in

افتتاحية العدد 50: النجاة ومعركة الذاكرة

طارق عزيزة. كاتب سوري من أسرة أبواب

افتتاحية العدد 50 من أبواب: النجاة ومعركة الذاكرة

على مدى سنوات الثورة ثمّ الحرب السورية، لم يتوقّف نظام الأسد وحلفاؤه وداعموه يوماً عن تشويه الحقائق وطمسها، لتكريس روايتهم التي تختزل ماجرى بعنوانين رئيسيين: مؤامرة خارجية وإرهاب، معتمدين على بروباغندا ضخمة وشبكة هائلة من العلاقات العامّة المموَّلة. ومن خلال حملات تبليغ مكثّفة ومنظّمة، وبحجّة أنه محتوى عنيف ومتطرّف، نجحوا مراراً في دفع إدارة يوتيوب إلى حذف قرابة مئتي ألف فيديو توثّق انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وجرائمَ حربٍ وجرائمَ ضدّ الإنسانية ارتكبها الأسد وحلفاؤه بحق المدنيين، وهي مقاطع ترقى لأن تكون أدلّة بصريّة يمكن استخدامها في محاكمة المرتكبين وإدانتهم.

في المقابل نجد أنّ سوريّاتٍ وسوريين كُثر في المنافي، ممن استطاعوا النجاة من جحيم الأسد، مازالوا مصرّين على الانتصار لدماء وتضحيات ملايين قضوا أو أصيبوا أو اعتقلوا، سواء عبر السعي لمحاسبة المجرمين أو في الإعلام أو الأدب أو الفنون على اختلافها، وهاهي جهودهم بدأت تؤتي ثمارها في حفظ الحكاية السورية وإبقاء قضيّة الحرية والعدالة حيّة واضحة وراهنة، رغم كلّ محاولات إنهائها.

هذا هو السياق الذي ينبغي أن يُنظر من خلاله إلى نجاح كلّ من فيلمي “إلى سما” و”الكهف” في الوصول لقائمة الترشيحات النهائية للأوسكار عن أفضل فيلم وثائقي. فالتحدّي الكبير الآن هو الحفاظ على الذاكرة والحكاية، لأنّ نجاتنا كأفراد وأيضاً كشعب ستبقى منقوصة ومهدّدة ما لم ننجح في النجاة بقضيتنا، قضية الشعب الذي أراد الحرية والعيش الكريم، فكان عقابه القتل والاعتقال والإذلال والتجويع، وصولاً إلى التهجير والتشريد في المنافي.

والمفارقة أنّ مفهوم النجاة هذا لم يسلم من محاولة السطو عليه و”تعفيشه” بوقاحة من قبل رأس النظام نفسه. ففي المقابلة التي أجرتها مونيكا ماجيوني معه، ختمت الصحفية بسؤال بشار الأسد، المسؤول الأول عن الكارثة السورية، عمّا إذا كان يشعر بنفسه كناجٍ، فما كان منه إلا أن عاد للحديث عن “حرب وطنية” و”إرهاب” و”قصف خارجي” وأن السوريين كلهم ناجون! ومعلومٌ أنّ الأسئلة والأجوبة كانت مرتّبة مسبقاً وفق ما يخدم النظام، فخرجت المقابلة مفتقرةً إلى أدنى حدود المهنية، مما دفع قناة “راي 24” الإيطالية إلى الامتناع عن بثّها.

إنّ معركة الذاكرة والعدالة طويلة وشاقّة لكن ما من خيار، فلا نجاة لسوريا وللسوريين إن نجا الأسد بفعلته.

للاطلاع على افتتاحيات أعداد سابقة:

افتتاحية العدد 49: عام جديد وحياة جديدة

افتتاحية العدد 48: اللاجئون وهذا الوطن الجديد

افتتاحية العدد 47: مظاهرات وانتخابات.. هل يتجدّد “الربيع العربي”؟

إعلان حالة الطوارئ القصوى في ألمانيا لمواجهة العاصفة “زابينه”

الشابة السورية “مزن المليحان” تحصل على جائزة دريسدن للسلام