in

عن الصحة النفسية للاجئين في برلين… استراحة المحارب

“الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز”. بهذا الشكل يعرف دستور منظمة الصحة العالمية الصحة، ما يعني أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من صحة الإنسان وتمتعه بالعافية اللازمة، ولا يقل أهمية عن الصحة الجسدية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تفاقم بعض الأمراض النفسية قد يؤدي إلى أمراض جسدية في حال عدم القيام بالعلاج اللازم.

اعتاد معظم اللاجئين على العزوف عن طلب العلاج النفسي في بلادهم، أو حتى التكلم حول هذا الأمر. يعود ذلك لعدة أسباب لا مجال لذكرها في مقال واحد، لكن يبدو جلياً أن مفهوم المرض النفسي في  السياق الشعبي والتيار العام في المجتمع يشكل سبباً أساسياً لتجنب الناس التطرق لهذا الموضوع، سوريا والعراق كأمثلة.

في المجتمع السوري والعراقي، جرت العادة بشكل عام على اعتبار أي شخص يعاني من اضطراب نفسي ”مجنون“ أو ”معقد“، يظهر هذا جلياً في الدراما والنكات مثلاً، فعادةً ما يتم تجسيد مشفى الأمراض النفسية كمجمع للـ“المجانين“ بشكل من المفروض أن يثير الضحك، فيظهر الأشخاص المصابين بمشاكل نفسية بمظهر “مثير للسخرية”، كما أن كلمة “مريض نفسي” أو “معقد” أو “مجنون” أو “لازمك طبيب نفسي” تستخدم كنوع من الشتائم المسيئة والمهينة لذم شخص ما.

في الوقت نفسه، تعاني معظم الدول التي قدم منها اللاجئون من قصور في نظام الدعم النفسي في حال وجوده أساساً. فحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، ينحصر الطب النفسي في سوريا بوجود مشفيين و٨٥ عيادة تغطي سوريا باكملها، الحال في العراق ليس بأفضل حسب تقارير أخرى لنفس المنظمة.
ضمن هذه الظروف، يسعى بعض الناس للتضامن الاجتماعي في مواجهة الأزمات النفسية، بينما يسعى آخرون لحلول روحانية مثل التوجه للطقوس الدينية. في حالات أقل انتشاراً لكنها مستمرة إلى يومنا هذا، يسعى البعض للسحر وفك الخط وسواه. الأمر المشترك بين  هذه الحلول البديلة عدم وجود تشخيص صحيح وطبي لهذه الحالات لقلة الوعي بوجود اضطرايات نفسية لها أعراض معينة وعلاج مناسب تماماً كحالات المرض الجسدي.

النظام الصحي النفسي الألماني

أما في ألمانيا، فيوجد نظام صحي نفسي متقدم، لا يقتصر على وجود طبيب وعيادة ومشفى، بل يقوم نظام الصحة النفسية على عدة مستويات، حيث يوجد إجراءات وقائية، علاج الاضطرابات النفسية بأشكال وطرق مختلفة، دعم نفسي اجتماعي للاندماج في المجتمع.
بالإضافة إلى الأقسام الخاصة بالعلاج النفسي في المستشفيات والعيادات الخارجية، توجد مراكز اجتماعية نفسية تستقبل كافة الحالات من الاكتئاب، الإدمان، التعرض للعنف المنزلي، التعرض للتحرش الجنسي إلى الحالات النفسية المتنوعة. تختلف طرق العلاح حسب الحالة من العلاج الفردي إلى الجماعي، العلاج عن طريق العمل والأنشطة المتنوعة إلى مراكز الرعاية اليومية. وعليه، يوجد اختصاصات متعددة لا تقتصر على وجود طبيب نفسي فقط بل يوجد أيضاً مختص نفسي ومعالج نفسي. كما يوجد خطوط هاتف مباشرة للإبلاغ عن أي حالة نفسية تشكل خطراً على الشخص نفسه أو على الأشخاص الآخرين.

على الرغم من ذلك، لوحظ ندرة توجه اللاجئين لطلب الدعم النفسي بكافة أشكاله. نتيجة لذلك، وبسبب وجود حاجز اللغة، أقيم مشروع “مراكز الاستشارة والتواصل المتنقلة في برلين”.
تقوم فكرة المشروع على دمج اللاجئين في النظام الصحي النفسي الألماني، حيث تقوم مراكز موزعة على أحياء برلين بتقديم الاستشارات النفسية الاجتماعية للاجئين. تم اختيار الموظفات والموظفين من البلاد التي قدم منها اللاجئون مما يسهل التواصل اللغوي والثقافي. تقدم الاستشارات بشكل مجاني ومباشر وسري، إذ ليست بحاجة إلى  إبراز بطاقة هوية أو بطاقة التأمين الصحي ما يحفظ كامل الخصوصية والسرية منعاً لأي إحراج، كما لا تحتاج الخدمات المقدمة إلى تقديم طلبات أو أوراق أو حجز موعد، يوجد أوقات محددة يمكن للاجئ فيها الاتصال أو القدوم إلى المركز ببساطة. تقدم هذه المراكز الاستشارات في مخيمات اللجوء وفي أماكن سكن اللاجئين عند الحاجة أيضاً.
تمتلك مراكز الاستشارة معلومات عن المنظمات الداعمة للاجئين في مختلف المجالات، ويمكن للموظفين تحويل اللاجئ إلى المنظمة القادرة على مساعدته على أقل تقدير. كما تقدم بعض هذه المراكز عروضاً جماعية وفعاليات تبادل ثقافي.

إن أمعنا  النظر فيما قاساه اللاجئون في دولهم من مشاهد عنف وقصص مأساوية، ما واجههم في الطريق من مخاطر ومصاعب، حياتهم في مجتمع جديد يملك لغة وثقافة مختلفتين، ظروف المعيشة الصعبة في بعض المخيمات، فقدان الأحبة، البعد عن الأهل، الاندماج ومفرزاته من ضغوط اجتماعية نفسية، عدم  وجود فرص للعمل، نجد أن أهمية هذه المراكز تأتي كمساحة صغيرة للبوح، ليجد اللاجئ أذناً صاغية لما مر ويمر به دون محاكمات أو عواقب، قد تكون ظلاً لاستراحة المحارب.

على الموقع التالي، يوجد معلومات وافية عن توزع هذه المراكز، عروضها، معلومات التواصل و أوقات العمل:

https://www.berlin.de/lb/psychiatrie/in-den-bezirken/angebote-fuer-gefluechtete

إعداد: ريما القاق. ماجستير في إدارة النزاعات بين الثقافات المختلفة، مسؤولة مركز الاستشارة والتواصل المتنقل للاجئين، برلين- ميته، منطقة فيدينغ KBS e.V.

مواضيع ذات صلة:

المرأة العربية ومتلازمة الضغط النفسي

القوانين الألمانية والعنف الجسدي أو النفسي ضد الأطفال

تمرّد الأبناء على الآباء في دول اللجوء

الزاوية القانونية: الإشكالات القانونية في حالات طلاق الأجانب في ألمانيا وما يتفرع عنها

“العدالة حقّ لنا نحن السوريين جميعاً” جمانة سيف تروي قصتها لأبواب