in

كيف تُبنى التحالفات في النظام الحزبي الألماني؟

رعد أطلي* تعيش ألمانيا اليوم عصراً مختلفاً لا يحميها فيه سوى قدرتها في الحفاظ على مبادئها الديمقراطية، فللمرة الأولى منذ خمسينيات القرن الماضي تدخل ستة من الأحزاب الألمانية للبرلمان الألماني، وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية يدخل حزب يميني متطرف البرلمان. وللمرة الأولى تتآكل القاعدة الصلبة للأحزاب الرئيسية في ألمانيا، الاتحاد المسيحي، والاشتراكي الديمقراطي.

وإثر فشل تشكيل الحكومة حتى الآن، تحاول أبواب إلقاء الضوء على طبيعة التحالفات وأنواعها في النظام الحزبي الألماني وبين مختلف الأحزاب الألمانية والعوامل الرئيسية التي تؤثر على تشكيلها:

في ألمانيا كما في مختلف البلدان ذات النظام الحزبي الديمقراطي تنقسم الأحزاب المشاركة إلى يمين ويسار، والأحزاب اليمينية عادةً تمثل التوجهات المحافظة على المستوى الاجتماعي، وتمثل التوجهات الرأسمالية واقتصاد السوق على المستوى الاقتصادي. في حين تمثل الأحزاب اليسارية التوجه التعددي والمنفتح على المستوى الاجتماعي، أما اقتصادياً فهي تسعى لفرض هيمنةٍ أكبر للدولة على وسائل الإنتاج وخاصة الحيوية والسيادية منها كوسائل النقل والقطاع النقدي.

ويتدرج تموضع الأحزاب ضمن هذه التصنيفات حسب برامج وإيديولوجيات كل منها، ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وفي هذه الدورة ينقسم البرلمان الألماني بين ستة أحزاب، ثلاثة في اليمين، حيث حزب البديل المتطرف في أقصاه، ومن ثم الحزب الديمقراطي الليبرالي في اليمين، والاتحاد المسيحي في اليمين الوسط. بينما يتموضع حزب اليسار “لينكه” في أقصى اليسار، والخضر في اليسار والاشتراكي  الديمقراطي في اليسار الوسط.

تَحسم النتائج الانتخابية عدد المقاعد في البرلمان وبالتالي تفرض طبيعة التحالفات الممكنة لتشكيل الحكومة، وتتأثر التحالفات بطبيعتها بأربعة عوامل رئيسية هي:

البرامج الحزبية:

قد تلتقي أحزاب يمينية ويسارية في نقاط معينة مما يمنح فرصاً للتحالفات، أو تتعارض برامجها الحزبية فتفشل التحالفات كما حصل مع جامايكا، حيث يعد ملف لمّ شمل اللاجئين أحد أهم النقاط الخلافية التي أفشلت التحالف.

الحوكمة:

أو إدارة الحكم، تتأثر التحالفات بتوزيع الكراسي الوزارية بين الأحزاب المتحالفة، ويكون رئيس الحكومة أو المستشار من الحزب ذي نسبة الأصوات الأعلى، أما توزيع باقي الكراسي الوزارية بين المتحالفين، فلا يرتبط بنسب الانتخابات، بقدر ما يرتبط بالوضع السياسي القائم. فبعد فشل “جامايكا” مثلاً يسعى الاتحاد المسيحي بقيادة ميركل لاسترضاء الاشتراكي الديمقراطي للدخول في تحالف حكومي تجنباً لانتخاباتٍ مبكرة، وهذا سيمكن الحزب الاشتراكي من فرض شروطٍ لا تؤهله لفرضها نسبة التصويت.

الانتخابات القادمة:

تؤثر التحالفات على الناخب في الدورة التالية؛ مثلاً أعلن الحزب الاجتماعي المسيحي المتحالف دائماً مع الديمقراطي المسيحي عن رفضه التحالف مع الخضر، ولكنه استمر نتيجة حاجة حليفه المسيحي الديمقراطي لذلك. وسبب الرفض هو سياسة الخضر المنفتحة أمام اللاجئين، فالحزب الاجتماعي المسيحي تراجعت نسبته لصالح حزب البديل، الذي حصد معظم أصواته من بافاريا ولو تحالف مع الخضر، فإن البافاريين سيميلون أكثر في الانتخابات القادمة لصالح البديل.

طبيعة الحزب:

وترتبط بتعريف الحزب لنفسه وفهم مبادئه ومنظومته الإيديولوجية، فعلى سبيل المثال رفضت الأحزاب الخمسة في البرلمان التحالف مع البديل بغض النظر عن البرامج الحزبية أو الحوكمة أو حتى الانتخابات القادمة.

وهناك في ألمانيا نوعان رئيسيان من التحالفات حسب نسب الأصوات، الأول هو التحالف الكبير؛ أي تحالف الحزبين الحاصلين على أصوات أكثر، كتحالفَ الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي من جديد، والنوع الثاني هو التحالفات بين أكثر من حزبين بحيث تحصل الأحزاب المتحالفة على نسبة 50 % فما فوق من نسبة الأصوات مجتمعة، أو بين الحزبين الأول والثالث مثلاً، وتسمى هذه التحالفات عادة بحسب الألوان الخاصة بكل حزب، مثل أسود-أصفر عن تحالف الاتحاد المسيحي مع الديمقراطي، أو أحمر أخضر نسبة لتحالف الاشتراكي الديمقراطي مع الخضر.

وهناك تصنيف آخر حسب الاتجاهات السياسية للأحزاب، فالتحالف الداخلي يكون بين أحزاب من نفس الاتجاه يساري أويميني مثل التحالف بين الاتحاد المسيحي والليبرالي، والتحالف الخارجي أو المتجاوز يكون بين أحزاب مختلفة الاتجاهات السياسية.

ويعتبر التحالف الداخلي الكبير هو الأقوى بسبب تناغم العمل بين حزبين حازا أكبر عدد من الأصوات، ومن نفس الاتجاه السياسي، بينما يعتبر التحالف الخارجي الثلاثي (مثل جامايكا) هو الأصعب تطبيقاً وهو لم ينجح تاريخياً.

 

رعد أطلي* ناشط سياسي سوري

 

اقرأ أيضاً

احتماليات التحالف الجديد لحكم ألمانيا

حظوظ المهاجرين واللاجئين من الانتخابات القادمة

فراغ سياسي في الحكومة الألمانية ما بين جمايكا وكينيا، وما بعدهما

السجن ثلاث سنوات لمحامي مصري حرّض على اغتصاب الفتيات

في الزنزانة رقم 1: الفن وسيلة لتذليل المصاعب ونبذ العنف