in , ,

حلا قوطرش، صحافية سوريّة أعطت ألمانيا برنامجًا إذاعيًا باللغة العربية

حوار: رامي العاشق.

حلا قوطرش، صحافية سورية في ألمانيا، تعمل في الصحافة منذ ثماني سنوات، لا تفضّل أن تلقب بالـ “إعلاميّة” لأنها تعتقد أن هذا اللقب يحتاج إلى مزيد من الخبرة.

وصلت إلى ألمانيا منذ سنة ونصف تقريبًا، وتعمل الآن كمذيعة ومقدمة لبرنامج بالعربيّة في الإذاعة الألمانية “Leinehertz” في هنوفر. التقت أبواب بالزميلة حلا قوطرش وكان معها الحوار التالي:

الوصول

تقول حلا: “أتيت من اسطنبول منذ سنة ونصف تقريبا. كنت أعمل في إحدى الإذاعات السورية لمدة تتجاوز السنتين والنصف. ركبت البحر كما فعل الكثير من السوريين. وصلت اليونان ومنها إلى ألمانيا. كانت رحلة صعبة استغرقت شهرا”.

الرحلة

“لم أتخيل قط أنني قد أقوم يوما بعمل غير شرعي، لكن لم يكن أمامي طريق آخر ألجأ إليه”. تقول حلا،  وتتابع حكايتها: “في إزمير كان الوضع بوليسيا. خوف وهروب وتخفٍ من الشرطة ريثما ركبنا القارب الذي يفترض أن يوصلنا إلى اليونان. انطلق القارب ووصلنا جزيرة عسكرية يونانية لا يوجد فيها مدنيون أبدًا. مكثنا فيها ثلاثة أيام مع عدد كبير من السوريين الذين وصلوا قبلنا أو بعدنا. ثلاثة أيام بثيابنا المبللة. هناك تعرضت لأنواع الذل التي كنت قد هجرت بلدي كي أهرب منها. تعرفت إلى البرد القاتل حتى ظننا أننا قد نموت تجمدا. بعد انتهاء الأيام الثلاثة أتت سفينة نقلتنا إلى جزيرة أخرى بعد بضعة أيام وصلنا أثينا. من أثينا سافرت إلى ميونخ على متن طائرة بأوراق مزيفة. حين حلقت الطائرة لم أصدق نفسي واعتقدت أنني قد ولدت من جديد”.

لنعد إلى سوريا..

دخلت حلا كلية الآداب قسم الصحافة في ٢٠٠٣-٢٠٠٤، وتخرجت منها في ٢٠١٠، عملت في سوريا بإذاعة سوريا الغد سنة 2008، كانت معدة برامج ومذيعة. “كان شعورا جميلا أن يستمع إليك أصدقاؤك في الجامعة، أو أن تحضر محاضرة لأحد الأساتذة صباحا ثم تستضيفه مساء في الاستديو. كنت سعيدة أنني قد بدأت أمارس مهنتي التي أحب بشكل عملي وربما هذا كان سببا في تأخر تخرجي”. قالت حلا.

حلا قوطرش: يوم الانفجار الذي حصل في التلفزيون كنت على الهواء مباشرة في البرنامج الصباحي

img_9696

بعد ذلك عملت سنة أخرى في إذاعة أخرى مراسلة للاقتصادية السعودية. ثم في الدوبلاج الوثائقي لأكثر من شركة إنتاج في دمشق. تقدمت بعدها لمسابقة العمل في التلفزيون السوري وكانت تعتقد أنها انتقلت نقلة مهمة في عملها. حيث عملت سنة في بداية الثورة في البرنامج الصباحي وأجرت حوارات مع بعض الشخصيات. تضيف حلا: “بعد بداية الثورة أصبح تحديد موقفك ضرورة حيث بدأت بعض المطالب التي علي تلبيتها ومنها الكذب. يوم الانفجار الذي حصل في التلفزيون كنت على الهواء مباشرة في البرنامج الصباحي. ما حصل يومها كان يوحي تماما بأن الأمور تجري بالاتجاه الأسوأ وأن السياسة التي يتبعها التلفزيون العام ليست مقبولة ولم يكن بمقدوري الانسحاب ولا الاستقالة في ذلك الوقت لأنني كنت سأتعرض لمساءلات شديدة حينها”.

بعد الانفجار أخذت قرارها بالسفر، وبعد أسبوع كتنت في مصر. “كانت إجازتي لمدة شهر، وها قد أكملت سنواتٍ أربع” قالت حلا بحزن.

لنتحدث قليلاً عن البدايات..

تتابع حلا: “وصلت ومعي شهادتي وجهاز التسجيل. كانا أهم ما حاولت الحفاظ عليه. السنة الأولى كانت سيئة ومتعبة، ناهيك عن عجزي عن التواصل. كان من الصعب علي أن أتقبل فكرة تحولي إلى لاجئة. بعد بضعة أشهر تعرفت بالمصادفة إلى سيدة ألمانية، عندما علمت ماذا كنت أعمل وماذا قدمت سابقا قامت بتعريفي إلى إدارة الإذاعة التي أعمل فيها منذ سنة، هي إذاعة محلية في هنوفر “Leinehertz”. طُلب مني تقديم برنامج شهري على الهواء يتوجه إلى اللاجئين السوريين في ألمانيا. وهأنذا أقوم بإعداده وتقديمه بالعربية منذ سنة تقريبا. تساعدني مقدمة أخرى تقوم بالترجمة والتقديم بالألمانية. بعد بضعة أشهر تعاقدت معهم بشكل رسمي لمدة عامين وأصبح لدي ما أستطيع فعله وتقديمه في الإذاعة بشكل عام”.

تعرفت حلا بعد ذلك إلى مجموعة إعلامية من الشباب الألمان والجنسيات الأخرى”Cameo Kollektiv” تعمل معهم حاليا لصالح فكرة (ألمانيا الملونة التي تضم الكثير من الجسيات والثقافات). وهي إحدى المشاريع التي شاركتْ فيها هي مجلة مهمة سوف يكون إصدار عددها القادم في شباط القادم، تحت عنوان Arrival كتبت حلا فيها نصا عن أفكار ومشاعر تخصنها أثناء إقامتها في ألمانيا. وتكمل: “أحاول أيضا تحضير بعض الأفكار والبرامج بعيدا عن الشأن السوري سيتم تنفيذها في السنة المقبلة، لكنني ما زلت أعتمد الانكليزية كلغة حوارية حيث أعاني بعض الصعوبات مع الألمانية”.

ذكرتِ أنك لم تتوقعي أن تقومي بشيء غير شرعي، هل تعتبرين اللجوء من الحرب أمرًا غير شرعي؟ هل يوجد إنسان شرعي وآخر غير شرعي برأيك؟

أولا غير الشرعي هو الذي يحدث للسوريين، فالمفاهيم تتغير بالضرورة بفعل الزمن. نعم لم أتخيل أن أخالف القانون يوما أو أن أجالس مهربي البشر أو أسافر بتلك الطريقة، لكنني الآن أؤمن أن هجرتنا ولجوءنا شرعيان جدا، طالما أن العالم لا يرى جرائم النظام السوري وحلفائه ولا يحاولون إيجاد حل جذري لما يصيبنا.

ذكرت أنك لم تتقبلي أن تكوني لاجئة، ما معنى ذلك وما هو غير المقبول؟

تعودت ألا أطلب مساعدة أحد أبدا، حيث إنني أكره نظرة أحدهم لي بالشفقة، وأنا في لجوئي أطلب كل المساعدة لاسيما في البدايات.

امرأة “عربية” “لاجئة”..

img_9700

يمكننا القول إن الصعوبات تكون أكبر على النساء، إذ أنهنّ يواجهن تحديات مضاعفة من مجتمعهنّ كما المجتمع المضيف، خاصّة وأن الأخير يحمل الكثير من التوقعات التي يريد إسقاطها على الآخر. تقول حلا: “كلاجئة، واجهت صعوبة اللغة أولا وأخيرًا، وصعوبات بسيطة ما بينهما. كوني صحافية ومذيعة مثلا، فأنا أتحدث كتيرًا وأعبر عن نفسي وعن أفكاري عادة، الآن أشعر أنني بكماء”.

وتكمل حلا: “كامرأة، توقع الكثيرون أن أتحدث عن تجربة الكبت التي عشتها في مجتمعنا الذكوري، وخروجي من الظلمات إلى النور في المجتمع الأوربي. حقيقة أنا لم أكن مكبوتة أصلاً. ربما كنت محدودة بحكم العادات والتقاليد، وبالتأكيد أشعر هنا بحرية أكبر على كافة الأصعدة. عندما أتحدث عن المرأة العربية أبدأ من منطلق مختلف يخصني على الصعيد الشخصي. فأنا –كعربية- لا أشعر بالاعتزاز أو الشعور القومي، لكنني بالمقابل، لا أسمح بأن يقلل أحد من قيمة ثقافتنا وحضارتنا، لا سيما أنك على المحك ترى أن كل ثقافة تحمل سلبياتها وإيجابياتها. وهم أوروبا الفاضلة قد تلاشى”.

حلا قوطرش: لا أسمح بالتعريف بي كلاجئة

حلا، المنحدرة من عائلة كردية سوريّة دمشقية، تقول بحزم: “أهم ما في الأمر أنني ومنذ بداية عملي، لم أعد أسمح بتعريفي كلاجئة فأنا حلا الصحفية التي أعرف نفسي بنتاجي”.

الصور النمطية عن الألمان والسوريين

تقول حلا: “كثيرا ما كنا ننعت الألمان بالبرود والعنصرية، لكنني من خلال تجربتي المتواضعة لم أقابل ألمانيا عنصريا ولم أواجه موقفا يسيء لي شخصيا، وحسب معرفتي المتواضعة بالألمان فهم لا يتصفون بالبرود إنما بالواقعية والصراحة، وهم أقل انفعالا عاطفيا منا وأنا حقيقة أفضل هذا النوع من العلاقات الاجتماعية المبني على الصراحة والواقعية”. وتتابع: “معظم الألمان لايعرف شيئا عنا، وكثيرا ما يعتمدون على الصورة المتخيلة التي رسمها الإعلام. يعتقدون أننا جهلة، متعصبون، لكنهم بدؤوا مؤخرا بمعرفة حقيقتنا كبشر طبيعيين نحب الحياة والحرية. بيننا المثقف والجاهل والواعي والبسيط. أعتقد أن دورنا كعاملين في الإعلام الألماني أن نكسر الصورة النمطية لدى كل من الطرفين”.

وتضيف حلا: “كثير من السوريين يتحدث الانكليزية بينما تتملكني الدهشة أمام ألماني درس في مدارس وجامعات ألمانية، لا يعرف لغة أخرى للتواصل مع العالم الخارجي”.

الاندماج المفهوم المبهم

“الاندماج لايعني أبدا الانصهار بالمجتمع المضيف إنما هو التأثر والتأثير في آن معا، احترام قوانين البلد المضيف والتفاعل معها. على كل منا أن يعطي وأن يأخذ أيضا لنكون جميعا راضين في نهاية الأمر” تقول حلا، وتقارن بين رؤية الألمان واللاجئين لهذا المفهوم فتقول: “مع الأسف، يصب اهتمام الألمان كليا في تعلم اللغة الألمانية، رغم وجود الكثير من الأمثلة على لاجئين أتقنوا الألمانية أكثر من لغتهم الأم ومع ذلك فهم لا يزالون الأبعد تماما عن مفهوم الاندماج. أما بالنسبة للاجئين، فهم يتخبطون حيث إن مفهوم الاندماج لديهم مبهم وغير واضح الملامح وهذا ما يجعله مرفوضا أحيانا”.

كثرت الأحداث في ألمانيا وتتابع ربطها باللاجئين، هل ترين أن هناك ما يمكن أن نقوم به؟

img_9699

بداية أنا لا أشعر أنني مسؤولة عن كل اللاجئين السوريين، ولا أستطيع أن أشعر بالذنب وأمارس جلد الذات كلما حدثت حادثة كان أحد اللاجئين سببها.

ثانيا أنا أرفض الطريقة التي يتعامل بها الإعلام مع تلك الحوادث في بحثهم عن مرتكبها وأصله وتركهم للحادثة الأساسية بحد ذاتها، وقد عبرت في أكثر من موضع عن رأيي بدور الإعلام الألماني للتأثير على المجتمع والرأي العام للوصول إلى صيغة إيجابية تناسب الطرفين على حد سواء. وبدورنا يجب أن نحاول في المساحة الإعلامية الصغيرة التي نتحرك فيها التواصل مع السوريين الموجودين في ألمانيا بأسلوب بسيط لتوعيتهم وحل مشاكلهم ومشاكلنا ومشاكل الألمان تجاهنا.

رسائل للاجئين، الألمان، وللسوريين خارج سوريا وداخلها:

تختتم حلا قوطرش حوارنا معها برسائل لكل من:

 اللاجئين: “أدعوكم أن نحاول التمتع بالحرية النسبية المتاحة لنا في دول اللجوء ونستثمر فكرة الحياة الجديدة. لنحاول تغيير أشياء اعتدناها في حياتنا وشخصياتنا فهذه فرصة ربما لن تتكرر”.

الألمان: “لقد أضحينا أمرا واقعا، ولا ندري المدة الزمنية التي سنكون كذلك فيها، لذلك أرجو أن تحاولوا التعرف إلينا بعيدا عن المفهوم الجاهز للاجئ. أؤمن أن هناك الكثير من الأشياء المشتركة التي ربما سنكمل بعضنا البعض من خلالها وسننجح معا”.

السوريين خارج وطنهم: “لنحاول تقبل الآخر. لنحاول بشكل حقيقي وجدي أن نحب بعضنا ونتعايش ونبحث عن نقاط التلاقي والتفاهم قبل طلب تلك الأمور من الآخرين”.

السوريين في سوريا: “أشعر أنني أصاب بالخرس حيث إن الكلام لا طائل منه ويعجز عن التعبير عن حجم الكارثة التي نعيشها. لكنني أود القول إن وجودي خارجا لا يعني أبدا أنني غير معنية بما يحصل هناك ولا أنني اتفصلت عن الواقع أو أحيا حياة سعيدة. نحن كسوريين مهجرين نحاول فقط أن نقوم بما نستطيع فعله لنعبر عن مشاركتنا الهم السوري وتوجيه أنظار العالم لمأساتنا. إن اضطررت لمغادرة المكان لا يعني بتاتا أنني اتفصلت عن انتمائي لذلك أتمنى عليكم ألا تساهموا بتجريدي من انتمائي، ماضيَّ، ذكرياتي، وسوريتي”.

الميلاد من خلف النافذة

ألغام على طريق إلغاء المادة 522 في لبنان.. كيف تقونن الدولة الاغتصاب؟