in

أليكس في بلاد العجائب

قبل أن ينشر كتابي في ألمانيا، كنت أسمع عن ألمانيا في المونديال، وكنت أعرف أيضاً “Modern Talking” والمرسيدس وبالطبع هتلر، إلى أن جاء أليكس، وهو صحفي ألماني يعمل في تلفزيون ZDF جاء إلى مدينة منبج ليصور فيلماً عني.

“أليكس في بلاد العجائب” بقلم عبود سعيد: بحث عني أليكس كثيراً، وكان قد خاطر بحياته تحت القصف في ظروف صعبة جداً، حيث لا اتصالات، ولا طرقات آمنة، سأل عني في مدينتي وكل الذين قابلهم كان يسألهم “أين أجد الكاتب عبود سعيد” فكانوا يجيبونه هكذا “كاتب؟ نحنا ما عنا كتاب بها الاسم!”

غادر أليكس المدينة حزيناً خائباً إلى الحدود التركية حيث رآني هناك صدفة.لم يصدق أليكس نفسه وراح يرقص مثل أرخميدس ويقول “وجدتها! وجدتها! ليست التفاحة إنما عبود سعيد!” أخذته هو والمترجم الذي يرافقه إلى مكتب أحد الأصدقاء على الحدود، أجرينا المقابلة وطلب مني أليكس أن أجلس على الكمبيوتر ليصورني وأنا أفتح حسابي الفيسبوكي وأكتب شيئاً، باعتباري أفهم شخص على الفيسبوك، فكتبت “أنا وأليكس في بلاد العجائب”

طلب مني أليكس بعدها أن آخذه معي ليصور أمي والبيت من أجل فيلمه. على الطريق أوقفتنا عدة حواجز منها كانت ميليشيات إسلامية وبعضها للجيش الحر، وأحد عناصر الجيش الحر تساءل عن هوية أليكس فقلنا له أنه ألماني ، فقال “يعني أكيد ألماني مو إسرائيلي؟”، فقلنا له “والله ألماني وهذه هويته!”

أكملنا الطريق، وصلنا إلى البيت، أدخلت إليكس والمترجم إلى غرفة الضيوف، وأنا ذهبت إلى أهلي وقلت لهم أن لدينا ضيف ألماني صحفي ويجب علينا أن نكرمه ونحترمه. بدأ أهلي بتحضير الطعام، ما أن جهز حتى طلبت أمي أن نذهب إلى الغرفة التي وضعنا فيها مائدة الطعام على الأرض، وبحكم العادات والتقاليد كان يتوجب على أليكس أن يخلع حذاءه ليجلس معنا ويأكل، وما أن خلع أليكس حذاءه حتى انطلقت رائحة كريهة من جواربه غمرت البيت فتجاوزت البيت وغمرت الحارة كلها، وصارت أمي ترمقني بنظرات غاضبة وهي تفتح الشبابيك وتقول لي :
– انت متأكد أنو هذا صاحبك ألماني؟”
وأنا أؤكد لها: – ألماني يا يمه والله ألماني حتى شوفي يشبه كلينسمان مدرب فريق ألمانيا؟
– أعوذ بالله! هادا مو متل كلينسمان، كلينسمان مستحيل تكون هيك ريحة جراباتو.
– بعدين يا يمه الزلمة قطع رحلة طويلة وشاقة طبيعي تطلع ريحة جراباتو.
باشرنا في الطعام وباشر صديقي أليكس بالتهام الطعام مثل الحصّادة، أمي كانت تراقبه وتنظر إليّ بغضب، وأختي ذهبت إلى بيت الجيران وأخبرتهم أن في بيتنا ألماني له رائحة جرابات، فتقول جارتنا أم عمر “ياريت ضلينا سمعانين بالألمان وما شفنا ولا شمينا ريحة جراباتهم”
جارتنا أم عمر أخبرت كل سكان الحي وصار أليكس وجراباته حديث كل الحارة.
التهم أليكس كل الصحون ففقدت أمي أعصابها وسألتني
– صاير مجاعة يعني بألمانيا؟ وأليكس يأكل ويأكل ولا يفهم العربية والمترجم يضحك وأنا أقول له “لا تترجم هذه الأشياء”.
ذهبت أختي إلى جارتنا أم عمر وأخبرتها أن أليكس أكل 4 رغفان خبز، ومسح كل الصحون وجارتنا أم عمر تضرب على رأسها وتقول “ياريت ضلينا نسمع بالألمان ونشوفوهن بالتلفزيون ولا شفنا فجعهم ولا شمينا ريحة جراباتهم”
ذهبت أم عمر وأخبرت سكان الحي وصارت سيرة أليكس وجراباته ومجاعة ألمانيا حديث البلد.
انتهينا من تناول الطعام وجلسنا نشرب الشاي مع أمي وأنا أحاول أن ألطف الجو فأقول لأمي إن أليكس معجب بالوشم على جبينك، كنت أريدها أن تبتسم في وجه أليكس قليلاً.
انتفخت بطن أليكس وكان قد أنهى تصوير الفيلم. غادر أليكس المدينة مسروراً جداً وسعيداً بالفيلم والمغامرة وحسن الضيافة في منزلنا ليعرض الحدث على تلفزيون ZDF من دون أن يعلم أنه هو وجراباته ورغفان الخبز الأربعة كانوا هم الحدث في منبج.

عبود سعيد. كاتب سوري مقيم في ألمانيا

اقرأ للكاتب:

الصندوق الأسود المفقود
عبود سعيد: احتمالات
158 سم

 

شخصية العدد: غونتر غراس – Günter Grass

ليلة مرعبة لفتاة لندنية تعرضت لثلاث اعتداءات جنسية متتالية