in

بالصور والفيديو | ثورة في فنزويلا شبيهة بالثورات العربية

بعد فوز المعارضة بأغلبيّة مقاعد البرلمان في انتخابات ديسمبر-تشرين الأول من عام 2015، تنفّس الجميع الصّعداء عقب فترةٍ حرجة تشهد فيها البلاد أزمةً اقتصاديّة حادّة، فكان بمثابة الفرصة الأخيرة للنهوض مجددًا بعد أن لاح  في الأفق، شبح المصير المأساويّ للجارة كوبا في حال فوز (الحزب الاشتراكيّ الموحّد) الحاكم.

 

 

ڤنزويلا بلدٌ في أمريكا الجنوبية يطّل على المحيط الأطلسي ويمتلك الاحتياطيّ الأضخم للبترول عالميًّا بمقدار 297.000 مليون برميل، يشكّل نتاجًا لثلاثة أعراقٍ أساسيّةٍ (الهندوأمريكية، الأفريقية، والإسبانية) والمنفتح على مختلف الجنسيات منذ استقلاله في ثلاثينيّات القرن الماضي، والتي بلغت نسبتهم في إحصائيات عاميّ 1948-1961 ما يقارب 1% من عدد السّكان، كانوا بغالبيّتهم من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، ويأتي الآسيويون بنسب أقل، ثم العرب وكانوا بمعظمهم من(فلسطين، لبنان، وسوريّا)، أمّا في الأعوام الماضية فقد شهد البلد المضيف حركةً للهجرة شملت مختلف الفئات، ووفقًا لإحصائيات عالم الاجتماع (إيفان دي لافيغا)  فقد وصل عدد المهاجرين في عام 2010 إلى 800 ألف شخص، ويضيف “أن تواجد الفنزوليين في دول العالم كان يقتصر على 20 دولةٍ عام 1992، بينما ينتشرون اليوم في 94 دولة” حيث يسارع الفنزويليون لاغتنام أيّ فرصةٍ  للعملٍ في الخارج لمغادرة البلاد إمّا لأسبابٍ اقتصاديّة أو سياسيّة، على الرّغم من صعوبة الحصول على تذاكر السّفر بعد توقف معظم شركات الطيران عن تسيير رحلاتٍ إلى مطار “مايكيتيّا” في كاراكاس العاصمة بسبب ديونٍ مترتبةٍ على الحكومة لم تسدّد.

 

 

جذور الأزمة:

بدأ الوضع بالتّغير تدريجيًّا منذ وصول (هوغو تشافيز) إلى الحكم عام 1999 عبر انتخاباتٍ شعبية، والذي تزعّم ما سمّي بـ(الثّورة البوليفاريّة) المحمّلة بالمفاهيم الاشتراكية كنظامٍ بديلٍ حاول فرضه بدلاً عن النظام الديمقراطيّ السائد للدولة منذ 1958 عقب نهاية دكتاتورية (بيريس هيمينيس). وقد تمتّع بكاريزما وأسلوبٍ جسورٍ في الخطاب، حيث خصّص لشعبه ستّ ساعاتٍ أسبوعيًّا من البثّ المباشر لبرنامجه (ألو الرئيس) خلال سنوات حكمه الثلاثة عشر والذي حرص أن يتابعه الجميع بإصداره لقانون (ريسورتي) الذي يجبر فيه القنوات المرئية والمسموعة على بثّه كاملاً، وكونه ينحدر من طبقةٍ فقيرة فقد ساهم ذلك في ازدياد شعبيّته لدى تلك الطّبقة والتي بلغت آنذاك ما نسبته 45% من مجمل عدد السّكان، وقد وفّر لها الدّعم عن طريق مايسمى بـ(المهمّات) وهي عبارة عن برامج للتّنمية الاجتماعيّة، وشملت نواحٍ تعليميّة وصحيّة، عرفت بـمهام (روبينسون وباريو أذينتروا وسيمونسيتو)، بالإضافة إلى المساكن الشعبيّة المجّانيّة، واستطاع بذلك كسب تلك الطّبقة وتمرير دستوره الجديد معدِّلاً 143 مادّةٍ منه بين عاميّ (2001/2011)، وسّع خلالها من صلاحيّاته وضَمِنَ فرصة التّرشح لستّ سنواتٍ إضافيّة لاغيًا بذلك شرط مضيّ عشر سنواتٍ لتحقيق ذلك، و”التشاڤيزيّة” أي فكر تشاڤيز الذي انتشر كالنّار في الهشيم، أظهر الأصوات المعارضة ضئيلةً أمام الأعداد الهائلة التي تبنَّته لسببٍ أو لآخر، فأنت ترى في يوم الانتخابات مثلاً باصاتٍ خاصّة تُفرز لجلب النّاس من الأحياء الفقيرة لضمان أصواتهم مقابل وجبة طعامٍ  ومبلغٍ  يدفع مسبقًا ثم ليحتفلوا بالرّقص وشراب البيرة.

أما الأصوات المعارضة فقد أُرغمت على مغادرة البلاد إما بسبب التّضييق الاقتصاديّ أو الملاحقات الأمنيّة والقضايا الملفّقة التي اعتمدها الرئيس كسلاحٍ ضدّ معارضيه، ومثال ذلك ما تعرّضت له القاضية (ماريّا لوردس أفيوني) التي اعتُقلت عام 2009  بسبب حكمٍ بالبراءة أصدرته بحقّ رجل الأعمال (إليهيو سيدينيو). وما لقيه (راؤول بادويل) الذي شغل منصب وزير الدّفاع بين عاميّ 2006/2007 وقاد الحركة (العسكرـ مدنيّة) التي ساهمت في إفشال محاولة للانقلاب ضدّ تشافيز في 2002، حيث أُصدر بحقّه حكمٌ بالسّجن لمدّة سبع سنواتٍ بتهمة الفساد، بينما أكدّ بادويل أنّ اتهامه جاء “نتيجة اعتراضه على إعادة صياغة الدّستور الذي اقترحه الرئيس تشافيز”. أمّا من بقي كهرم المعارضة (ليوبولدو لوبيس) الذي قاد احتجاجات أبريل/ نيسان 2014، فلم يكن أفضل حظًا إذ ُصدر بحقه حكمٌ بالسّجن لمدّة ثلاثة عشر عامًا.

 

 

وفاة السّاحر وانهيار الإقتصاد:

 

في نهاية عام 2013 تُوفيّ (هوغو تشافيز) إثر مرضٍ عضال بعد أن عيّن (نيكولاس مادورو) قبل وفاته بأسابيع قليلة وقد شغل الأخير منصب وزير الخارجيّة بين عامي 2006-2013، كما وجمعه مع الرّئيس الرّاحل صداقةً قديمةً تعود إلى فترة الانقلاب العسكريّ (الفاشل) الذي كان قد قام به تشافيز مع ثلاثة من ضبّاط  الجيش ضدّ حكم الرئيس (أندريه بيريس) عام 1992.

ولم يكد يكمل عامه الأوّل في الحكم حتى اختلّ توازن البلد، وحسب تقريرٍ للبنك المركزيّ نُشر منتصف أكتوبر/ تشرين الأوّل من عام 2015، فإنّ معدّلات التّضخم كانت الأعلى في أمريكا اللاتينية حيث بلغت 68,5%، وحسب المختص بجيولوجيا النفط (غوستافو كورونيل) فإن الخطّة الاستراتيجية التي وُضعت من قبل الحكومة بين عامي 2006-2012 والتي تعهدت فيها برفع إنتاجيّة شركة “بيديفيسّا” للنفط إلى 5.837.000 مليون برميل سنويًّا لم تنفذ، بل تراجع إنتاجها إلى 2.900.000 مليون برميل أي ما نسبته 38% من المزمع انتاجه، أمّا قطّاع التّعليم فقد شهد تراجعًا من حيث النّوعيّة والمستوى فتناقصت نسبة خريجي الجامعات إلى 20%، أمّا التّعليم المتوسط فقد عانى مشكلةً حقيقيّةً مع السّماح لأكثر من 130 ألف من المدرسين غير المؤهلين لمزاولة مهنة التدريس وذلك بعد إخضاعهم لدوراتٍ بفترات قصيرة يُسمح لهم بعدها بالتّدريس، ويتم توزيعهم بعد ذلك على المدارس العامّة والخاصّة بحدٍ سواء كخطّة تبنّتها الدّولة لتأمين فرص العمل، ممّا خفض من سويّة التّعليم. كما وتراجع قطّاع الصّحة وشهد هجرة حوالي 30 ألف طبيبٍ مختصٍ وفُقدت الأدوية وتطعيمات الأطفال، وانعدمت خطط وزارة الصّحة لمواجهة الأمراض السّارية كـ(السيكا).

وكذلك فقد فُقدت المواد الأساسيّة من الأسواق بسبب انتشار عمليّات التّهريب المنظّم والتي نشطت بمعظمها عبر الحدود البريّة مع كولومبيا، وبات من المألوف رؤية السّلع المحليّة معروضةً في القرى الحدوديّة مع كولومبيا وبأسعار منخفظة، بينما توافرت بعض السّلع المحليّة كالقهوة مثلاً  كتب عليها “صُنع الاشتراكيّة”!

وارتأى الرئيس مادور في سابقةٍ من نوعها إقفال الحدود مع الجارة كولومبيّا، ما خلق توترًا بين البلدين المشتركتين بعلاقاتٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ، كما وطُرد ألفي مواطنٍ كولومبيّ مقيمٍ  بشكلٍ غير شرعيّ، مع العلم أنّ فنزويلا بلدٌ متساهلٌ بشأن الأوراق الثبوتيّة ومعاملات الإقامة للغرباء، خطوة تراجع عنها بعد مبادرة الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس لتخفيف التوتر. أمّا بالنّسبة للعرب المقيمين أو الحاصلين على الجنسيّة والذين هم بمعظمهم من التّجار وأصحاب الشّركات، فإنّ الوضع الذي تمرّ به البلاد دفع الكثيرين لبيع أملاكهم والمغادرة إلى الولايات المتّحدة وأوروبا أو إلى دول لاتينيّة مجاورة، لاعتقادهم بأنّ أحدًا لن يغامر بالبقاء في بلدٍ منهارٍ يحتاج إلى معجزةٍ للنهوض مجددًا، تنتشر فيه قصص فساد الرئيس ووزرائه وسرقتهم لأموال البلد وثرواته واهتمامهم بتضخيم حساباتهم في الخارج، بينما يصارع الشّعب يوميًّا في طوابير لا تنتهي ليحصل على حاجيّاته الأساسيّة، كما وعملوا على نشر الجيش في الطرقات، وبات التّوتر والحذر واضحين في التّعامل بسبب كثرة الجواسيس وشيوع حالات الفصل من العمل لأصحاب الرأيّ المعادي للتشافيزيّة، وانخفضت سويّة العمل وتحكمت البيروقراطيّة بأجهزة الدّولة، كما أنّ ازدياد معدّلات الجريمة من المخاطر التي لم يعد بالإمكان التعايش معها كما في السّابق، ولو أنّ ذلك سيبدو غريبًا للكثيرين إلا أنّ من اختار العيش في هذا البلد لكونه يؤمن مستقبلاً اقتصاديًّا جيدًا، فقد وافق مسبقًا على دفع ضريبة العيش مع الخطر وانعدام الأمن بشكلٍ يوميّ في بلدٍ تُصنّف معدّلات الجريمة والسّرقات فيه على أنّها الأعلى في العالم كدولةٍ لا تخضع لحالة حرب.

كما يتميز شعب فنزويلا بانفتاحه على الغرباء حيث يعاملون كمواطنين يتمتعون بكامل حقوقهم وعليهم ما على السكان الأصليين من واجبات، كما أنّ شعبها لم يعرف يومًا ثقافة التّمييز سواء العرقيّ أم الاجتماعيّ، لكن ومع بداية انتشار الأفكار التشافيزيّة تغيّرت النظرة تجاه الآخر المختلف إن كان طبقيًّا أوعرقيًّا، وأضحت الشعارات التي تمجّد قوّة الشّعب وملكيته للدولة أنشودةٌ يتغنّى بها أتباع تشافيز في وجه أبناء الطّبقات الغنيّة الذين وجدوا أنفسهم فجأةً بمواجهة نظامٍ احتار العالم بمحلليه أن يحدِّد ماهيّته.

 

 

 

ماذا تعني التشافيزيّة؟

يقول الفيلسوف والمتخصّص (فرناندو رودريغيس) : “التشافيزيّة هي إديولوجيّة متوحّشة، لأنّها مزيجٌ من كلّ شيء وبطريقةٍ متعاكسةٍ وغريبة (عسكريّة إديولوجيّة عفا عليها الزمن، أساطير يساريّة، خطابة، وخواء) كما أنها اتّسمت بخطابها المناهض للألغاركيّة أو حكم الأقليّات المأخوذ عن الماركسيّة اللينينيّة الكلاسيكيّة، مع تشابهٍ واضح مع النّظام الكوبيّ الكاسترويّ شديد القّدم.

ومع هذا الإرث الثّقيل الذي كان من نصيب الرئيس نيكولاس مادورو الذي لم يستطع رغم التزامه بالمنظومة الإديولوجيّة التّي اعتّمدها تشافيز، والقائمة على الخطابات التوهيميّة، أن يحظى بثقة شعبه ويبقي الدّولة على الأقل على الحال التي كانت عليه قبل وفاة تشافيز، فبالإضافة إلى افتقاره للكاريزما التي رسّخت لسابقه قاعدةً جماهيريّةً افتقد كذلك إلى خطّةٍ اقتصاديّةٍ واضحة تنقذ الدّولة من الانهيار، وهذا ما تشير إليه نسب التّضخم الكارثيّة حيث تُظهر الإحصائيّات الأخيرة أنّها وصلت بين عاميّ 2010-2014 إلى 413%! أما في العام الفائت فقد بلغ التضخم حسب صندوق النقد الدولي إلى 700%، ويتوقع أن يصل في العام الحالي إلى 2000% وسط هذا يواجه نيكولاس مادورو دعواتٍ صريحةً بالتّنحي من قبل أحزاب المعارضة التي استطاعت الفوز  بنسبة 63% والعازمة حسب قول (راموس هنري ألوب) رئيس البرلمان على إعادة مزاولة الحكم بشكلٍ ديمقراطي و”ترميم ما أحدثته التشافيزيّة من أضرار خلال خمسة عشر عاما من الحكم”.

https://www.facebook.com/roger.gonzalez.5055/videos/pcb.10212576255461807/10212576250701688/?type=3&theater

 

لكن ما حدث مؤخرًا أثبت أن الرئيس نيكولاس مادورو عازم على البقاء في الحكم، فبعد عام ونصف على محاولات المعارضة تمرير القوانين والمشاريع التي من شأنها إعادة الحياة الديمقراطية والتصدي للأزمة، أعلن الرئيس نيكولاس مادورو في الثاني من أيار- مايو الجاري عن مشروعه الذي يتضمن حل البرلمان الحالي وتشكيل برلمان جديد “قوامه المواطنة والاشتراكيّة، يضم الفلاحين والطلاب والنسوية، وبالدرجة الأولى العمال الكادحين” ولن يخضغ لاستفتاء شعبي بل ستقوم مختلف قطاعات الدولة بترشيح من هم مؤهلون لذلك، ممن هم منخرطون فيما سُميَّ بالثورة البوليفارية، ولا مكان فيه لأيّ حزب سياسيّ.

 

 

مظاهرات في فنزويلا ضد النظام

هذا الإعلان جاء خلال أيام من المظاهرات التي اجتاحت البلاد ولا تزال مستمرة منذ أكثر من شهر احتجاجًا على الوضع المتردي الذي ينحدر بالبلاد وانعدام أيّة حلول من طرف النظام للنهوض مجددًا باقتصاد البلاد. وقد شملت جميع الولايات مثل سوليا وتاتشيرا وبوليفر وباريناس. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يحدث أي تدخل دولي حتى الآن بل هناك أشبه بصمت دولي اتجاه الأحداث القائمة في البلاد والتي خلّفت حتى الآن خمس وثلاثين قتيلاً و717 جريحًا.

 

 

 

 

ألمى رحّال

 

 

 

بيان صحفي: المدعي العام الاتحادي الألماني يقوم بالتحقيق مع ناجين من التعذيب

هجمات إلكترونية تستهدف عشرات الدول في العالم