in

التربية الجنسية المدرسية في أوروبا ما بين الضرورة والخوف.. هذا ما يقوله العلم…

التربية الجنسية المدرسية في أوروبا
التربية الجنسية المدرسية في أوروبا

د. بسام عويل. اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية 
التثقيف الجنسي.. ضرورة لا بد منها: يوفر التثقيف الجنسي المتكامل للأطفال والشباب المعلومات العلمية حول جميع جوانب الحياة الجنسية، ويهدف في نفس الوقت لمساعدتهم في النمو المتوازن وتطوير مهارات التعامل مع هذه المعلومات. 

ركزت التربية الجنسية التقليدية بالدرجة الأولى على المخاطر المحتملة التي تتصل بالجنس مثل الحمل غير المخطط له أو الأمرض التي تنتقل بالاتصال الجنسي، وهي الاستراتيجية التي لطالما تركت آثارها السلبية على النمو النفسي الجنسي المتوازن، نظراً لارتكازها على التخويف وشيطنة الجنس، وربط كل ما يتعلق به بمفاهيم الشرف والعفة والنتائج السلبية، علاوةً على أنها لم تفِ بتلبية احتياجات الأطفال والناشئة للمعرفة والمعلومات والمهارات، مما كان يدفعهم لتلبيتها وإشباعها إلى المصادر الأخرى غير الموثوقة بشكل سري، وبجو من الخوف والإحساس بالذنب، إضافةً لعدم مسايرتها للتغيرات الحضارية من انفتاح وعولمة، والتي اقتحمت أسوار الحياة التقليدية وجعلت من المستحيل على التربية التقليدية أن تنسجم مع متطلبات العصر.

اقرأ/ي أيضاً: أسرار وأنواع النشوة الجنسية.. من سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات

تعود الحاجة إلى التربية الجنسية الممنهجة إلى التغييرات الكبيرة والجذرية التي اتسم بها واقعنا الاجتماعي والتكنولوجي في العقود الأخيرة. هذه التغييرات تتعلق بالعولمة وهجرات الكثير من الفئات الاجتماعية المختلفة ثقافياً ودينياً إلى أوروبا، وكذلك إلى التطور السريع لوسائل الإعلام الحديثة وأدواته وخاصة الإنترنت والهاتف المحمول، الذي فتح باب التبادل المعلوماتي والمعرفي والتعارف بين الناس على مصراعيه، لاغياً الحدود النفسية منها والثقافية قبل الجغرافية، إضافةً للفجوة الكبيرة التي بدأت تتوسع وتسم الفروق بين ثقافة الأبناء والآباء الذين بدأوا يتخبطون في مواجهة أمواج هذه التغيرات، وهو ما أدى بالنتيجة إلى سحب البساط من تحت دور الأهالي وأفقدهم مكانتهم التربوية كمرجعية معرفية وقدوة.

أسس مناهج التربية الجنسية في أوروبا

على الرغم من اختلاف مناهج تدريس التربية الجنسية في البلدان الأوروبية وحتى تنوعها ضمن مقاطعات الدولة نفسها، إلا أنها تجتمع على نفس المقومات والأسس والتي من أهمها:

  • الجنسانية جزءٌ أساسي من الوجود الإنساني: يولد جميع الأفراد كائنات جنسية ويطورون هوياتهم وإمكاناتهم الجنسية بأشكال متنوعة. تساعد التربية الجنسية على إعداد الشباب للتكيف الإيجابي مع الذات والمحيط وخاصة في طريق بناء علاقات صحية ومُرضية، كما أنها تساهم في تنمية الشخصية وتقرير المصير.
  • للأطفال كما لجميع الناس الحق في الحصول والوصول للمعلومات، كما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والتي ألزمت الدول بوضع القوانين والآليات القانونية المناسبة بشأن التربية الجنسية، باعتبار الحقوق الجنسية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، ولكل فرد الحق في الحصول على التربية الجنسية. 
  • التربية الجنسية غير الرسمية والمنظمة ليست كافية في العصر الحديث لأسباب أتينا على ذكرها سابقًا. ورغم أهمية دور الأهالي، إلا أنه يبقى أحد المصادر ولا يمكن الاعتماد عليه وحده لكون معظم الأهالي -في ظل توسع المعرفة حول النمو الجنسي وخصائصه وحاجات الأطفال والناشئة له- غير مؤهلين أو قادرين على الإحاطة بها وتوفيرها وتقديمها. بالإضافة لذلك، غالبًا ما يفضل الشباب مع البلوغ التعلم من الآخرين وليس من والديهم.
  • تشكل المعلومات التي تصل للأطفال والمراهقين من المصادر المتنوعة وخاصة من وسائل الإعلام والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، خطراً كبيراً فيما يتعلق بالأمور الجنسية وأبعادها وسلوكياتها، وغالباً ما تؤدي إلى تشويهها لكون هذه المعلومات غير صحيحة وغير متوازنة وغير واقعية، بل غالبًا ما تكون مهينة بما يخص صورة الأنثى وأدوارها وحقوقها.
  • التثقيف الجنسي الصحي والصحيح يلعب دوراً اضافياً في تعزيز ودعم الصحة الجنسية للفرد لمواجهة خطر الاضطرابات.

عملية مستمرة ومستدامة

يتم التعامل مع مفهوم التربية والتثقيف الجنسي في المنظومة الأوروبية على أنها هي عملية مستمرة ومستدامة لا تقتصر على مراحل عمرية بعينها، ولكنها أكثر أهمية في مرحلة الطفولة والمراهقة. يتوجب عليها إيلاء اهتمام كبير وخاص للشباب المعرضين لخطر الاستبعاد مثل المهاجرين والأقليات الجنسية والأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليمًا كافيًا. أما ما يخص أهدافها والنتائج المرجوة منها فيمكن صياغتها على وجه العموم بالتالي:

  • خلق مناخ اجتماعي من التسامح والانفتاح والاحترام فيما يتعلق بالجنس وأنماط الحياة والمواقف والقيم المختلفة.
  • احترام التنوع الجنسي والتنوع بين الجنسين والوعي بالهوية الجنسية وأدوار الجنسين.
  • تمكين الناس وتوعيتهم في تبنيهم للخيارات بحيث تستند إلى الفهم والسلوك المسؤول فيما يتعلق بالشخص والشريك. يوفر الوعي معرفة جسم الإنسان وتطوره ووظائفه وأداءه لا سيما فيما يتعلق بالسلوك والنشاط الجنسي.
  • توفير القدرة والمساعدة على نمو الفرد كوحدة جنسية، وتعلم مهارات التعبير عن المشاعر والاحتياجات والتهيئة لخوض النشاط الجنسي بطريقة صحية وممتعة. 
  • التعرف على المعلومات ذات الصلة بالجنس من جوانبه الجسدية والمعرفية والاجتماعية والعاطفية والثقافية.
  • التوعية بآليات الحمل وضبطه والوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وفيروس نقص المناعة البشرية، وكذلك التوعية بالاعتداء والعنف الجنسي، والتوعية بالحقوق وتوفير المهارات الحياتية اللازمة للتعامل مع الاحتياجات الجنسية والعلاقات.
  • توفير الوصول إلى المعلومات والاستشارات والخدمات الطبية، وخاصة في حالة المشاكل أو أي أسئلة حول الجنس.
  • الوعي بالمعايير الجنسية والقيم المتصلة بالنشاط الجنسي وخاصة فيما يتعلق بالقوانين الناظمة له.
  • التحضير لبناء العلاقات على أسس الفهم المتبادل والمساواة واحترام احتياجات وحدود الآخرين.

إن معرفة احتياجات الصحة الجنسية والإنجابية للأفراد والمجموعات، ضرورية لتحقيق أهداف التربية الجنسية الشاملة، وهو ما يتطلب منها تطوير استراتيجياتها لجعلها ممكنة التحقيق بالمشاركة النشطة والفاعلة من قبل هذه المجموعات وخاصة النخب الثقافية وحتى الدينية فيها.

جواز السفر الأخضر الاتحاد الأوروبي

جواز السفر الأخضر: دول الاتحاد الأوروبي تتفق على خطة لاعتماد شهادات التطعيم

رسائل عن طلبية بريدية ستعرضك لعملية احتيال