in

زاوية حديث سوري: المثليّـون و أزنافور وأنا…

بطرس المعري*

صدف قبل سنتين أن كنت للمرة الثانية في مركز مدينة هامبورغ أثناء مرور الكرنفال السنوي للمثليين. وعادةً  يتوقف السير في عدة شوارع تجارية هامة وتُشلّ الحركة تقريباً لتمر شاحنات أو مقطورات ذات صناديق مفتوحة تشبه منصات الرقص أو البارات في شكلها ويعتلي المحتفلون تلك المركبات بألبسة يغلب عليها اللون الأسود أو تحمل ألوان قوس قزح، علمهم الخاص. يتمايل هؤلاء على وقع موسيقا صاخبة تشق غيوم السماء البيضاء ويرفعون أعلامهم، إنه يومهم.

وعادةً  يتوقف السير في عدة شوارع تجارية هامة وتُشلّ الحركة تقريباً لتمر شاحنات أو مقطورات ذات صناديق مفتوحة تشبه منصات الرقص أو البارات في شكلها ويعتلي المحتفلون تلك المركبات بألبسة يغلب عليها اللون الأسود أو تحمل ألوان قوس قزح، علمهم الخاص. يتمايل هؤلاء على وقع موسيقا صاخبة تشق غيوم السماء البيضاء ويرفعون أعلامهم، إنه يومهم.

وتواكب المحتفلين بالمناسبة هذه جموعٌ من المشاة غفيرة ما بين عضو عامل ومؤيدٍ صديق وفضولي. كنت أنا وابني، ابن العاشرة من العمر، من هؤلاء المشاة، كذلك بعض من اضطروا للتسوق أو للحضور صدفة إلى هنا لإنجاز أمر ما. وكنت أحاول جاهداً ألا يرى ابني تلك “المناظر”، ففي المرة الأولى كنت بمفردي وارتوى فضولي حينها بالنظر.

أشرت إليه أن هذا العيد ليس لنا، وما يفعله هؤلاء هو “غير طبيعي”، فالعلاقة السليمة تُبنى ما بين رجل وامرأة. أمسكت بيده وصرت أتحدث إليه عن مباريات الدوري الألماني وعن فريقنا، نادي المدينة هامبورغ، هل سيتابع سلسلة هزائمه أم سينتفض من جديد، وصرنا ندخل متجراً ونغادر آخر أو ندخل شوارع فرعية للوصول إلى المكان الذي نقصده دون الاضطرار للسير معهم معللاً له أيضاً أنني أهرب من ذلك الصخب.

وبعد عناءٍ، لم نسلم من رؤية فتاتين على مسافة قصيرة منّا، أبتا إلا أن تحتفلا عند جذع شجرة بقبلة حارة.

لم يكن ابني يكترث لكل هذا، كان يستمع إلي خلال الطريق بلا مبالاة، كما يسترق النظر إليهم بين الفينة والأخرى.. قال لي ببرودٍ خاتماً الحديث إن أم زميلته في المدرسة تعيش مع صديقتها!
*. *. *

في المساء، كان لابد لي من جرعة نوستالجيا محببة تتآلف مع طقس المدينة الذي تحول من مشمسٍ إلى ماطرٍ في غضون دقائق. (البوهيمية) لشارل أزنافور ، إنها أغنيتي المفضلة. موقع اليوتيوب يقترح عليك أغانٍ أخرى.. مثلاً Comme ils disent، ولمَ لا؟ واحدة من أشهر أغاني هذا الفرنسي العملاق. أداء محترف وموسيقى استثنائية.

لكن اليوم هناك شيء مختلف، صار للأغنية وقع خاص لدي. هذا الذي يغني باسمه أزنافور هو شاب من هؤلاء الشباب الذين رأيتهم ظهراً، يتكلم عن حياة بسيطة عادية، عن مساعدته لأمه في أمور البيت وعن عمل يكسب به قوت يومه، لكن أمراً ما، كما تقول كلمات الأغنية، قد جعله يتعلق بشاب “جميل كإله”، قال إنها الطبيعة، وهو لا ذنب له فيها. وهكذا أصبح مثليّاً “كما يقولون”. أغنية أسطورية، رغم أنها “لا تناسب” معتقداتنا الشرقية!

***

هل رأيتُ أنا اليوم هذا الشاب؟ ربما. لو عرفته لذهبتُ إليه محيياً.. أغنية أزنافور، التي سمعتها عشرات المرات، كانت اليوم مختلفة. لقد جعلتني أحبّه وأغير نظرتي كما تغير الطقس فجأة. لكن، هل سأتقبل الأمر إن وقفت أحادثه وهو يمسك بيد صديقه ويداعبها؟ هل سأكون مسروراً إن صار ابني يوماً واحداً من هذا الجمع؟ ليس لدي أجابة، خصوصاً عن سؤالي الأخير ولا أرغب بالتفكير في الأمر، كل ما أعرفه أنني سأبقى أحبه حبّاً جمّاً كيفما كان هو.

* فنان وكاتب سوري مقيم في ألمانيا

مواد أخرى للكاتب:

زاوية حديث سوري: ألماني لأبوين سوريين؟!

زاوية حديث سوري: قاتل مواهب الشعوب

زاوية حديث سوري: الطلاب العرب ودروس الثقافة الجنسية في ألمانيا

لن أتعلم يوماً..

“دقيقة صمت” يثير ضجيجاً لم تعهده الدراما العربية وتصريحات كاتبه النارية تفجر وسائل التواصل