in

تحالف جامايكا وصعوبات تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة

كل مهتم في الشأن السياسي الألماني يفهم مصطلح (تحالف جامايكا) في لغة تحالفات الأحزاب الألمانية، لكن المصطلح جديد لكثيرٍ من اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا منذ مطلع عام 2014 وحتى الآن.

يُنسَب تحالف جامايكا إلى تشكيل إئتلاف حكومي بين الأحزاب الثلاثة، الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU بشعاره الأسود، وحزب الخضر (تحالف التسعين/ Bündnis 90/Die Grünen) بشعاره الأخضر، إضافةً إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي FDP بالأصفر. وهذه الألوان هي ألوان علم دولة جامايكا. وتجري منذ شهر مشاورات ولقاءات مكثفة بين الأحزاب الثلاثة لتشكيل الحكومة الألمانية الجديدة. بعد إعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD انسحابه من الإئتلاف الحكومي السابق مع الاتحاد المسيحي.

يعتبر هذا التحالف صعباً في الساحة السياسية الألمانية، نظراً لتباعد الخط السياسي بين حزب الخضر (اشتراكي وسط ميال لليسار)، والحزبين الآخرين (يمين وسط إلى حدٍ ما). وتاريخياً يعتبر الحزب الليبرالي الديمقراطي الحليف المفضل للاتحاد الديمقراطي المسيحي. لكن تحالف الاثنين مع حزب الخضر لم يحدث في تاريخ البرلمان الاتحادي أبداً، وإنما فقط في بعض البرلمانات المحلية. كما أنه رغم اتفاق الأحزاب الثلاثة على نقاط كثيرة إلا أن الخلاف مايزال مستمراً حول حماية المناخ والهجرة.

في حال تم هذا التحالف فسيكون “الخضر” جزءاً من الحكومة للمرة الثانية في تاريخه، حيث سبق وشكل حكومةً إئتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي ما بين 2000 ـ 2005 وتسلم حقيبة وزارة الخارجية حينها السياسي المعروف يوشكا فيشر عندما كان غيرهارد شرودر مستشاراً لألمانيا.

من جهةٍ أخرى فإن الاتفاق الداخلي بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحليفه الدائم المسيحي الاجتماعي البافاراي، والقاضي بتحديد أعداد اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا بنسبة لاتتجاوز 200 ألف لاجئ سنوياً، أمرٌ يرفضه زعيم حزب الخضر جام أوزدمير بشدة، حيث يطالب بانتهاج موقف وسطي من سياسة اللجوء بما يتماشى مع قيم ألمانيا الإنسانية أولاً، والعمل لجمع شمل عوائل اللاجئين وتسريع إجراءات اللجوء بشكل عام.

زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي كريستيان ليندنر، الذي يتفق مع الاتحاد المسيحي الديمقراطي حول سياسة اللجوء، والذي طالب أكثر من مرة بالحد من تدفق اللاجئين، يطالب بحقيبة وزارة المالية التي كانت بحوزة السياسي المخضرم فولفغانغ شويبله من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، والذي انتخب قبل فترة رئيساً للبرلمان الألماني. مطالبة الليبراليين بحقيبة المالية تأتي في إطار تفهمهم لطبيعة الشرائح التي أدلت بأصواتها له خلال الحملة الانتخابية والتي تتشكل بغالبيتها من رؤوس الأموال وأصحاب الشركات في ألمانيا.

ولا تخلو توافقات الأحزاب الثلاثة حول السياسة الخارجية من المصاعب، فالحزب الليبرالي الديمقراطي لم يكن بالمستوى المطلوب عندما كان السياسي الراحل غيدو فيسترفيلليه وزيراً للخارجية ما بين 2010 ـ 2014، على عكس حزب الخضر.

استلام زعيم حزب الخضر جام أوزدمير لحقيبة وزارة الخارجية أمر تخشاه تركيا ورئيسها إردوغان، خصوصاً أن أوزدمير يتخذ موقفاً صارماً من سياسة إردوغان، وسبق وأن وصفه بالدكتاتور ومحتجز الرهائن نتيجة سياسته حيال الكرد ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين منذ استلامه منصب الرئاسة.

حل المسائل العالقة يقع بالدرجة الأولى على عاتق المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وحليفها البارفاري بزعامة هورست زيهوفر، الذي يتخذ موقفاً متشدداً هو الآخر من اللاجئين، لكن أصواتاً من داخل الحزب تنادي بضرورة اتخاذ الأحزاب الثلاثة مواقف وسطية حول النقاط الخلافية.

أخيراً يمكن القول بأن ألمانيا أمام خيارين لاثالث لهما؛ فإما المضي في مباحثات مكثفة حتى الوصول بتحالف جامايكا إلى بر الأمان وإعلان تشكيل الحكومة الجديدة، أو إعادة الانتخابات البرلمانية الاتحادية، وهذا ما لوح به منافس ميركل مارتن شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بعد إعلان حزبه تزعم المعارضة في البرلمان محملاً الأحزاب الثلاثة الأخرى مسؤولية ذلك.

إعادة الانتخابات الألمانية لم تحدث على الإطلاق في تاريخ ألمانيا، وهو أمرٌ غير مرغوب على الصعيد الجماهيري التي أعطت صوتها لهذه الأحزاب، وستؤدي إعادة الانتخابات بالتأكيد لخفض شعبية أحزاب تحالف جامايكا وهو أشبه بانتحار سياسي لها.

مكسيم العيسى ـ  صحفي سوري مقيم في ألمانيا منذ عام 2003

 

مواضيع ذات صلة:

مخاوف اللاجئين بعد صعود اليمين: قراءة في نتائج الانتخابات الألمانية

حظوظ المهاجرين واللاجئين من الانتخابات القادمة

هل تعنينا الانتخابات الألمانية؟

شرودر إردوغان وبوتين، وما خفي كان أعظم!

“الكاريكاتير ليس دائماً مضحكاً”.. في مهرجان الكاريكاتير العربي في بلجيكا