in

السوريون في تركيا وهواجس الترحيل القسري إلى “الوطن”

خولة دنيا. كاتبة وناشطة سورية مقيمة في تركيا

من جديد عادَ القلق والتوتر يخيّم على أوساط اللاجئين في تركيا ، ونقول من جديد لأن هواجسهم لم تتوقف خلال السنوات الماضية. فتركيا التي اتخذت موقفاً مسانداً للسوريين في ثورتهم ضد النظام السوري، وشجعت على استقبال اللاجئين، واعتبرتهم ضيوفها منذ أول موجة لجوء في نهايات 2011، ومع استمرار الثورة وتحولها إلى حرب تدخلات ومصالح دولية، وازدياد أعداد الفارين من الحرب، استمرت بكونها مقصداً مفضّلاً وقريباً للسورين اللاجئين مترافقاً مع الحنين إلى الماضي الإسلامي المجيد، وحكايات بدايات الدعوة الإسلامية (فأنتم المهاجرون ونحن الأنصار) و(أنتم الضيوف ونحن المضيفين) و(أنتم ونحن أخوة في الدين والتاريخ والأرض).

وعلى الرغم من أن تركيا كانت وما تزال لاعباً أساسياً في الحرب السورية، لديها مناطق تسيطر عليها، وحربها الخاصة على الأرض السورية، وفصائل تمّ تشكيلها من بقايا الجيش الحر وأخرى تدين لها بالولاء المطلق، كما مناطق بأكملها تخضع إدارياً لها، إلا أن الحدود السورية – التركية كانت تزداد انغلاقاً بوجه موجات اللجوء التي تتزايد مع ازدياد القصف على المناطق الشمالية من سوريا وخصوصاً محافظة إدلب.

كل هذا الاستعراض السريع للمجريات السياسية والعسكرية، لطرح سؤال مالذي استجد اليوم ليس فقط لمنع دخول اللاجئين بالمطلق إلى تركيا، ولكن أيضاً لفرض الترحيل القسري وخصوصاً في ولاية إسطنبول؟

هل هي كما يروج السياسيون الأتراك مجرد إجراءات تنظيمية لأوضاع اللاجئين؟ أم أن هناك سياسات جديدة تجاهههم؟

الترحيل القسري.. وخيارات مستحيلة أمام اللاجئين:

قضية اللاجئين السوريين في تركيا تحولت إلى نقطة صراع سياسي وسمت الانتخابات البلدية التي جرت في تركيا، حيث وجهت الانتقادات من المعارضين لحزب العدالة والتنمية الحاكم بأنه فتح باب البلاد على مصراعيه أمام تدفق اللاجئين، كما حمّل الكثير من المرشحين المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد لوجود أعداد كبيرة من اللاجئين على أراضيها، وهو ما أشيع بشكل كبير في الأوساط الشعبية التركية، وما عكسه ازدياد نسبة الأتراك الرافضين لتواجد اللاجئين السوريين على أراضيها (حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تدني التعاطف في أوساط المجتمع التركي للاجئين السوريين، من 70 % إلى 40 %)، وخاصة ما يتعلق بنسب النمو الاقتصادي وازدياد البطالة وخصوصاً في مدينة إسطنبول الأكثر اكتظاظاً بين المدن التركية. وانعكس هذا تالياً في خسارة حزب العدالة والتنمية لانتخابات إسطنبول، وصعود مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو بأغلبية واضحة على الرغم من إعادة الانتخابات في المدينة.

هذه الضغوطات الداخلية أدت إلى تغيير سياسة الحكومة تجاه اللاجئين، واتباع سياسة جديدة وصارمة فيما يتعلق بتواجد اللاجئين وخصوصاً في إسطنبول. 

فحسب إحصاءات المعبر الحدودي “باب الهوى” بلغ عدد المرحلين إلى سوريا خلال الشهور الثلاثة الماضية (أيار – حزيران – تموز) 13846 شخصاً، تقول السلطات التركية أنهم من المخالفين (دخلوا بطرق غير شرعية – بدون أذون عمل – لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة – يسكنون في مدينة أخرى غير المدينة المسجلين فيها أصلاً…. )، وقد عكست كثير من الصور المتداولة ما يجري من قيام قوات الأمن التركية بالقبض على لاجئين سوريين في إسطنبول خاصة، بشكل عنيف ووضعهم في حافلات ومن ثم نقلهم إلى الحدود مباشرة.

كما تمَّ تناقل الكثير من القصص حول إجبار اللاجئين على توقيع وثيقة عودة طوعية، وعدم إعطاء إي خيارات لمن يقبض عليهم، وإنما ترحيلهم مباشرة ووضعهم ضمن الأراضي السورية بدون مراعاة أي أوضاع خاصة لهم. وحسب بيان صادر عن ولاية إسطنبول فإن: (باب التسجيل، لهويات الحماية المؤقتة في اسطنبول قد أغلق)، داعياً الأجانب الذين لهم حق الإقامة في المدينة، إلى أن يحملوا وثائقهم للحماية المؤقتة أو جوازات سفرهم، لإبرازها للقوات الأمنية حين الطلب، ومضيفاً أن (عمليات إلقاء القبض مستمرة على الداخلين إلى تركيا بطريقة غير شرعية، ونقوم بإخراجهم من البلاد).

أما بالنسبة لمن يحملون وثائق لمدن أخرى فقد أعطيوا مهلة لعودتهم إلى الولايات المسجلين فيها، وتم تمديد المهلة حالياً حتى 30 تشرين الأول القادم، كما أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، مترافقاً ذلك مع قرارات جديدة وتفعيل قرارات قديمة وتشديد في تطبيقها، وهو ما أعلنه في اجتماع مع الصحفيين في إسطنبول، وأن تركيا حالياً أعدت خطة تنفيذية تشمل ثلاثة ملفات: (الهجرة غير القانونية، والهجرة النظامية، ووضع الحماية المؤقتة)

من جهتها اتهمت منظمة “هيومان رايتس ووتش” السلطات التركية بأنها احتجزت عددًا من اللاجئين وأجبرتهم على توقيع نماذج وأوراق تنص على العودة الطوعية إلى سوريا وأعادتهم قسريًا، وأكدت المنظمة بأن تركيا ملزمة بموجب القانون العرفي الدولي بعدم الإعادة القسرية، إذ يحظر القانون إعادة أي شخص إلى مكان قد يتعرض فيه لخطر حقيقي.

السياسة التركية.. هل تفتح الباب أمام موجة لجوء جديدة إلى أوروبا؟

يعتبر العام 2015، مفصلياً فيما يتعلق بسياسات الاتحاد الأوروبي تجاه اللاجئين. فقد شهدت أوروبا وخصوصاً ألمانيا أكبر موجة لجوء في الألفية الجديدة، حيث يقدر حالياً أن هناك مالا يقل عن 1,5 مليون لاجئ وطالب لجوء في ألمانيا لوحدها.

وقد تكون السياسة الألمانية شهدت موقفاً شبيهاً لما يجري الآن في تركيا، فسياسة فتح الباب أمام اللاجئين، التي اتبعتها ميركل في 2015، أدت داخلياً إلى تصاعد موجات الرفض للاجئين، وصعود تيارات يمينية معادية للاجئين، واستياء عام انعكس في انتخابات 2017 التي فاز فيها تكتل ائتلاف ميركل بصعوبة.

تلا ذلك اتباع سياسة (المال مقابل إغلاق الحدود)، وكانت سياسة ناجحة خفضت عدد اللاجئين إلى دول وسط وشمال أوروبا إلى مستويات متدنية جداً. ويستمر الاتحاد الأوروبي بتحمل كلفة بقاء اللاجئين في دول الجوار وخصوصاً تركيا التي تعتبر المعبر الأهم لعبور اللاجئين باتجاه أوروبا، فقد أكدت الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أن الاتحاد الأوروبي خصص أكثر من مليار يورو كمساعدات لسوريا وللمنطقة للفترة 2019 – 2020، بينما تم تخصيص الشريحة الثانية لتركيا بقيمة 1.5 مليار يورو لتقديم المساعدات للاجئين السوريين.

وهذا يتناسب مع ما سبق ذكره عن أن حجم المساعدات المقدمة إلى اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى 2.22 مليار دولار من أصل 6 مليار دولار تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديمها.

كما أنه لا يمكن إغفال أن أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين مازالوا يقبعون في الجزر اليونانية في ظروف سيئة للغاية، في وضع أشبه بمعتقلات الاحتجاز.

في النهاية، ماتزال الحرب في سوريا مستمرة، ولا آفاق لإيجاد حل سياسي قريب، وخصوصاً من الدول الفاعلة المشاركة في الحرب بشكل أو بآخر، وإن كان من المحتم على السوريين تحمّل كل المآسي التي مرّت عليهم خلال السنوات التسعة الماضية، فقد بقي لديهم أمل كبير بأن يقف العالم إلى جانبهم إنسانياً على الأقل، ويساهم في تخفيف مأساتهم المستمرة التي لا يرغب أحد بإيجاد حلٍ قريب ومن مصلحة السوريين لها.

اقرأ/ي أيضاً:

الترحيل و”سحب اللجوء” من سوريين زاروا بلادهم.. مطلبٌ جديد لوزير داخلية ألمانيا

سؤال “بريء” يؤدي إلى ترحيل اللاجئين من أمريكا

ألمانيا.. سحب تصريح “منع الترحيل” ممن يعيق عملية ترحيله

ترحيل الأجانب من مرتكبي الجرائم في ألمانيا في ازدياد

الزاوية القانونية: الإتجار بالبشر وتهريبهم وفق القانون الألماني..

“العزل: قصة جريمة أمريكية”.. مسلسل تلفزيوني عن فضيحة بيل كلينتون ومونيكا