in

غورليتزا بارك البرلينيّ.. على خارطة المخدرات واللجوء

Foto. imago stock&people . imago.Christian Mang

رباب حيدر. كاتبة سورية مقيمة في ألمانيا
تقول البروشورات السياحية إن برلين هي المكان المثالي لقضاء عطلة في أوروبا. تَعدُ برلين بتحقيق أحلام أي سائح: التنوع، التقاء الحضارات والأعراق والإثنيات، تنوع الطعام وأنماط الحياة، والبيرة المشهورة عالميًا، وبعض المعالم والمتاحف الأكثر شهرة في العالم. برلين من المدن القليلة في أوروبا التي تمنح الإذن لفناني الشارع وتعتبرهم بلدية برلين إحدى أوجهها الثقافية.

ويعلم كل سائح وجهتُه برلين أنها مركز موسيقا التكنو في العالم، الحياة الليلية الصاخبة جعلت لبرلين سمعةً عابرةً للقارات. تفتخر المدينة بمشهد الحياة الليلية هذا. تقع كرويتزبيرغ في قلب قلب العالم، وفي قلب قلب العالم إلى جانب نادي بيرغهاين الشهير يقع منتزه غورليتزا بارك أوغورلي اختصاراً “Görlitzer Park“، وبالعودة للعنوان حول المخدرات واللجوء فإن القصة تطول..
في هذا الجوار تأخذ بعض التجمعات السورية وقتها لتشكل نفسها، وقد سبقتها مجتمعات مهاجرة أخرى.. الملفت في المنطقة المحيطة بمنتزة الغورليتزا -حسب إشارات النوستالجيا السورية- هو اقتراب جوها من جو باب توما ربما بسبب التنوع البشري وكثرة المطاعم والرائحة.. حديقة القشلة كانت تفوح أيضاً بروائح الحشيش منذ عام 2012، ومن دون أي استحياء، وبمثل هذه الجرأة انتشر فيها تجار البالتان والترامادول، حدث هذا بعد أن قرر النظام أن انتشار المخدرات بين الشباب أسهل من انتشار الفكر المعارض أو حتى النقدي.
كانت المخدرات في سوريا بعيدة عموماً عن متناول الناس واقتصر تواجدها – قبل الثورة والحرب- على الحشيش. كانت العقوبة الاجتماعية للحشيش سيء السمعة عظيمة، إذ ينتشر في أوساط ضيقة تحض على تطويقها السلطتان المجتمعية والدينية. كلا الطوقين مفقودان في المجتمع الجديد للمهاجرين الذي لم تكتمل ملامحه بعد.

شبكات الحماية المجتمعية:

رغم القمع في البلدان التي يهرب منها المهاجرون (أنظمة ديكتاتورية عسكرية أو دينية أو انعدام شبه تام لوجود الأنظمة والحكومات)، فإن النسيج المجتمعي الذي تحيكه شبكة العائلة والأصدقاء والجيران في هذه البلدان يخلق شبكة حماية. ورغم إيجابيات هذه الشبكة، إلا أنها تترافق مع سلبيات تتمثل ببيئة غير مطواعة وقوانين اجتماعية كما القيود يصعب تكسيرها. هذه القيود تنكسر في البلد الجديد فيسهل للاجئ الوصول للحرية الفردية، ولكن بكسر هذه الشبكة مع كسر قيودها فتزول حسناتها أيضاً وتهدد الفرد بعدم الانتماء ليصبح وجوده هشاً.
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: في حوار مع الكاتبة السورية رباب حيدر.. الحرب ليست في مكانٍ آخر
معرفة اللغة والقوانين ومسارب الحياة اليومية، من معرفة وسائل النقل مروراً بمحلات التسوق وطلب العناية الصحية وأنظمة التأمين واستحقاقات الضرائب وصولاً لصعوبات الدخول إلى سوق العمل. كل هذا لا يزال بعد خمس سنوات من الوصول -كحد وسطي- شبه مجهول وطريقة حل هذه المعضلات البسيطة تؤدي للبحث، الذي قد لا يودي إلى النتائج المرجوة، تاركاً شعوراً بالعجز إزاء المكان الجديد. القلق يجعل الاستقرار أصعب والغربة أكثر قسوة وكأن الفرد على وشك السقوط دائماً من دون شبكة أمان اجتماعية تحميه أو تثبته. هشاشة الوجود هذه تتضاعف باضطرادٍ الآن.
كل هذه الهشاشة تضاف للقسوة التي واجهها المهاجرون سواء قبل قرار الرحيل أو أثناء الهرب أو كليهما معاً.هذه القسوة تجعل المهاجر أكثر هشاشة وقبولاً للهرب من مشاكله إلى مشاكل تبدو وكأنها أقل وزناً. وتقدم المخدرات هذا الحل كما تقدم معها كهدية عائلة ملفقة وشبكة أمان وهمية تتمثل بشلل المتعاطين وتجمعاتهم، وحالة انتماءٍ وهمي لعائلة مصطنعة قليلة العمق ولم تجرب كثيراً بعد، مما يجعل الأرض أكثر انزلاقاً بالنسبة لهذه الفئة من القادمين الجدد. وشيئاً فشيئاً يمكن ربط كلمتي “المخدرات واللجوء” هكذا ببساطة.

تفيد إحصائيات نشرتها “WENR-world education news and reviews” في آب أغسطس من العام الماضي بأن معظم اللاجئين القادمين إلى ألمانيا هم من الشباب، وما نسبته 84% من طالبي اللجوء الجدد في عام 2017 كانوا دون سن 35 عاماً، وكان 60 في المائة منهم من الذكور، فقط نسبة صغيرة كانت لديهم مؤهلات مهنية رسمية أو درجات أكاديمية.
لذا، وبعمليةٍ حسابية بسيطة، إن أزحنا من عمر أيٍ من هؤلاء الشبان زمن الحرب في بلاده، ثم زمن الهروب وفترة إنهاء إجراءات اللجوء، فإن الواصلين الجدد ما يزالون -كعمرٍ تخيلي أصغر على الأقل بعشر سنوات- وما يزالون في مرحلة تجربة الحياة ومواجهة الأسئلة الوجودية، المرحلة التي قطعتها الهجرة، ولم يكونوا أصلاً في مكان يسمح بنمو عضوي لتجربتهم الإنسانية ومعرفة الذات وذلك لقوة الشبكة الاجتماعية وتسلطها إضافةً لقمع السلطة.
اقرأ/ي أيضاً: اللاجئون العرب في ألمانيا.. كيف تنزلق الأقدام إلى وادي المخدرات العميق؟
مازال التخلص من أعباء السجن المجتمعي وتحقيق الذات، وتكملة التجارب الشخصية البسيطة تنوعاً من الخيارات البسيطة كأماكن التسوق إلى مصادر المعرفة، إلى المخدرات والتجارب الجنسية وخيارات الانتماء وغير ذلك من طروحاتٍ يُفترض أن تثير تساؤلاتٍ وجودية إن لم تكن على حامل واعٍ من المعرفة البدئية فستحتاج للكثير من الأساسات حتى لا تصنع دوامة. ولكَ أن تتخيل هؤلاء الشبان ضمن مجتمع بديل عن العائلة المفقودة والمعارف والشارع الذي طالما حمل الفرد في المجتمع الأم يتغنى بالماريوانا ويشجع على تعاطيها، مخدراتٌ أخرى تنتشر أيضاً في نطاقٍ أضيق كالإكستاسي والإم دي إم إي والكوكايين وغيرها.
لا يمكن اقتصار هذه الظاهرة “المخدرات واللجوء” بحالٍ من الأحوال على اللاجئين السوريين ولا تعميمها عليهم بكلّ تأكيد، حيث تشير دراسة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن بعض اللاجئين قد يكونون أكثر عرضة لتعاطي المخدرات لأسباب تتعلق بالصدمة والبطالة والفقر وفقدان الأسرة والدعم الاجتماعي وتغيير الأدوار الاجتماعية وغيرها. المخدرات تصبح بطبيعة الحال وسيلةً للتغلب على الصدمات والملل وعدم اليقين لا سيما بين الرجال وخصوصاً من يعانون من اضطرابات نفسية، عدا عن سهولة الوصول للمواد المخدرة ضمن بيئة متساهلة معياريًا، وضعف تنفيذ سياسات مكافحة المخدرات. قد يتفاقم الوضع بسبب ضعف المعرفة حول خدمات العلاج والوصول إليها.

انفجار ليدل في ألمانيا

انفجار ليدل في ألمانيا: إصابات إثر انفجار غامض بأحد مقرات متاجر “ليدل” الألمانية

خسارة أمازون أمام محكمة ألمانية: نصر للجماعات المدافعة عن حقوق المستهلك