in

الصدمات النفسية بأنواعها وآثارها (1): لأن ما عشناه أقسى من طاقة الاحتمال..

الصدمات النفسية بأنواعها وآثارها
الصدمات النفسية بأنواعها وآثارها

د جاسم المنصور. معالج نفسي سوري مقيم في ألمانيا
ندرك جميعاً مقدار الأزمات التي مرت بها بلادنا العربية وخاصة في السنوات الأخيرة. عدا عن الكوارث الطبيعية كالزلازل وغيرها. كما يتعرض يومياً الآلاف لأزمات وصدمات سواء نتيجة الحوادث أو الحرائق والأمراض الخبيثة والخسائر المادية وفقدان أشخاص مقربين. وبالإضافة إلى الآثار الطبية والجسدية، ينتج عن هذه الكوارث والأزمات آثار نفسية قد تتحول إلى اضطرابات نفسية تحتاج إلى تدخلات علاجية سريعة.

لاحظ العلماء المهتمون بآثار الكوارث والأزمات أن من بين الآثار الأكثر شيوعاً هي اضطرابات ما بعد الصدمة، (Post traumatic stress disorder)، والمعروفة اختصاراً (PTSD). ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل يصاب كل الأشخاص الذين عايشوا كارثة أو أزمة أو خسائر على المستوى الشخصي أو المادي هذا الاضطراب؟ هل نستطيع أن نخفف من آثار الأزمة أو الكارثة نفسياً؟ وهل هناك أساليب وقاية أو تدخل سريع للتخفيف من هذه الآثار؟
اقرأ/ي أيضاً: كي لا نبقى في حلقاتٍ مفرغة.. عن علاقة الهجرة واللجوء بالاضطرابات النفسية والعنف

الصدمة النفسية كانت هنا منذ أعماق التاريخ

يعتقد الكثيرون أن الصدمة النفسية وآثارها هي فكرة حديثة ظهرت في أواخر القرن الماضي، ولكن الدلائل التاريخية تشير إلى أن اضطرابات ما بعد الصدمة أو آثار الأزمة النفسية قد ذكرت منذ عام 1300 ق.م. وقام باحثون من جامعة أنغيلا روسكين البريطانية بدارسة وتحليل مراجع ومستندات مخطوطات ترجمات من الحضارة العراقية القديمة. وكشفت تلك الترجمات أن العديد من الجنود كانوا يرون “أشباح مقاتلين واجهوهم في المعارك”، وهو ما يتوافق مع الأعراض الحديثة لمرض اضطرابات ما بعد الصدمة. 
في التراث العربي نجد الكثير من الإشارات على وجود الصدمة النفسية سواء طبياً كما عند ابن سينا أو في التراث الأدبي، مثل قصيدة دريد ابن الصمة حول مقتل أخيه ونلاحظ فيها علامات الصدمة النفسية بصورة واضحة.
اقرأ/ي أيضاً: النظام الصحي النفسي في ألمانيا.. أين تتجه ومن تستشير وكيف تحصل على الخدمات النفسية

الأزمة النفسية

 كما ذكرنا في المقدمة تعتبر الخسائر النفسية الناتجة عن الأزمة أو الصدمة النفسية الناجمة عن الحوادث والكوارث أهم وأخطر من الإصابات المباشرة بالجروح والكسور والكدمات التي تحتاج إلى  الإسعاف وتلتئم مع مرور الوقت. أما الآثار النفسية التي يعاني منها الناجون من الحوادث خصوصاً أولئك الذين يشهدون مواقف صعبة يتعرض فيها المرافقون لهم للقتل وتناثر أشلائهم ودمائهم، كل هذه المشاهد المأساوية تمثل صدمة نفسية هائلة تفوق طاقة الاحتمال لكثير من الناس. إذاً ماهي هذه الأزمة أو الصدمة النفسية؟
اقرأ/ي أيضاً: الاضطرابات النفسية ، هي أيضاً تلاحق السوريين…

الأزمة النفسية هي حالة يعيشها الفرد تكون فيها طاقة الإنسان وقدراته غير كافية لمواجهة الحوادث الطارئة أو غير المتوقعة، لافتقاده لمصادر الدعم الداخلية والخارجية على التكيف في مثل هذه الحالات. بسبب تهديد بالخطر أو تهديد سلبي على هوية الشخص.
ويجب أن نعرض هنا لأهم الميزات التي تتصف بها الأزمة وتجعلها تؤثر سلباً على الحالة النفسية ومن خلال الميزات هذه يمكن أن نفرق بين الحدث الصادم الذي سبب الأزمة أو الصدمة النفسية والأحداث العادية التي نعيشها يومياً.

ميزات الصدمة النفسية

من أهم ميزات الأزمة النفسية الاجتماعية معايشة حدث طارئ غير عادي يفوق طاقتنا على التغلب عليه، يحدث بشكل مفاجئ وغير مخطط له، وقد يكون هناك مخرج من الأزمة ولكنه الآن غير واضح، إلا أنها تقدم أحياناً فرصة جيدة لبداية جديدة.
عند وقوع الأزمة يحدث فقدان للتوازن النفسي للشخص عندما يواجه الأحداث والظروف التي لا يستطيع التعامل معها والتغلب عليها في الوقت الراهن، وبحسب نوع الحدث وشدته تكون القدرات  والخبرات السابقة التي نحتاجها للتغلب عليه أو الأساليب التي اتبعناها إلى الآن في تحقيق أهداف الحياة غير كافية.

أنواع الأزمات

الأدبيات النفسية بينت أنواع الأزمات أو الصدمات التي تمر بحياتنا، وقد تؤثر بدرجات متفاوتة على حالتنا النفسية. وفيما يلي أنواع الصدمات التي نعيشها منذ الولادة إلى  يومنا هذا وهي ثلاثة أنواع من الأزمات:

  • أزمة النمو: النوع الأول من الأزمات يبدأ مع الولادة ويتعلق بالتغيرات في حياتنا نتيجة التطورات الإنمائية (النمو) والذي أطلق عليه أزمات أو صدمات النمو. على سبيل المثال أزمة المراهقة حيث يجد الفرد نفسه فجأة أمام تغيرات جسدية ونفسية وفي حالة بحث عن الهوية. غالباً  ما تظهر آثارها من خلال عدم الشعور بالأمان والثقة. 
  • أزمات التغيرات الحياتية: وهي الأزمات التي تنتج عن التغيرات التي نعيشها في حياتنا. ومن أمثلة هذه الصدمات الزواج، الطلاق، الانتقال إلى مدينة أخرى. فهذه الأزمات قد تكون غالباً  إيجابية ولكن بسبب نقص الخبرات أو القدرات تكون فوق تحمل الطاقة عند الفرد.
  • الأزمات الصادمة: وهي ذات نسبة قليلة غالباً  مثل موت شخص عزيز، الحروب، الاغتصابات، العنف والحوادث الخ. تنتج هذه الصدمات عن ألم نفسي شديد وتسبب مخاطر للشخص مما يؤدي إلى  فقدان التوازن النفسي.

في الأجزاء القادمة سنبحث في آثار الصدمة النفسية ومخاطرها والوقاية منها

كورونا في ألمانيا: ميركل تعتزم تمديد الإغلاق وفرض المزيد من القيود

كورونا في ألمانيا: ميركل تعتزم تمديد الإغلاق وفرض المزيد من القيود

ألمانيا: مدينة ألمانية ترفع شعار “ميركل يجب أن ترحل” في مظاهرة شارك فيها الآلاف