in

عن النصف المليء في انتخابات الولايات الشرقية في ألمانيا الاتحادية

د. هاني حرب. باحث ومحاضر في جامعة هارفرد – USA مؤسس وأمين سر الجمعية الألمانية–السورية للبحث العلمي

اليوم وبعد أكثر من شهر من انتخابات الولايات الشرقية الألمانية (براندنبورغ، ساكسن) أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا \ AfD الحزب الأقوى ضمن أحزاب المعارضة الألمانية. خلال السنة ونيف من الزمن، لم تستطع الأحزاب الألمانية الشعبية مقارعة قوة حزب البديل (المعادي للأجانب) كما بينت استطلاعات الرأي. 

حاول الحزبان المسيحي الديمقراطي\CDU والديمقراطي الاشتراكي\SPD على التوالي تغيير الكثير من سياساتهم وبرامجهم الانتخابية في الولايتين المذكورتين، أملاً في استعادة عدد لا بأس به من أصوات الناخبين، ممن لم يصوت سابقاً على الإطلاق، أو من قام بتغيير صوته من هذين الحزبين لحزب البديل من أجل ألمانيا .

من الملفت للنظر أن عدداً كبيراً من أصوات حزب اليسار الألماني، والذي كان حتى فترة ليست ببعيدة، من أقوى الأحزاب في الولايات الشرقية في ألمانيا، ذهب تماماً إلى الطرف المقابل، إلى اليمين الألماني ممثلاً بحزب البديل. إضافةً إلى ذلك، فإن حزب الخضر الألماني حقق نتيجة لم تكن متوقعة على الإطلاق. حيث استطاع الحصول على نتيجة ممتازة متمثلة بأكثر من ١١٪ من أصوات الناخبين في براندنبورغ و ٩٪ في ساكسن.

لننظر قليلاً إلى الأرقام:

في ولاية ساكسن استطاع الحزب المسيحي الديمقراطي CDU وعلى عكس كل التوقعات واستطلاعات الرأي حسم المعركة الانتخابية لصالحه، حيث استطاع تحريك أكثر من ١٦٢ ألف ناخب لم يصوتوا قبلاً لصالحه؛ (عكس ما يتم تداوله من أن الناخبين غير المصوتين سابقاً قاموا جميعهم بالتصويت لحزب البديل من أجل ألمانيا). 

إضافةً لذلك أكثر من ٣٠ ألف ناخب يساري و٣٤ ألف ناخب اشتراكي حولوا أصواتهم لـ CDU لمحاربة “البديل”. وفي المحصلة النهائية استطاع CDU الحصول على أكثر من ٥١ ألف صوت أكثر من الانتخابات السابقة. 

إن دل هذا على شيء، فإنه يدل على أن الماكينة الانتخابية المسيحية بقيادة رئيس حكومة ساكسن “كريتشمر”، استطاعت بطريقتها عبر فتح حوارات مباشرة مع الناخبين في مدن ساكسن المختلفة وخصوصا المتضررة اقتصادياً، استمالة الناخبين الألمان لصالحهم مجدداً عبر وعودٍ انتخابية يمكن تحقيقها، عكس برنامج “البديل” القائم فقط على معاداة باقي الأحزاب، ومعاداة الأجانب. 

أما في براندنبورغ، فقد استطاع الحزب الاشتراكي الديمقراطي\ SPD تحريك الناخبين مجدداً لصالحه. لم يكن هذا التحريك سهلاً أو ناجحاً كما كان في ساكسن وذلك لأن الحزب خسر أكثر من ٣٢ ألف ناخب منذ عام ٢٠١٤ لدواعي الوفاة.

حسب الأرقام، تمكن SPD من تحريك أكثر من ٦٥ ألف مصوت لم ينتخب من قبل لمحاربة سياسة AfD من أجل ألمانيا . إضافةً إلى ذلك استطاع الحزب الاشتراكي الحصول على أصوات أكثر من ٣٠ ألف من ناخبي اليسار الألماني و٢٠ ألف من ناخبي CDU.

ما يجب أخذه في الاعتبار هنا هو أنه لم يكن الحزبان الكبيران هما المنتصران الوحيدان ضمن هذه الانتخابات، فحزب الخضر استطاع في ولايتين من الولايات التي يخسر بها عادةً أن يحصل على نتائج رائعة مقارنة بقوة الحزب في هاتين الولايتين.

إن كون AfD أقوى حزب معارض في الولايات التي تحيط بمدينة برلين، العاصمة، إنما يدل على سخطٍ هائل بين الناخبين الألمان خصوصاً ضد سياسات CDU ؛ الذي ذهب أكبر عدد من ناخبيه لانتخاب “البديل” باعتباره الحزب الوحيد إلى جانب CDU الذي يدور في الفلك اليميني السياسي. 

لكن هذا الفوز ومع تحليل نتائج الأحزاب بشكل أكثر دقة، نرى أنه فوز آني، حيث أن حركة الناخبين بين الأحزاب هي حركة مرتبطة بتطورات السياسة والاقتصاد، وإن ظل حزب البديل دون أي برنامج سياسي اقتصادي حقيقي يستطيع استمالة الناخبين إليه بشكل دائم كما حزب الخضر على سبيل المثال لا الحصر، فلن يتمكن على الأغلب من الاحتفاظ بناخبيه في الانتخابات القادمة في العام ٢٠٢٤.

عند دراسة نتائج الانتخابات الأخيرة، نرى أنه رغم صعود اليمين المتطرف، فإن الأحزاب التقليدية استطاعت هي أيضاً تحريك عدد كبير من الناخبين غير المصوتين من قبل لمحاربة سياسات اليمين الشعبوية المعادية للأجانب. ولكن يتوجب في كل الأحوال على الحزبين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي دراسة نتائج هذه الانتخابات بشكل معمق لإيجاد طرق جديدة لاستمالة الناخبين مجدداً.

اقرأ/ي أيضاً:

ملف العدد 46: زلازل في خارطة الأحزاب الألمانية

حزب البديل يخسر دعواه أمام المحكمة الدستورية ضد سياسة ميركل للجوء

هل ينجح اليمين المتطرف المحتشد في إيطاليا بتغيير وجه أوروبا؟

تيبو كورتوا.. المذنب والضحية في حارس واحد

افتتاح متحف لمدرسة “باوهاوس” المعمارية في مدينة ديساو الألمانية