدّه يدّ العون كلّها عوامل منحَتْ بيترا الأمل مجدّداً ومن ثمّ التفكير بالبداية مرّة أخرى من هذه النقطة مع بيورن. فتقول بيترا: “لم أكن أنانية.. فكّرت بابنتي جوي ومستقبلها فيما لو قرّرت العودة إلى سوريا. وعاودت التفكير مراراً وكان لقائي ببيورن ومن ثمّ الزواج حلّاً مناسباً لي ولجوي ومستقبلها في بلادٍ آمنة يمكن أن تحقّق طموحها”.

ولكن ماذا عن بيورن؟ ما الذي حمله هو الآخر على الزواج من بيترا بالرغم من اختلافاتهما الثقافية والاجتماعية؟
يجيبنا بيورن على تساؤلنا هذا قائلاً: “من البداية لم يكن هناك أيّ دافع متعلّق بالخلفية الثقافية لدي؛ فالحبّ لا علاقة له بشيء إلّا بالإنسان. وأنا التقيت بشخص مميّز حقّاً وصدفةً كان من سوريا. وأيضاً لا أعتقد أنّ للخلفية الثقافية دوراً في حبّي لأيّ شخصٍ، وأظنّ أيضاً أنّي كنت سأحبّ بيترا تماماً كما الآن فيما لو كانت أصولها آسيوية، أو إفريقية أو ألمانية، فالحبّ موجّه دائماً لذات الشخص وليس لأصوله”.  

بالحبّ وحده يتجاوز البشر اختلافاتهم ويصنعون المشترك 

“لم تكن الاختلافات الثقافية والاجتماعية ومنها العادات والتقاليد لتشكّل عائقاً أو عقبة على مستوى التفاهم. كأن تجرّنا إلى صدامات مثلاً؛ فهذا لم يحدث قطّ بيني وبين بيورن. كما ولعب الحبّ والتفاهم دوراً كبيراً في تجاوز كلّ تلك العقبات”.   
كانت بيترا تخاف أكثر ما تخاف في هذا الزواج من ردّة فعل أهل بيورن، ثمّ التقت بهم واحتفوا بها ومنحوها الحبّ ذاته الذي منحها إيّاه بيورن، على حدّ تعبيرها. ويجد بيرون أنّ الاختلافات الثقافية بينه وبين بيترا لم ترق إلى مستوى التحدّيات حتّى، فيقول لأبواب: “إنّ الأشخاص المقرّبين مني إضافةً إلى عائلتي كان ليسعدهم أن يستقبلوا شخصاً مميّزاً وودوداً مثل زوجتي. وحبّنا كان ومازال كما في اليوم الأوّل له”.

مرّ اليوم سنة كاملة على زواج بيترا ببيورن، ولمست بيترا في هذه التجربة الجديدة الاستقرار العاطفي والأمان المستقبلي والطمأنينة، وأيضاً كانت مرتاحة لعلاقة جوي بزوجها ببيورن التي وصفتها بالجيدة جدّاً وبأنّ بيورن يحبّ جوي حبّاً حقيقياً، وهذا ما يبقي بيترا مرتاحةً فعلاً لهذا القرار واصفةً إيّاه بالقرار الصائب.

طلاق اللاجئين وزواج الأجانب. مولود جديد.. تحدّيات جديدة

أنجب بيورن وبيترا مولودهما الأوّل “كيدنز” بعد عام على زواجهما؛ وهي فتاة رائعة الجمال تبلغ من العمر شهرين فقط، فرد جديد دخل إلى الأسرة ليغني تفاصيلها ويزيد تماسكها، فكيف ينظر الأبوين إلى شكل الحياة التي ستعيشها كيدنز في ظلّ ثنائية ثقافية واجتماعية ولغوية؟

سألنا بيترا عن ذلك الأمر بالتحديد وعن النهج الذي ستتبعه في تربية المولود الجديد، فأجابتنا: “لا يبدو أنّني سأتبع نهجاً مختلفاً عما انتهجته في تربية جوي، فأنا أحبّ الحياة القائمة على مشاركة كلّ التفاصيل المعاشة عائلياً، وهذا يتطلّب منّي المزيد من الحبّ والتربية الصحيحة، مثلما أتعامل مع جوي بشكل صحيح سيكون أيضاً تعاملي مع كيدنز”.
وسألنا بيورن بدورنا عمّا إذا اختارت المولودة الجديدة ثقافةً بعينها كيف ستكون ردّة فعله، فقال: “إذا فضّل أولادي هذه الثقافة على تلك فلا يسعنا نحن كأهل إلا أن نتمنّى لهم حياة جميلة مليئة بالسعادة والحبّ، لهم وللآخرين من حولهم، فنحن لسنا إلا لفترة وجيزة معهم في هذه الحياة، على الأقلّ بهذا الشكل القريب. وأطفالنا هم المستقبل وبرأيي هم لا يحتاجون حالياً لا لهذه الثقافة أو تلك بقدر ما يحتاجون للحبّ والثقة بهم وبقراراتهم أياً كانت”.

وختاماً الطلاق والزواج قضيتان محوريتان في حياة المهاجرين.. والألمان أيضاً، كما ولا يمكن أن تكون هذه القرارات من باب الموضة أو الإيحاء أو ما إلى هنالك من أشكال التأثير الاجتماعي؛ لأنّ المرء ساعة يُقدم على مثل هذه القرارات لا بدّ سيواجه مصاعب جمّة ومخاوف ومسؤوليات كبيرة، تفرض عليه قدراً كبيراً من الالتزام بهذا القرار وتداعياته إيجابية كانت أم سلبية. وفي قصّتنا هذه يتضح أنّ الحبّ كان سيّد الموقف والكلمة الفصل في علاقة هذين الزوجين.

سامر نهري. صحفي سوري مقيم في بيروت

محتوى مشابه:

حريق هائل في أيسن

حريق هائل في أيسن وفرق الإطفاء تستنفر

عشر نصائح للمغتربين والمغتربات

“طبيخ عزّابية”