in

هل يكون فيديو على اليوتيوب سبباً في تغيير الوجه السياسي للبلاد؟

الخضر ما بين “”Rezo-Effekt و “Fridays for Future” 

تمام النبواني

شهدت بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، ارتفاعاً ملحوظاً في شعبية الحزب المسيحي الديمقراطي، الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم في برلين، عكسته نسب التأييد التي حققها وبلغت 32% من الأصوات بحسب استطلاعات الرأي، وذلك على إثر استقالة المستشارة أنغيلا ميركل من رئاسة الحزب وانتخاب أنغريت كرامب-كارنباور خلفاً لها، حيث تمكنت الأخيرة من استقطاب الناخبين مجدداً خاصة عبر حديثها عن مسار مستقبلي جديد أكثر تشدداً في ترحيل اللاجئين المدانين بأعمال إجرامية، إضافة لمعارضتها الشرسة لزواج المثليين. 

ليكثر الحديث وقتها عن انطلاقة جديدة للحزب، بالرغم من المخاوف التي رافقت تلك المرحلة من تكرار سيناريو التراجع التاريخي لشعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي، نتيجة التخبطات والتجاذبات السياسية حول منصب الرئاسة.

إلا أن كرامب-كارنباور نفسها وضعت العصي سريعاً في عجلة الانطلاق التي قادتها، نتيجةً لوقوعها في المحظور باقتراح وضع قواعد تنظم حرية التعبير على الإنترنت في بلد يتغنى بالديمقراطية، بعد حملة طالت حزبها على موقع يوتيوب عشية الانتخابات الأوروبية، فحقق المسيحيون الديمقراطيون على إثرها أسوأ نتيجة في تاريخهم، رغم حلولهم في المركز الأول بنسبة 23% من الأصوات وذلك بفضل أصوات الناخبين الكبار في السن. 

وكان 70 من نجوم اليوتيوب الألمان قد دعوا للتصويت ضد الائتلاف الحاكم بسبب فشل سياساته في مكافحة التغير المناخي، وبدأ الحملة اليوتيوبير “ريزو” بنشره فيديو بعنوان “تدمير الحزب المسيحي الديمقراطي”، ندد من خلاله بسياسة الحزب خصوصاً في ما يتعلق بالبيئة، متهماً إياه باتباع سياسات مفيدة للأغنياء فقط، وشوهد الفيديو الذي يمتد 55 دقيقة أكثر من 15 مليون مرة.

وأثارت تصريحات كرامب-كارنباور موجة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استخدمت وسوم مثل “رقابة” و “استقالة AKK” (الأحرف الأولى من اسمها) للحديث عنها، وتم اتهامها بمخالفة الدستور الألماني الذي يكفل حرية التعبير عن الرأي للأفراد ووسائل الإعلام. كما أكدت رابطة الصحفيين الألمان أنه لا يتوجب على ناشطي اليوتيوب الالتزام بمواثيق العمل الصحفي مشبهةً عملهم بالأعمال الفنية. ويذكر أن كرامب-كارنباور قالت في معرض ردها على حملة اليوتيوب: “كيف ستكون ردة الفعل في البلاد على دعوة 70 صحيفة معاً قبل يومين من الانتخابات، إلى التصويت ضد الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديموقراطي؟ كان يمكن لذلك أن يعد تلاعباً انتخابياً”.

ويجمع المراقبون على أن ميركل ما كانت لتدلي بهكذا تصريحات انفعالية كما فعلت خليفتها، في موضوع بالغ الحساسية للشارع الألماني. وهنا يظهر جلياً الفراغ السياسي الناجم عن استقالة شخصية قوية تزعمت حزبها لمدة 18 عاماً، وتقود منذ 14 عاماً أقوى اقتصاد أوروبي ورابع أقوى اقتصاد عالمي.

وتظهر الإحصائيات أن الأصوات التي خسرها الائتلاف الحاكم في انتخابات البرلمان الأوروبي، ذهبت في معظمها إلى حزب الخضر الذي حقق نتيجة تاريخية بحصوله على 21% من أصوات الناخبين، مضاعفاً بذلك عدد مؤيديه مقارنة بالانتخابات السابقة التي جرت قبل 5 سنوات، وليحل في المركز الثاني مباشرة خلف حزب المستشارة. وفي هذا السياق أظهر تحليل بعد الانتخابات أجرته قناة “اي ار دي” أن موضوع المناخ بات أولوية بالنسبة لـ46% من الناخبين، بارتفاع 26 نقطة عما كان عليه خلال انتخابات عام 2014.

ووفقاً للبيانات فقد كان لفيديو “ريزو” الأثر الأكبر في اختيار الناخبين، الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، لحزب الخضر ليكون ممثلهم في أوروبا، وهو ما صار يسمى في وسائل الإعلام الألمانية ب “”Rezo-Effekt أي “أثر ريزو”. وبالرغم من أن اليوتيوبير لم يدعُ الألمان بشكل مباشر لانتخاب الخضر، وإنما ناشدهم فقط للامتناع عن التصويت للأحزاب الحاكمة وكذلك حزب البديل اليميني، إلا أن ريزو انتقد بشكل أساسي إخفاق الحكومة في الإيفاء بالتزاماتها في مجال المناخ، وهي القضية الرئيسية لحزب الخضر.

إن ارتفاع شعبية حزب سياسي بشكل قياسي خلال فترة قصيرة نسبياً، تدعونا للبحث عن أسباب أخرى لتغير مزاج الناخبين، وفي هذا الخصوص تتحدث الصحف الألمانية مؤخراً بشكل مستمر عن عامل مهم آخر وراء هذا الصعود لحزب الخضر، ألا وهو التأثير الواضح لمظاهرات “Fridays for Future” أي مظاهرات “أيام الجمعة من أجل المستقبل” على رأي الناخب الألماني.

وحركة “أيام الجمعة من أجل المستقبل”، كانت قد أطلقتها الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ البالغة من العمر 16 عاماً، حينما اعتصمت في آب/ أغسطس من العام الماضي أمام برلمان بلادها في استوكهولم، مطالبةً بالالتزام بالوعود الخاصة بمكافحة التغير المناخي، وداعيةً طلاب المدارس حول العالم للإضراب عن حضور الحصص الدراسية لعدة ساعات كل يوم جمعة والتظاهر في مدنهم  للضغط على الحكومات لتطبيق سياسات صديقة للبيئة. يذكر أن نواباً نرويجيين رشحوا غريتا لنيل جائزة نوبل للسلام.

وقد لاقت دعوات غريتا استجابة كبيرة لدى أبناء جيلها من الألمان، لتصل الإضرابات المدرسية إلى ذروتها الأولى في البلاد بحلول الربيع وبالتحديد في 15 آذار/ مارس الماضي، حيث تظاهر الطلاب في جميع أنحاء ألمانيا رافعين لافتات تطالب بإنقاذ مستقبلهم وحياتهم، من خلال إنقاذ كوكب الأرض من المخاطر التي تتهدده من جراء التغير المناخي. 

هذا وقد وضعت الحركة في ألمانيا جدول مطالب لها يتضمن ست نقاط: انبعاثات صافية عند مستوى الصفر من ثاني أكسيد الفحم بحلول العام 2035، التخلي تماماً عن الفحم الحجري حتى 2030، الاعتماد 100% على مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2035، إلغاء الدعم عن مصادر الطاقة التقليدية بحلول نهاية العام 2019، إقفال ربع محطات الطاقة العاملة بالفحم، وأخيراً فرض ضرائب على غاز ثاني أكسيد الفحم بمعدل 180 يورو لكل طن من غاز ثاني أكسيد الفحم. وعادت احتجاجات “أيام الجمعة من أجل المستقبل” لتبلغ ذروتها الثانية يوم الجمعة 21 حزيران/ يونيو، في مظاهرة حاشدة خرجت في مدينة آخن غربي البلاد، شارك فيها حوالي 40 ألف شخص تحت شعار “عدالة مناخية بدون حدود – معاً من أجل المستقبل”.

مع هذه المطالبات ونحو مستقبلٍ كهذا يبدو أن الخضر هو المرشح الوحيد القادر على حمل مطالب الجيل الجديد، 

إقرأ/ي أيضاً:

صعود حزب الخضر، قراءة سريعة لمستقبل محتمل لألمانيا

زعيم حزب الخضر: “بعض الجوانب في فكر ماركس، هي في الواقع، معاصرة على نحو مدهش”

ألمانيا في مواجهة العنصرية.. استراتيجية الحكومة والمجتمع المدني

بالصور: الإيدز وفيروس نقص المناعة المكتسب… حقائق وأرقام

الشرطة الألمانية في مدينة كولن تحبط هجوم إرهابي محتمل