in

“الأيدي الصغيرة” في المهجر: مشروع تعليم اللغة العربية للأطفال في لايبزغ الألمانية

مازالت سوريا ترزح تحت وطأة حرب طاحنة عبرت البلاد وسكنتها، وإلى اليوم لم تفصح عن نهايتها فكانت أشبه بسرطان يأكل البلاد وأهلها. حين بدأت الأشياء تأخذ شكلاً لا يمكن التعايش معه، لجأت أيادٍ صغيرة إلى بلاد بعيدة برفقة آبائهم، تلك البلاد لم تكن يوماً جزءً من أحلامهم حيث سكنوا وكونوا مجتمعاً صغيراً ضمن عالم كبير. وهنا بدت الأشياء أكثر تعقيداً حيث المسائل متشابكة بين ثقافة ولغة جديدة وبين لغتهم الأم.

ثمة أفكار كثيرة على الساحة ومشاريع أخرى تنتظر، ولأن الحاجة لإبقاء واستمرارية التعلم ضرورة، كان لابد من مشروع ينتقل بالأيدي الصغيرة من مشاكل اللغة إلى صفوف الاستقرار.

أبواب التقت بمؤسسي مشروع “الأيادي الصغيرة” لتعليم أطفال القادمين الجدد اللغة العربية، وهم خمسة أشخاص جمعتهم الخبرة الطويلة وقدرتهم على التعامل مع الأطفال والإرادة القوية لإفادة أولادنا في مجتمعاتهم الجديدة وهم أعضاء في نقابة معلمي لايبزغ في ألمانيا: عبير موعد، لما الرفاعي، رئيفة الشيخ ياسين، مرشد الكردي، وفاضل الشيخ ياسين. اتفقوا جميعاً أن مشروعهم موجّه إلى كل من يهمّه تعلم وإتقان اللغة العربية، وتحول إلى ملتقى أسبوعي بسيط بمفهوم عميق. كما أكدّوا جميعهم أن أسلوبهم يعتمد على التعلّم عن طريق اللعب، ولكن لا بد أولاً من خضوع معظم الطلاب لامتحان تحديد مستوى، ليحصل الطالب على مكانه المناسب ويوظّف قدراته اللغوية بطريقة صحيحة.

في لقائنا معهم كانت هناك عدة أسئلة ملحّة حول المشروع طرحناها على الفريق العامل أولها: كم مستوى يوجد ضمن مشروع الأيدي الصغيرة؟

أجاب “فاضل الشيخ ياسين”: يضم مشروعنا ثلاثة مستويات تتدرج من عدم قدرة الطالب على الكتابة من اليمين إلى اليسار إلى مستوى يستطيع الطالب فيها كتابة الأحرف وأخيراً إلى طلاب نحاول معهم تأليف جمل بكتابة صحيحة، وفي كل مستوى نلجأ إلى استخدام صحيح للوسائل التعليمية، تتدرج من تعامل الطالب مع الورقة والقلم إلى قدرته على الكتابة بالورقة والقلم.

على السؤال الثاني: هل تواجهون صعوبات إلى الآن وما هي إن وجدت؟ أجابت “عبير موعد”:

من الطبيعي أمام هكذا المشاريع تنمو في بيئة جديدة أن تنوجد بعض التحديات والعقبات خلال فترة نضوجها ومسيرة نجاحها، لذلك نواجه العديد من الصعوبات في مشروعنا منها داخلية ومنها خارجية، وأقصد بالصعوبات الداخلية علاقة الطلاب مع بعضهم البعض ضمن الصف الواحد، حيث يتكلمون ويتواصلون باللغة الألمانية مع أنهم عرب وولدوا في بلاد عربية، وهنا نعمل جاهدين للعودة بهم إلى استعمال اللغة العربية فيما بينهم وهذا يتطلب وقتاً وجهداً وعلينا أن نكون صبورين لتحقيق أهدافنا التربوية والتعليمية.

أكملت “لما الرفاعي” شرحها عن الصعوبات الخارجية وأهمها المادية: نجد صعوبة في تأمين المكان المناسب لدروسنا كونه يعتمد على الإيجار الشهري، كما أن إحضار الأدوات والأوراق الخاصة بالعمل يحتاج إلى ميزانية عالية، وخصوصاً أننا نضطر إلى صنع وسائلنا بأيدينا واستخدامها للشرح والإيضاح، وسنسعى جاهدين لتأمين منهاج محدد ضمن صفوفنا واعتماده.

سؤال أبواب الثالث كان: ما هي الأهداف التي يسعى المشروع لتحقيقها؟

أجابت “رئيفة الشيخ ياسين”: هدفنا الأسمى والأبقى أن يستطيع الطلاب التواصل باللغة العربية كتابة وقراءة، وأن يصفوا الأشياء بلغة صحيحة مبسطة واضحة، وهذا الأمر يتطلب وقتاً للوصول إلى النتائج المطلوبة، فنحن نسعى جاهدين للحفاظ على مفردات اللغة العربية لأننا ندرك أن هناك جيلاً كاملاً سيحمل هذه اللغة بين طياته، فحلمنا أن نكون الجسر الواصل بين لغتنا العربية وأولادنا لأنهم سيكبرون يوماً ويدركون ما فعلناه.

من هنا كان السؤال الرابع: ما مدى تقبل الأهالي لمشروع الأيدي الصغيرة وكيف يتم اللقاء بهم؟

قال “مرشد الكردي”: في البداية كان هناك بعض المخاوف بخصوص تقبل الأهالي لمشروعنا، ولكن المفاجأة كانت بإقدامهم على تسجيل أولادهم ضمن صفوفنا فكان دعماً معنوياً كبيراً تجسّد بالتزامهم أسبوعياً، فهم الركن الأساس لاستمرارنا، ويتم اللقاء بهم ضمن اجتماعات فصلية حيث نأخذ بآرائهم ونعمل بها.

ومن هنا أكّد جميع أعضاء الكادر التدريسي في “الأيدي الصغيرة” أن أسلوبهم في التدريس خرج من نطاق الجدران والأفلام إلى عالم الأنشطة، وذلك تحت شعار: “اللعب من أجل المعرفة”، فتارة يذهبون بصحبة الطلّاب إلى حديقة الحيوانات في لايبزغ، وكان هذا النشاط بالتعاون مع Damegra، وتارة أخرى يحوّلون الصفوف إلى ورشات عمل مع الأطفال يشكلون الأحرف بالورق والمعجون فتصبح للوسيلة معنى أخر.

كما أنهم يسعون جاهدين لاستحداث صفوف جديدة بناء على رغبة الأهالي مثل Nachhelfe وذلك في كافة المواد ومنها الإنكليزي والألماني، إضافة إلى نشاطات رياضية متنوعة حيث يستطيع الطالب تفريغ الطاقات الكامنة داخله والتعبير عنها.

في لقاء الأبواب مع والدة أحد الطلاب سألناها: ماذا قدم مشروع الأيدي الصغيرة لأولادكم؟

أجابت الأم أنها تشجعت للفكرة واصطحبت ابنها إلى مكان التسجيل وأصبحت تكرر التجربة أسبوعياً. في البداية أحب الطفل فكرة وجود أطفال من عمره يشبهونه في العادات واللغة، فكان هذا حافزاً لتطوره الذي لاحظته منذ الشهر الأول.

ومن هنا سألناها: كيف تقرئين هذا المشروع وأين هو الآن؟

أجابت: الأيدي الصغيرة ستكبر وتتحول إلى طاقات عمل، وهذا المشروع أراه قريباً من الناس لكنه يحتاج إلى دعمنا مادياً ومعنوياً حيث يستقبل كل أسبوع العشرات من الطلاب يأتون بصحبة آبائهم وهذه ظاهرة اجتماعية ثقافية يجب أن نباركها.

نهاية، كم نحن بحاجة إلى مشاريع شبيهة بمشروع “الأيادي الصغيرة” الذي لبى الكثير من حاجات أطفالنا اللغوية بأسلوب شيق وجديد يدفعهم إلى استعمال اللغة العربية بشكل متوازن بعيداً عن التشدد، فمهما اختلفت الظروف سيبقى الهدف واحد هو النهوض بأولادنا نحو مستقبل آمن يوظفون فيه قدراتهم في مجالها الصحيح.

خاص أبواب

 

اقرأ/ي أيضاً:

كلمات ألمانية ذات جذور من اللغة العربية

لاجئان سوريان يطلقان أول مجلة أطفال باللغة العربية في أوروبا

“فكرة” مدرسة جديدة لتعليم اللغة العربية في برلين، بعيداً عن الربط التقليدي ما بين اللغة العربية والدين

من شرايينه إلى شبكة الصرف الصحي… أم مهووسة “تسحب” الدم من طفلها على مدى 5 سنوات

الجنس قبل الإسلام: كيف مارسه العرب ؟