in

سيرة قضيب 3- أنا متحرش.. أنا موجود

العمل للفنان أيهم ملليشو

 سوزان علي. شاعرة وكاتبة من سوريا.
هل تريد إناءً تُفرغُ فيه تشاؤمك وكبتك وكل المصائب التي ألمت بـك ولم تفصح عنها؟

أعلمُ بأن صراعك قديم قدم التاريخ، وبأن ميزان الأخلاق يعلو سريرك، رغم أن قضيبكَ لم يترك حيلةً لنسيان وجوده دون جدوى.
كيف تصير موجودًا وقادرًا أن تؤثر وتحدث ضجيجًا دون أن يمسسكَ أحدهم بسوء، دون أن تعمل ليلًا نهارًا وتكد وتشقى ثم تفشل في جني ثمار ميزان أخلاقك في جني الحب والحياة اليسيرة والنجاح والاعتراف بجهدك، أخبرك السر الذي أخبرته لغيرك وأصابته العدوى والغيرة وأصبح يمارسه أكثر مني؟

في هذه الحكاية سأعرفكَ على التحرش، دعك من أقاويل الرجال الآخرين، صدقني فهم ليسوا بحاجةٍ مثلي ومثلك إلى أن يتحرشوا يإحداهن، إنهم يعدون العصي فقط، ونحن من يتألم. أولئك المنظرين الأباطرة الطغاة الحاكمين الفاسدين، الذين لم يروا في حياتهم كيف يجري  الصرف الصحي إلى النهر وكيف يجري النهر إلى أمعائنا.
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: سيرة قضيب (2): صينية لحم اشتراكي
 سأخبركَ كيف تبدأ جريمتكَ وتنهيها وكيف تختار ضحيتك، وما التوقيت المناسب لحفر القبر ومن ثم طمر الآثام وراءك، ستشعر بالنشوة وظلم الحرمان الذي عشته منذ آلاف السنين، ستتلمس وجودكَ الذي لم يفلح عملكَ أودراستك أوأهلك في جعلهِ إنسانياً بحقوقٍ وواجباتٍ وطريق، أما كلمة الرجولة الفضفاضة التي سمعتها من أمك حتى ذابت شفتاها، فستتحقق لأول مرة بنزع روح أخرى، وستنتقم من كل هذا العالم، الذي فتنكَ ودفعكَ للطمع في جسدكَ، لتركض كل يوم، ولتحصد في الليل كمشة رمل تتزحلق بين أصابعك كلما أحكمتَ قبضتكَ عليها.
إن كانت حالتك مزرية جدّا،  وفقدت ثقتك بأقرب المحيطين بك وتريد أن تبدأ من جديد وتفرغ غضبك وفشلك في كائن لن يسطيع مجابهتكَ وصدك، اصعد الحافلة صباحاً، اخترها فقيرة قديمة ومكتظة، وليكن وجه السائق كوجهك، وللركاب ظلال سوداء، واحشر نفسك في الزحام، وتمشى ببطء وقلد اهتزاز الحافلة وانقله إلى جسدك، هكذا أفعلُ وأنجحُ دومًا في الوصول إلى دمعي.

في آخر مرة كنت قد تقدمت بطلب لوظيفة شاغرة كحارس أمني لإحدى شركات الهاتف المحمول، وبالطبع تمّ رفض طلبي بحجة أنهم وجدوا مرادهم واكتفوا، ذلك بعد أن نظروا إلى أصابعي وثيابي نظرة الأغنياء إلى المتسولين، رأيت عيون حراس الأمن الجدد وهي تشمتُ في خيبتي، كم تمنيت لو أصفعهم وأرديهم أرضاً. رميتُ نفسي في الحافلة ككرة من نار، وأنفاسي تحرق رئتي، وكنت سأبكي لولا أن البكاء عار على الرجال، رأيتُ فتاة تقف قبالتي وفي يدها كتاب، وفعلتها مرة أخرى واهتز جسدي مع الحافلة، وعند توقفها أمام إشارة المرور كنت  وراء تلك الفتاة تمامًا، استخدمتُ كوع يدي كالعادة للمس نهدها، وعندما شعرتْ بوقاحتي، وأطرقت رأسها في الأرض واحمر خدها، انتصرتُ وأخذتُ حقنة من الرجولة والكبرياء، وكأن المؤسسة اتصلت بي وواقفت على عملي، وليس هناك من سبب يدعوني إلى لوم ذاتي عى فشلي في الدراسة وعلى نكد زوجتي وهمّ أولادي، لم أشعر برغبة جنسية، ولم ينتصب قضيبي، ففي حالات نادرة تأتيني الإثارة من جريمتي هذه.
لقد خلق الله ضعف المرأة كي يساعدنا على الوقوف كلما اهتزت الارض من تحتنا.
اقرأ/ي أيضاً: اختلاف مفهوم التحرش الجنسي بين “نحن” و”هم”.. نتائج صادمة للاستبيان الأخير
حسناً لن أطيل الحديث والتفرع في هذا الموضوع الشائك، بل سأقودكَ إلى ما تنوي معرفته تحديدًا، أعلم بأنك سمعت من جارك أو رفيقك أو قريبك عن تجربته في التحرش وبأنك لربما خفتَ وقلقت من خوض التجربة، لأن فشلها يعني أن ترى نفسك للمرة الأولى قبالة نفسك، هذا عدا عن خطرٍ سيعترضكَ من سجن أو ضرب أو طرد، لذلك كما تتقن الحياة نبذكَ ورفضكَ وتمعنُ في زيادة فشلكَ، أتقن انت هذه اللعبة ولا تذهب بعيدًا في أفكارك، فالفشل وارد ولديك حل من اثنين: إما أن تدعي بأن الضحية تكذب، أو تهرب، اهرب وانسَ قدميك، وتذكر بأنك عشت عمرك هاربًا متخفيًا ليس في مقدورك مواجهةُ المرآة، هاربًا من كل ما تعلمته وأنت تطفو في قارب مثقوب.

في الليلة الماضية شتمت إحداهن وهي تمر أمامي مشغولة بمكالمة هاتفية، ظننتها لن تسمع الشتيمة، لكنها سمعتها أكثر من صوت المتصل، مع أن صوتي كان منخفضًا للغاية، ما كان منها سوى أن صرخت وبدأت في شتمي، فابتعدت عنها مستغرباً وكأنني لا أفهم عما تتكلم، هل برأيك وقف الناس معها عندما سمعوا شتائمها العالية لي؟
ما كان من المارة إلا أن شتموها بدورهم واعتبروها نصف مجنونة، مع أنها ليست من الجميلات جدا اللواتي يدفعنك بسبب ثيابهن وجرأتهن في وضع المساحيق فوق وجوههن، إلى هدم جرأتهن التي تفوقت عليك أنت الرجل، كانت امرأة عاديةً لا تلفت حتى حجر الطريق، يجب أن تحسد نفسها لأني شتمتها.
 دع غضبك ومزاجك يهدأ، وغادر مكتفيًا بالقليل فقط، إن هذا القليل سيجعلك رجلًا لـ 24 ساعة، وستضرب زوجتكَ وتخرسها وربما ستطرد أمك من البيت إن سمعتَ نكدها مجددًا، وستنام دون إزعاج، دون ضريبةٍ، ولن يهتز ميزان الأخلاق أعلى سريرك، ستعيش وتموت كجثة باردة دون أن تشعر بروحك لمرة واحدة.

إطلاق نار في برلين.. أربعة مصابين والتحقيقات مازالت جارية

لبنان: اعتقالات بعد إحراق مخيم للاجئين السوريين ومبادرات لإغاثة المتضررين

لبنان: اعتقالات بعد إحراق مخيم للاجئين السوريين ومبادرات لإغاثة المتضررين