in

الفيدرالية الألمانية، وما معنى الاتحادية؟

د. رينيه فيلدانغل*

ألمانيا بلد فيدرالي وهذا أكثر أهمية مما تعتقدون. يتم اتخاذ العديد من القرارات على مستوى الولايات الألمانية الستة عشر (الجمهورية الاتحادية)، وهذا منصوص عليه في المادة 20 من القانون الألماني الأساسي وهو الجانب الأكثر أهمية في النظام السياسي الألماني.

يشير القانون الأساسي الألماني إلى أن هذا هو الطابع الحقيقي للدولة وهو غير قابل للتغيير. تتحمل كل من الدولة المركزية والولايات الفيدرالية (المحافظات) مسؤولية المجالات السياسية المختلفة والقرارات. تصدر الدولة المركزية كل القوانين، بينما توافق الولايات الفيدرالية عليها وتنفذها.

للولايات شرعيتها الخاصة وحقوقها وكفاءاتها. لكل ولاية دستورها الخاص ومؤسساتها السياسية الخاصة كالحكومة والبرلمان والنظام القضائي. عندما يتعلق الأمر على سبيل المثال بالثقافة أو التعليم أو الشرطة تكون السلطة الكاملة على مستوى الدول الاتحادية، أيضًا تدار أزمة اللاجئين على نطاق واسع هنا. يتم توزيع القادمين إلى ألمانيا من طالبي اللجوء على ولايات مختلفة وفقًا لمفتاح توزيع ثابت والذي يقود إلى حقيقة مزعجة غالبًا تتلخص في عدم السماح لللاجئين بسهولة تغيير مكان إقامتهم إلى ولاية مختلفة.

وككل شيء تقريبًا في ألمانيا فللنظام الفيدرالي أسبابه التاريخية: أولاً ألمانيا أمة حديثة العهد وكانت مكونة من دول إقليمية مستقلة. في عام 1815 اتحدت العديد من هذه الولايات في “تحالف ألماني” بتمثيل وطني، ولكن في ذلك الوقت بقيت المقاطعات الألمانية والولايات والمدن الحرة مستقلة تحت الحكام الأرستقراطيين لكل منها. وخدم التحالف أكثر كنظام دفاع مشترك.

على مدى عقود تطورت روسيا كقوة مهيمنة في الأراضي الألمانية، ما أدى في نهاية المطاف إلى تأسيس الدولة الوطنية الألمانية تحت قيادة الإمبراطور فيلهلم الأول عام 1871. كانت هذه الدولة منظمة اتحاديًا أيضًا مع العديد من القوى على المستوى الإقليمي ولكنها كانت أقرب إلى دولة مركزية عاصمتها برلين. ما يسمى بجمهورية فايمار بين عامي 1919 و 1933 على الرغم من اسمها كانت أيضًا أقرب إلى دولة مركزية. في النهاية أساء النازيون استخدام هذا الميل نحو المركزية وبنوا عقيدتهم المدمرة وسلطتهم في ومن برلين، وفككوا الهيكل الفيدرالي تمامًا. بعد نهاية الحرب في عام 1945 قرر آباء الدستور الألماني الجديد لذلك التشديد على الطابع الفيدرالي لألمانيا الجديدة، وتكريس مبدأ الفيدرالية في الدستور الألماني. وكرمز لذلك، اختيرت بون –مدينة ريفية صغيرة نوعًا ما- عاصمة لألمانيا الغربية.

في النظام السياسي وصنع القرار وسن القانون يتدخل كلا المستويين؛ حيث يجب أن تتم المصادقة على كل القوانين في غرفة التشريع الرئيسية والبرلمان (البوندستاغ) وغرفة التشريع الثانية، والمجلس الاتحادي (البوندسرات) الذي يتألف من ممثلين عن جميع حكومات الولايات الألمانية المختلفة. يمكن للمجلس الاتحادي رفض القوانين بأغلبية مطلقة (أكثر من 50%)، وفي هذه الحالة سيكون على البوندستاغ تحقيق أغلبية مطلقة كذلك. وإذا رفض البوندسرات قانونًا بثلثي الأصوات، يجب على البوندستاغ فعل المثل لتشريع قانون ما، وعادة ما يتم إجراء محاولات لإيجاد توافق بين جميع المشرعين.

في منتصف شهر مارس تم إجراء انتخابات إقليمية في ثلاث ولايات لانتخاب البرلمانات الإقليمية؛ أكبر كتل تشكل الحكومة. في انتصار ساحق في انتخابات بادن فورتمبرغ عاصمة شتوتغارت فاز حزب الخضر للمرة الأولى وجمع أكثر من 30% من الأصوات. ربما يشكلون ائتلافًا مع حزب  السيدة ميركل المحافظ (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) حيث عانى الحزب الاشتراكي الديمقراطي من انخفاض الأصوات. في راينلاند-بفاز حقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم أفضل نتيجة مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المركز الثاني. وأخيرًا في ولاية سكسونيا-أنهالت الشرقية تمكن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من الحفاظ على موقعه كأقوى حزب. في الانتخابات الثلاثة أحرز حزب يميني جديد “البديل من أجل ألمانيا” الذي انتقد المستشارة ميركل لفتحها الحدود لللاجئين، ويحمل علنًا مواقف عنصرية كارهة للأجانب، أحرز نتائج قوية، وسيكون له مقاعد في جميع البرلمانات الإقليمية الثلاثة. تظهر هذه الصورة المغرقة في عدم التجانس مدى تعددية السياسة الإقليمية وهذا سبب الكثير من النقاشات بخصوص الانتخابات الوطنية القادمة في سبتمبر 2017.

هناك مزايا أخرى للفيدرالية، وألمانيا اليوم واثقة تمامًا فيما يتعلق بهذا النظام السياسي. هو نظام أكثر تعددية ويمثل المواطنين على المستوى الإقليمي أيضًا حيث يتم توزيع القوة السياسية وتقسيمها بهذه الطريقة بشكل أكبر. أيضًا، يمكن حل العديد من المشاكل السياسية على مستوى أدنى من مستويات صنع القرار؛ على مستوى شعبي أو إقليمي. وهناك تنافس سياسي بين الولايات الألمانية المختلفة، ويمكن أن يكون أداؤها سياسيًا أو اقتصاديًا مختلفًا تمامًا. يمكن ملاحظة ذلك أيضًا من خلال أزمة اللاجئين حيث يعيش القادمون الجدد تجارب مختلفة جدًا في ألمانيا، وتختلف ظروفهم بشكل كبير عن أولئك الذين تم توزيعهم إلى نوردراين فيستفالن، بايرن، أو زاخن نحو الأفضل أو الأسوأ.

*مؤرخ وكاتب ألماني، مدير مكتب مؤسسة هاينرش بول في فلسطين-رام الله سابقًا.

المساواة أمام القانون وحظر التمييز في الدستور الألماني

د. محمد شحرور: المؤمن في بلاد اللجوء