in

“معيدين” في ألمانيا.. وقلوبنا ليست معنا

سناء النميري*

لا يخفي بعض المغتربين فرحتهم بقدوم عيد الفطر المبارك، فمنهم من يصر على الاحتفال به وخلق أجوائه الخاصة ويرون في التقائهم مع أبناء الجالية العربية والمسلمة في برلين تعويضاً عن بعد العائلة والأقارب والاصدقاء ومنهم من يرى أن لا شيء يعوض فقدان الأهل والوطن وأجواء العيد في بلدهم غيرالأم. هناك أيضاً من تعود على الغربة ولم يعد يعنيه أبداً ما يسمى العيد.

افتقاد روحانية العيد

“أصعب شي انك تفقد روحانية ومعنى العيد” بهذه الكلمات بدأت رولى التي تعيش في برلين منذ خمس سنوات عند سؤالي لها ماذا يعني لك العيد وكيف تقضينه؟ فقد عبرت رولى عن حزنها الشديد بسبب حرمانها من الاستمتاع بأجواء العيد مع أطفالها في بلدها، بين أهلها وصديقاتها. تعيش رولى في برلين مع طفليها على ذكريات الزمن الجميل كما أسمته وتقول: الغربة لا تساوي شيئا امام عدم شعورنا ببهجة العيد وضجته في سوريا.

“اشتقت لكل أجواء العيد، التعزيل قبل العيد، نزلة السوق، اشتري تياب جديدة لولادي والي، فيقة الفجر وزيارة المقبرة” ذكريات كتيرة تكلمت عنها رولى بحرقة قلب على كل ما فات…

برلين الوطن الأم

بينما سماح التي ولدت وترعرت في برلين، وتعتبرها الوطن الأم”ما بعرف العيد الا ببرلين” سماح سيدة عربية تبلغ من العمر  31 عاماً متزوجة ولديها طفلين، تقضي اليوم الأول من عيد الفطر في برلين مع أقاربها الذين يتجاوزون العشرين عائلة، فالجميع ينتظرون هذا العيد ليصنعوا بأنفسهم أجواءه وبهجته، فينظمون الحفلات للأطفال والموسيقى والرقص والألعاب التي يحتفلون بها سوياً طول اليوم. بعض الأحيان تقضي سماح العيد في لبنان عند أهل زوجها وتجد أن هنالك فرق كبير بين بهجة العيد هنا وبهجته هناك، لكنها تحب العيد في برلين فلقد تعودت على أجواء العائلة والجمعة الدافئة في أيام الاعياد.

الاحتفال بالعيد أصبح عادة رغم الحنين

“اختلف الشعور الحنين ما بروح، الشوق للبلد ما خف، بس صارت عادة”، هكذا عبرت نيفين التي تعيش منذ 16 عاماً مع عائلتها الصغيرة في برلين، فقد تعودت على الحنين لكن هذا لم يمنعها من ممارسة طقوس العيد، نصلي صلاة العيد في المسجد، نفطر سوياً مع أولادي وزوجي، يلبس أطفالي ثيابهم الجديدة ومن ثم نذهب لزيارة بعض الأقارب والأصدقاء. تبتسم نيفين وهي تتحدث عن طقوس العيد في برلين “اتعودنا” لا شيء يمنعني من الاستمتاع بأجواء العيد، والحمدلله نحيي طقوسه كاملة، لكن طبعاً أتمنى أن أعيد كل عيد في لبنان.

هل ما زال هناك عيد؟

نظرت خلفي وأنا أترك سوريا وكنت واثقاً أنني لن أتمكن من العودة إليها. قصي الذي غادر سوريا منذ ٨ أعوام، لا أريد ان اتذكر شيئاً، فمنذ استشهاد اخي الصغير لم يعد يعنيني ما يسمى العيد، لا يوجد من أقول له كل عام وأنت بخير، أجلس بين حيطان غرفتي وأتمنى لو أرى وجه امي، هذا هو العيد بالنسبة لي.

حتى في ألمانيا.. عادات وطقوس

زينة وإصرارها على ممارسة طقوس العيد رغم أنها ترى أنها مهما فعلت فهناك غصة كبيرة وشيئ مفقود، تصنع زينة كعك العيد بمفردها وتقوم بتوزيعه على جيرانها الألمان، تشتري ثياباً جديدة للأطفال، وتقول: لن نحرم أطفالنا ما حرمنا منه، تقوم زينة بزيارة الاحتفالات الخاصة بالعائلات والأطفال بمناسبة عيد الفطر، وتلقتي هناك مع سيدات عربيات وتتقبلن المعايدات والتخفيف من شعور الغربة، تحاول زينة خلق جو من الفرح والبهحة للعيد لأطفالها بالرغم عن الغربة.

سحر التي تقيم في برلين أيضاً، غادرت لبنان قبل ١١ سنة، ما زالت تفتقد جداً لأجواء العيد وبهجته، تشتاق سحر بشدة إلى تلك الأيام، التحضيرات التي تسبق صبحية العيد بأسبوع، الذهاب إلى السوق، شراء أغصان الريحان والبخور، أفتقد أيضاً طقس الصغار عندما يزورون الكبار ليحصلوا على العيدية، زينة الأعياد في الشوارع ومراجيح الأطفال، اليوم كل واحد من أولادي في مكان ولم يعد للعيد معنى عندي، إنها لمعجزة أن يطرق أحدهم الباب عليّ لتهنئتي بالعيد.

قهرة ليلة العيد

الكثيرون يحاولون أن يصنعوا الفرح والبهحة بأنفسهم، ولكن الكثيرين أيضاً لم ينجحوا مثل منى التي تقول: “الغربة صعبة، لكن قهرة ليلة العيد أصعب”

أمي ليست هنا لتوقظني باكراً صبحية العيد لنذهب لزيارة قبر والدي ومعايدته كأول شخص، أختي ليست هنا لأحضنها ونمضي سويةً لقضاء الوقت مع صديقاتنا ونذهب إلى الملاهي كما كنا نفعل، تتذكر منى كيف كانت وهي صغيرة تشتري لباس العيد، وكيف كانت تنام بجانبه لترتديه في الصباح وسط الفرحة والسعادة الغامرة قائلة: “لم يعد هناك جمال وروحانية لعيد الفطر، كنا ننتظره في كل عام بكل شغف وشوق ، ليغمرنا بالسعادة ورؤية من نحب، افتقدنا الكثير من روحانيات عيد الأضحى، فلا شيء يعوض عن فرحة العيد بين أحضان أمي وأصدقائي وأخوتي، لا يوجد هنا عطلة جامعية ولا حتى عطلة عن العمل، أذهب الى جامعتي ومن ثم أجالس حيطان غرفتي، وأحاول ان أتصل بأمي وأن أضحك ضحكات مزيفة لكنها أم وسرعان ما تشعر بذلك، سأتعود على هذا يوما ما..

احتفالات ونشاطات وعطلة

تنظم العديد من الجمعيات والمؤسسات والمنظمات أنشطة واحتفالات بهذه المناسبة، وتعمل بشكلٍ جماعي مع المعيدين على نشر الفرح والبهحة في يومي العيد في برلين، ورغم أن هذا لا يعوض عن حلاوة العيد في الوطن، إلا أنه يستحضر بعض الطقوس والعادات ويزرع الفرحة ويعمق الصلة مع الذكريات والعادات الأصيلة المرتبطة بالبلد الأم. وحتى الأشخاص الذين لم يتمكنوا بعد من التأقلم هنا تمنحهم أيام الأعياد والمناسبات آمالاً بأن يلتمّ شملهم بعائلاتهم قريباً وقضاء العيد سوياً.

من جهةٍ أخرى، أصدرت الحكومة الألمانية قراراً رسمياً يسمح للطلاب المسلمين بالتغيب عن المدرسة أول أيام عيدي الفطر والأضحى بدون عذر في ألمانيا.

هذه صور بسيطة لألم وفرحة العيد في الغربة، يستطيع البعض خلق الفرح بكل مناسبة حتى لو كانوا لوحدهم تماماً. بينما البعض الآخر ورغم زحمة برلين يشعرون فيها بالوحدة القاتلة. من الممكن أن تعرف الكتير ممن يعيشون في هذه المدينة، لكن عندما تلتفت يميناً وشمالاً فلا تجد أباً، أو أخاً، أو صديقاً لتبارك له بالعيد، تعود لبيتك تجرّ معك ذكريات تلك السنوات التي كنت تتنعم فيها بلقاء الأهل والأحباب، تكمل حياتك البرلينية اليومية المملة والمؤلمة بصمت مطبق.

*سناء النميري. ناشطة في مجال العمل الاجتماعي في برلين

اقرأ/ي أيضاً:

نوروز… عيد واحد لشعوب كثيرة

التاريخ الخفي لعيد الحب: فجور وتَعرٍّ وصفع النساء بجلود الحيوانات

أثر الهجرات على موائد العالم.. تقاليد فريدة لعيد الميلاد في بلدان بلا تقاليد ميلادية

نيويورك تايمز: استغلال آلاف السوريين في تركيا لصالح شركات الشوكولاتة العالمية

كرة القدم من أجل الصداقة…لأن الكرة تجمع لا تفرق