in

حقيقة التعايش الديني والثقافي في ألمانيا: أسئلة وإحصائيات ومعلومات

مرصد أبواب

يبدو أن موجات الهجرة الأخيرة وازدياد أعداد القادمين الجدد في ألمانيا وضعت أبناء الجاليات العربية والإسلامية في دائرة الضوء، وأعادت الجدل بشأن أزمة الاندماج في المجتمع الألماني والفجوات الثقافية التي يعاني منها.

فمعظم اللاجئين الذين وصلوا ألمانيا في السنوات القليلة الماضية من المسلمين، وفقاً للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. في العام 2015 أعلن 73% من طالبي اللجوء، والذين بلغ عددهم 441899، أنهم يتبعون العقيدة الإسلامية. وفي العام 2016، كانت نسبة المسلمين 76% من طالبي اللجوء البالغ عددهم 72,2370، أما في العام الماضي فمن بين 198,317 طالب لجوء كانت نسبة المسلمين 65.9%.

ماذا عن حقيقة الجريمة؟

بالتوازي مع ذلك أصدر المكتب الاتحادي لمكافحة الجرائم بألمانيا تقريراً حديثاً أوضح فيه أن اللاجئين القادمين من مناطق حروب ونزاعات نادراً ما يصبحون جانحين في ألمانيا، مقارنة بطالبي اللجوء القادمين من مناطق أكثر سلماً. وجاء في التقرير المعنون: “الجريمة في سياق الهجرة”، رغم أن 35.5% من مجموع اللاجئين الذين جاءوا ألمانيا العام الماضي كانوا من سوريا، إلا أن نسبتهم من بين المهاجرين المشتبه فيهم كانت 20%، والشيء ذاته مع اللاجئين القادمين من العراق. فيما يظهر النقيض تماماً مع المهاجرين القادمين من دول المغرب وصربيا وجورجيا. وبحسب التقرير بلغ عدد ضحايا الجرائم الذين سجلتهم الشرطة العام الماضي نحو مليون ضحية، من بينهم 46,057 ألف مهاجر، بزيادة نسبتها 5.1% عن العام الفائت، فالمهاجرين غالباً ما يكونون ضحايا لإصابات جسدية خطيرة.

لكن وبكافة الأحوال فإن 8.5% من المشتبه بتورطهم بجرائم بألمانيا العام الماضي كانوا من المهاجرين! فيما تُظهر البيانات الإحصائية أن عمر المهاجرين المتورطين في جرائم أصغر بالمتوسط من عمر باقي المشتبه بهم، كما أن أغلب المهاجرين المشتبه بهم من الرجال.

ماذا عن حقيقة التعليم:

لحل مشاكل الإندماج طالب خبراء ألمان بضرورة توزيع شباب اللاجئين على المدارس على نحو أكثر توازناً مما هو عليه حالياً. فذكر مجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج والهجرة أن المدارس استقبلت ما يقدر بـ130 ألف لاجئ شاب منذ العام 2015 كثير منهم، لاسيما في المدن الكبرى، يتعلمون في المدارس التي يتعلم فيها أغلب الشباب المنحدرين من أصول مهاجرة، مما يؤدي إلى تهميشهم اجتماعياً. رغم أن هذه المدارس يمكن أن تقدّم إمكانات تعلم جيدة، نظراً لخبرتها مع ذوي الأصول المهاجرة، إلا إن التلاميذ غالباً ما يكونون مثقلين بالنزاعات هناك، ويعانون من أداء ضعيف عموماً يصعّب عملية التعلم. لذا فقد أوصى الخبراء بضرورة توزيع فصول الاستقبال والإعداد التي يلتحق بها اللاجئون الشباب، لمدة تصل إلى عامين في البداية، بشكل متوازن على المدارس داخل المحليات والأقاليم. وأشاروا إلى ضرورة مراعاة المدارس والسلطات للتكوين الاجتماعي واللغوي والثقافي عند الانتقال إلى فصول اعتيادية.

كما تصاعدت الكثير من الدعوات مؤخراً لإدراج تعليم اللغة العربية في المناهج الدراسية بألمانيا، الأمر الذي قد يساعد على الحد من اتساع رقعة التطرف لدى الشباب من ذوي الأصول الأجنبية، فالجيل الجديد من الجالية يدرس في ألمانيا ويتعلم الثقافة الألمانية ولكنه بحاجة ماسة أيضاً لتعلّم الثقافة العربية، وإلى ادماج الأشكال الثقافية مثل المسرح والسينما أو الشعر ضمن تعلّم اللغة، فبناء شخصية عربية منفتحة في ألمانيا يبدأ من العمل على الثقافة الأم قبل العمل على الثقافة الجديدة.

ماذا عن حقيقة حرية المعتقد؟

في جلسة نقاش بالبرلمان الألماني (بوندستاج) حول حرية الأديان على مستوى العالم دار جدل حول تحديد الفئات الأكثر عرضة للتنمر والتهديد في ألمانيا. فقالت النائبة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي إنه من المهم الوقوف بجانب تلميذ يهودي يرتدي قلنسوة اليهود (كيباه) عند تعرضه للتنمر الديني، وعندما يُنزع الحجاب من على رأس فتاة سورية، فإنه يتعين علينا أيضاً الوقوف بجانبها”. ومن هنا يأتي سؤال حرية المعتقد وتأثيره على التعايش الثقافي.

فالكثير من النساء والفتيات اللواتي هربن إلى ألمانيا يعانين اليوم من العنف والصدمة وبحاجة لدعم خاص. ورغم المشاريع الترادفية الكثيرة في البلاد والتي أقامها متطوعون، وتبحث مفهوم التعلم من الأخر ودعم تبادل المعلومات خاصة في مجال الاندماج، إلا أن تعليم العربيات تفاصيل العيش بحرية يحتاج إلى وقت، فلا يكفي تعليم ركوب الدرجات، والتواصل مع النساء الأخريات، بل يوجد سؤال إشكالي وأساسي ألا وهو الحجاب.

تطالب اليوم نسويات في ألمانيا بحظر ارتداء التلميذات القصّر للحجاب: “عندما ترتدي تلميذات في المرحلة الابتدائية بألمانيا الحجاب فهذا يعني أن شيئاً ما لا يسير على نحو صحيح”، هكذا يرى مجلس إدارة منظمة “تير دي فام” (أرض النساء) المعنية بحقوق النساء في ألمانيا. فيقلن: “من الغطرسة أن ينتقد شخص الهياكل الأبوية السلطوية والمزدرية للمرأة في الكاثوليكية، ولا يفعل المثل في الإسلام”، وكاتبات مجلة “إيما” النسوية أيضاً ترين المثل، والآن تعتزم ولاية سكسونيا السفلى الواقعة غربي ألمانيا حظر ارتداء النقاب في المدارس. بالمقابل كان هناك رأي مخالف يقول بأن “مثل هذا المطلب يؤجج العنصرية ضد المسلمين والتهميش المجتمعي لهؤلاء الفتيات”.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن قانون الحيادية في العاصمة الألمانية يحظر ارتداء موظفي القطاع العام للرموز الدينية خلال أداء وظيفتهم.

المساجد الليبرالية وتغيير الصورة النمطية:

في مسجد ليبرالي أطلق عليه “مسجد ابن رشد جوته”، أقيم داخل كنيسة “يوهانيس” بحي “تيرجارتن” بالعاصمة الألمانية برلين، ثمة صورة نمطية للعيش المشترك تتغيّر تماماً. ففي هذا المسجد الذي تأسس العام 2017 على يد المحامية “شيران أطيش”، المولودة في تركيا والناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان ولمنتمية إلى الحركة النسائية المدافعة عن حقوق المرأة، لا يوجد فصل بين الجنسين عند الصلاة، أو إلزام النساء بارتداء الحجاب، كما يتم الترحيب بالمثليين داخل المسجد وفي صفوف المصلّين.

هذا النمط من المساجد يثير بالتأكيد حفيظة المتعصبين من المسلمين، ولكنه يغير شيئاً من الصورة النمطية المكرّسة عن الإسلام في ألمانيا. تقول “شيران أطيش” عن ذلك: “فكرتنا تتمثل في إلقاء الضوء على وجهات نظر أخرى، لأنني أعتقد أن بإمكانكم تعلم التسامح”، وتتهم أطيش الروابط الإسلامية في ألمانيا بالمساعدة على نشر التفسير المحافظ للإسلام مما يعوق إندماج المسلمين في المجتمع الألماني.

خاص أبواب

اقرأ/ي أيضاً:

الاندماج والتعايش الثقافي في ألمانيا.. وجهة نظر

ألمانيا… الإسلام متهم ولو ثبتت برائته

مشاهدات ناشطة سورية في غوسلار الملونة: حين خسر اليمين المتطرف المعركة

الإسلام الألماني: ما المقصود منه وما السبيل إليه

المدنية قبل الإسلام. تونس الخضراء تزداد خضاراً، وباقي البلدان الإسلامية تزداد تصحراً

بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – لميس سيريس

كيف تؤثر ثقافة التعليم الألمانية على أطفال القادمين الجدد؟