in

رأي في الانتخابات الألمانية

علاء سالم المحمد* – قبل عدة أشهر، أمضيت فترة من التدريب (Praktikum) في مكتب أحد  النواب، استطعت من خلالها، بالقدر الذي تمكّنني قدراتي في اللغة الألمانية، الاطلاع على كيفية ممارسة النواب مهامهم،

وتمكنت من الاستماع لشرح تفصيلي عن آلية صناعة القرار في أروقة السياسة الألمانية فضلاً عن لقاء شخصيات سياسيّة فاعلة في المقاطعة التي أقطنها، والاستماع إلى نقاشات ممثلي الأحزاب حول عدد من القضايا لنيل ثقة الناخبين. كل ذلك زاد من اهتمامي بالانتخابات الألمانية، التي ستجري في الرابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر، وسط الكثير من التحديات على المستويين المحلي والأوربي، عدا عن القلق من تدخل خارجي ما، تبعًا لآخر صرعات التكنولوجيا المتطوّرة وإمكانية اختراق البيانات المتعلّقة بعملية الانتخاب.  

عبر متابعتي لهذا الحدث تشكّلت لديّ بعض الانطباعات العامة، وأخرى أتت من موقعي كلاجئ يعيش في ألمانيا، ويتأثّر بلا شك بأحداثها السياسية. في اليوم الذي تلا انطلاق الحملة الانتخابية رسميًا، فوجئت بمشاهدة صور لمرشحين من مختلف الأحزاب وقد أُسقطت أرضاًن أو تعرضت للتشويه باستخدام الطلاء أو غيره، في ما بدا نوعًا من رفض البعض للانتخابات أو ربما التعبير عن رغبتهم في مقاطعتها. والحمد لله أن هذا التصرف لم يعلق على شماعة اللاجئين على نحو ما يحصل أحيانًا عند وقوع أي عمل تخريبي. 

كان لافتًا بالنسبة لي نزول المرشحين وقادة الأحزاب إلى الشارع، وقيامهم بتوزيع نشرات الدعاية الانتخابية بأنفسهم، وتبادل الأحاديث مع الناس مباشرة والإجابة على أسئلتهم، دون النظرة الاستعلائية التي تسم السياسيين في الغالب، وجربت بنفسي الوقوف والسؤال والاستماع للعرض الوجيز من المرشح. 

ولدى سؤالي عددّا من الأصدقاء والمعارف الألمان عن رأيهم في الانتخابات، عبّر أكثر من شخص صراحة عن قناعتهم بدور التحالف بين الاعلام والمال والسياسة في سير الانتخابات، وأنه من خلال فهم هذا التحالف ستبدو النتيجة محسومة مسبقًا، وتبقى عميلة تقسيم الكعكة دون المساس بالقيم الدستورية. رغم ذلك، أكّد معظم من سألتهم أنهم سيمارسون حقهم في الانتخاب وأنهم سيختارون بناء على المقارنة بين البرامج الانتخابية التي تقدمها الأحزاب. كما عبّر آخرون عن حرصهم على التصويت منعًا لاستغلال عدم المشاركة في الانتخابات من قبل اليمين المتطرف أو سواه ممن يدعون بشكل غير مباشر إلى مقاطعة الانتخابات، رفضًا لقرارات الحكومة السابقة التي يبدو أن لدى أحزابها حظوظ جيدة في هذه الانتخابات. 

في المقابل، لاحظت أنّ هناك من يستهجن اهتمامنا كلاجئين بمتابعة موضوع الانتخابات، إذ يرون أنّ هذا ليس من شأننا. أحدهم سألني بشكل مباشر: “ألا تفكر بالعودة إلى بلدك ببعض الخبرات والمهارات الديمقراطية في ألمانيا؟” فأقول لنفسي أنني ربما أعود يوماً إلى بلادي وأقف في الشارع وأتحدث للناس عن أهمية صوت كلّ منهم في الانتخابات، ودور المواطنين في العملية الديمقراطية وتحصين حقوقهم الدستورية. لعلّني سأخبرهم عن النقاشات التي رأيتها هنا بين المواطن والمرشح، وكيف أن الأخير، في حال فوزه، هو موظف لدى المواطنين، عمله الرسمي خدمتهم وفقًا للعقد الاجتماعي الذي يسمى الدستور. 

يبقى أنّ هناك خشية من وقوع أحداث أمنية معينة وتوجيه الاتهام للاجئين، واستغلال موضوع اللاجئين ضمن التجاذبات الانتخابية، فوقوع أي جريمة سيعقبها تغطية إعلامية واسعة، وقبل التأكد من التفاصيل يوضع اللاجئون في دائرة الشبهة، فتغيب الحقائق، ويبدأ الإعلام التلاعب بتوجّهات الناخبين. لعلّ ما يحدّ من تأثير سيناريوهات كهذه، أنّ شرائح واسعة من المجتمع الألماني تدرك جيّدًا أن التركيز على الوضع الأمني واستثماره من قبل تيارات معينة للدعاية ضد الأجانب بات لعبة مكشوفة، ليست أكثر من مناورة لكسب أصوات الناخبين، فالجميع يعلم أنّ ما حصل في العام 2015 وفتح الحدود لن يتكرر، أيًا كانت هوية الفائز بالانتخابات، وبالتالي ليس هناك ما يدعو للتهويل من “مشكلة” اللاجئين التي لا تشكّل شيئًا يذكر قياسًا إلى تحدّيات اقتصادية وسياسية عدّة يفترض أنّ التعامل معها يقع في أولوية مهام الحكومة الجديدة. 

أخيرًا، لا يسعني إلا التمني على الفائز في الانتخابات الألمانية، أن يكون أكثر رأفة بحال من فرقتهم الحرب أو حالت الإجراءات البيروقراطية وتعقيداتها دون لم شمل أُسرهم. ولو كان لي حق الانتخاب حقًا لانتخبت زملائي في السكن باولا وماتسي (Paula & Matze)، الذين شجّعاني على كتابة رأيي في انتخابات بلادهم وعبروا عن فرحتهم بذلك.
 

* لاجئ سوري يقيم في مدينة لايبزيغ

مرايا الجنرال، رواية عن اللوثة القابعة في الأعماق البشرية

شيءٌ من فيض الجمال… هنا حين ينشد “رولاند باوه” للسلام