in

المخرج السينمائي الذي نسي صلاته..

العمل الفني: ماكس إرنست
العمل الفني: ماكس إرنست

سوزان علي. شاعرة وكاتبة من سوريا
الخفة الأولى حيث لا يبكيك شيءٌ سوى الغبار، القمل في عاناتٍ تتدحرج مع سنابل الحنطة، ولينا وفستان يقذف المني لرجال غرباء، الليل والقضبان والظهر المنحني مع أمه، القمر المأهول بالجدات المتثائبات، صحن السيجارة وغرفة القرية وعيني جاكسون بولوك وهو يقود سيارته إلى المنفى.

هل كانت هذه اللحظات التي نامت في قلبي عمراً كاملاً لاجئةً أيضاً؟
لم يسألوني في ألمانيا عن شكل كنبتي التي قتلتها الرصاصة جلداً ثم جلداً ثم ذبحاً، مقاس غطاء سريري الذي انكمش فوق أكتاف اللصوص، المصبّ الذي تذهب وتجيء منه دموعي. إن البلاد لا تحب البشر، البلاد ومدارسها وكتبها يكرهون البشر، من الطبيعي جداً أن يتمرد المخلوق على الخالق، أن لا يحبه ويرفضه ويعذبه أيضاً، اللجوء ضحية هذه البلاد.
حدود وبصمة ومنارة وجواز سفر، من قال بأن البلاد تريد أن تكون بلاداً؟
من قال للعلم بأننا سعداء بهذه الطفرة؟
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: ضربني بخنجرو الشامي.. عن أحوال المرأة التي تمايلت على أغانيك

نحن المغتصبون الأوائل لهذه الأرض، عراة انسكبنا في شجرتها، كانت ترسم لوحةً وببغاء يحط فوق كتفها، كانت تغني وتهذي دون إله، دون حبال.
من قال بأن السلالم سعيدة؟
وهي ترى الجريمة تتسلق روحها دون أن تصل.
أمشي في هذه العتمة وأفكر بأشيائي التي رفضت اللجوء معي هنا.
مكتبي الصغير في باب توما، خواتم حبيبتي الشاردة في درجٍ مخلوع، صحن الملوخية مع أوراق الكزبرة، آه ماذا أذكر؟
لقد كنت أرجوكم وأبكي على الشاطئ، القارب لا ينتظر الوداع، ولا يعترف بهذه الترهات، القارب مخلوق للشر، إنه ابن البلاد التي خلقها الإنسان، كيف كان لينتظر الروائح التي كنت أستجديها كي تصعد معي، كي تدخل رأسي، آه أنا ظلٌ بلا حائط، بطنٌ تعج بالتقرحات.
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: سيرة قضيب 3- أنا متحرش.. أنا موجود

حبيبتي لينا، كيف حالك أيتها الورقة الصيفية اليانعة، وكيف حال أبيك المقعد؛ هل تسعلين أيتها النسمة في الحافلة دون منديل كالعادة، هل مازال بخار القطارات يعجبك أكثر من القطار؟
لينا.. أحتاج جسدك أكثر من أي وقت مضى، تعرفت إلى نساء كثيرات، كنّ جميلات في غيابهنّ يا لينا.
لا تصدقي ألمانيا، لا تصدقي الغابات، هل تعلمين ماذا أفعل كل يوم قبل أن أغفو؟
أقلب صورك في دفتري، مازلت أحتفظ بها في الدفتر البرتقالي، أقلبها حتى يتقلب جسدي وأصل البحر، هل تتخيلين كيف أنقذ رأسي من السقوط؟
تعالي إلي، اجمعي تلك الصرخات التي أبت الرحيل في قارب، عرّجي على الشمعة في الأزقة القديمة، شمعة قبلتنا الأولى، وأحضري لي ذاك اللهب، فأنا بلا حائط يا لينا.
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: أغمضي عينيكِ عن جسدك.. وابدأي بالعد

أنا رجلٌ أعمى، لا عصا تقودني وتمنعني من الارتطام والسقوط، أنانية تلك الأشياء التي ربيتها في حضني، دفعت الهواء عن صدري وأعطيتها شهيقي، أنانية ووقحة وساذجة، تركتني وحيداً يا لينا، ولم تأت حتى لوداعي.
لقد تمردت الحياة يا لينا في وجهي، ومسكت أطفالها كهرة كبيرة بين أسنانها ورحلت.
أرقب الثلج من وراء النافذة وأتذكر تعاليم الشيخ في المسجد، وهو يصرخ وينتحب كي يدافع عن وجود الله ونعمه ومعجزاته، كنت أستغرب هذا الدفاع الرث، وهو يتلعثم لشدة الحقيقة وبيانها وعظمتها، حقيقة بأن نتف الثلج لا تشبه بعضها أبدا، وكان حشد المصلين يردد وراء هذه المعجزة التسابيح والتوحيد والبكاء.
إنها نتف الثلج تسقط على نافذتي ثم تنسحب وتختنق وتموت تعود إلى أصلها ما إن تفارق السماء، تصير دمعة في البحيرة، هل للبحيرة مقدرة على التفريق بين مائها وحبات الثلج؟
أظنها معجزة تحتاج إلى كتب وموسيقى.

وها أنا يا لينا، مخرجٌ سينمائي موهوب، لم ينجز أي شيء، في حوزته عشرات بل مئات الأفلام، لكن لم يطبعها وينسخها ويرسل لقطاتها إلى أي مهرجان، إن المشاهد تعصر قلبي يا لينا، ولا أصدق متى أصنع مشهدي الأخير كي أقفل فيلما ما، اصنعه في رأسي وأغلق الستارة.
ليس هناك من كاميرا تستطيع أخذ هذا الصقيع وتدويره ونحته، أنا عاجزٌ تماماً عن ترك عيني ورأسي وحواسي جميعها، أنتظر الوقت يا لينا أن يخمر هذه المشاهد ويصنع من شهيقها قبراً بشاهدة كبيرة، أريد رؤية الجنازة، جنازة الماضي وعاداته المقهورة، قبل أن أبدأ، أريد انكسار ساقي قبل أن أغرق، أريد الحاجة واللوعة، أن أكون مع نتف الثلج هذه، أتمرغ في اختلافي حتى أصل جذري وأنشف في الصباح ، تحت شمس صلبة لا تؤمن بشيء.
المرسل: لاجئٌ في البلاد
العنوان: قاربٌ وسط الهواء الأسود
الوقت؛ الليل دوماً في هذه البلاد

ألمانيا: رغم ارتفاع معدل انتشار كورونا.. تخفيف القيود وإعادة فتح العديد من المرافق

ألمانيا: رغم ارتفاع معدل انتشار كورونا.. تخفيف القيود وإعادة فتح العديد من المرافق

في ظل أزمة كورونا.. البرلمان الألماني يوافق على تخفيف الأعباء الضريبية عن المواطنين

في ظل أزمة كورونا.. البرلمان الألماني يوافق على تخفيف الأعباء الضريبية عن المواطنين