in

احتماليات التحالف الجديد لحكم ألمانيا

رعد أطلي*. لن يكون الرابع والعشرون من أيلول/سبتمبر الفائت يوماً عادياً في تاريخ ألمانيا، بسبب نتائج الانتخابات التي وُصفَت من قبل وسائل إعلامية عدة بأنها بمثابة زلزال ألمّ بألمانيا على مستوى السياسة والمجتمع الألماني، ويتمثل ذلك الزلزال بنقطتين، الأولى: خسارة الأحزاب الكبرى العديد من الناخبين لصالح الأحزاب الصغيرة. والثانية فوز حزب يميني متطرف يُتهم بأنه نازي التوجه والطروحات، ليكون أقوى تلك الأحزاب بعد الحزبين التقليدين، المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي.

مع إعلان نتائج الانتخابات أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا أول حزب متطرف يدخل البرلمان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك متوقعاً بعد نجاحه في دخول 13 برلمان محلي من أصل 16 في الجمهورية الاتحادية. وجاء الاتحاد المسيحي “CDU” أولاً في النتائج الانتخابية بنسبة 32,9%، والحزب الاشتراكي الديمقراطي “SPD” ثانياً بنسبة 20,5%، ومن ثم البديل لألمانيا بنسبة 12,6%، والحزب الديمقراطي الحر 10,7%، واليسار 9,2% وآخر الأحزاب التي تجاوزت حد الـ5% الملزمة لدخول البرلمان كان الخضر بـ 8,2%.

مباشرةً بعد نهاية الانتخابات، حزب ميركل يواجه المهمة الأصعب

بعد أن اتجه الحليف السابق لميركل “الحزب الاشتراكي” إلى صفوف المعارضة، إثر نتيجةٍ هي الأضعف بتاريخه بعد الحرب، أصبح الاتحاد المسيحي الديمقراطي مجبراً على تشكيل تحالف مع حزبين آخرين لتشكيل الحكومة. وترفض جميع الأحزاب التحالف مع حزب البديل، بينما يُستبعد تماماً دخول اليسار في تحالف مع الاتحاد المسيحي، وبذلك يبقى الخيار بتشكيل ما سُمّي بتحالف جامايكا نسبةً لألوان الأحزاب الثلاثة “الأسود، الأصفر، الأخضر”، وهو التحالف الأكثر ترجيحاً في حال تشكلت حكومة ائتلافية بين الليبراليين والاتحاد المسيحي والخضر. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومات الائتلافية تكون عادةً بعيدة عن نموذج الحكومات القوية، لأنها قائمة أساساً على تنازلات أطرافٍ عدة، ومن السهل تفككها لاختلاف توجهاتها.

من السهل تحالف الليبراليين مع المسيحي الديمقراطي رغم اختلاف البرامج الانتخابية، حيث توجد توافقات حول الأمن والاقتصاد وملف الهجرة واللجوء. بينما يصعب ذلك مع الخضر، إذ صرح زعيم الخضر جيم ازدمير بأن حماية البيئة تأتي في مقدمة أولويات الحزب في مفاوضات المشاركة في الحكومة. وحول ملف الهجرة يختلف  الاتحاد المسيحي عن الخضر في موضوع رئيسي متمثل بالوجه الثقافي لألمانيا؛ ففي حين يفضل الاتحاد المسيحي الديمقراطي مبدأ الثقافة الرائدة، وما قد يتبعه من تضييق على الحريات الشخصية لبعض الجماعات المهاجرة، يصر حزب الخضر على مبدأ التعددية الثقافية.

ويبدو الخلاف أكبر بين حزبي الخضر والاتحاد المسيحي الاجتماعي (وهو الشقيق البافاري للحزب الديمقراطي المسيحي). حيث كان قياديون في الحزب الاجتماعي قد طالبوا رئيسه بالتخلي عن التحالف التاريخي مع الحزب الديمقراطي المسيحي، إثر هزيمته في الانتخابات في ولاية بافاريا التي ينشط فيها، لصالح حزب البديل، والذي ارتفعت نسبته في الولاية من الصفر تقريباً لتتجاوز 12%. علماً أن الحملة ضد التحالف مع حزب ميركل قد بدأت  قبل الانتخابات، نتيجة ملفات عديدة في مقدمتها سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين.

وحول مفاوضات الحكومة الائتلافية أعلن زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي هورست زيهوفر، أنه لن يتحالف مع الخضر الذي يطالب بالتعددية الثقافية مقابل إصرار الاجتماعي المسيحي على الثقافة الرائدة، في الوقت نفسه لو تشكل ذلك التحالف سيكون الحزب الاجتماعي في المرتبة الأخيرة بين الحلفاء الأربعة في الحكومة، وعلى الرغم من نسبته الضئيلة من الأصوات والمقاعد في البرلمان والتي تبلغ 6,2%، فإن الحزب الاجتماعي المسيحي يمكنه أن يشكل عائقاً في وجه حكومة ائتلافية بين الاتحاد المسيحي والليبراليين والخضر، حيث لن تتخطى الأحزاب الثلاثة نسبة الـ 50% اللازمة تشكيل حكومة في حال تفكك تحالف الاتحاد المسيحي.

تأثير تحالف الأحزاب الثلاثة على المهاجرين واللاجئين في ألمانيا

سييكون التأثير إيجابياً، رغم أنه قد يحدد الهجرة أكثر، وهو ما بدأ بخطوات عملية قبل الانتخابات، كتسريع عمليات الترحيل ومنح الإقامة لسنة واحدة فقط على أساس الحماية الدولية لمعظم اللاجئين، ولكنه قد يسرع عمليات إدماج اللاجئين في سوق العمل الألماني، بحسب البرنامج الانتخابي لليبراليين الذي يتوافق مع الخضر ونوعاً ما مع الديمقراطي المسيحي.

من ناحية أخرى فإن توجه الحزب الاشتراكي إلى المعارضة يصب في صالح اللاجئين والمهاجرين والمجتمع الألماني عموماً، حيث سيمنع حزب البديل من تزعم المعارضة في البرلمان. ومع وجود تحالف جامايكا في الحكم والحزب الاشتراكي الديمقراطي في المعارضة إلى جانب اليسار، قد يرى قانون الهجرة النور كخطوة توافقية بين أحزاب التحالف أولاً، وبين الحكومة والمعارضة ثانياً.

احتمال ضعيف قد يودي بكل الاحتمالات السابقة إلى الهاوية

وهو تخلي الحزب الاجتماعي المسيحي عن الاتحاد المسيحي، سيتسبب بشبه استحالة تشكيل حكومة، وبالتالي الذهاب لانتخابات مبكرة، أو يؤدي أيضاً وهو احتمال أضعف إلى توجه الحزب الاجتماعي المسيحي للمعارضة، وقد يلتقي في بعض الملفات حول اللاجئين والثقافة الرائدة مع البديل لألمانيا، ليشكلا منافساً ضخماً للحكومة، مع وجود الحزب الاشتراكي الرئيسي في المعارضة اليوم.

*رعد أطلي. ناشط سياسي سوري

 

مواضيع ذات صلة:

مخاوف اللاجئين بعد صعود اليمين: قراءة في نتائج الانتخابات الألمانية

زيادة في عدد النواب الألمان المنحدرين من أصول مهاجرة

غالبية الألمان لا يتوقعون بقاء حزب البديل في البرلمان

مشاورات ماراثونية بانتظار ميركل لتشكيل الحكومة

مخاوف اللاجئين بعد صعود اليمين: قراءة في نتائج الانتخابات الألمانية

سينما وفيديو آرت في منتصف ليل الجمعة القادم في برلين