in

العنف كمفهوم… هل أنا ضحية دون أن أعلم؟

الجزء الأول

ريما القاق*

قد نتفق على نبذ العنف واعتباره أمراً مرفوضاً وخاطئاً، ولكن من الممكن جداً أن نختلف على تعريفه وأنواعه، وتحديد ما هو الفعل العنفي.

يوجد تعريفات متعددة ومختلفة للعنف، وحتى لغوياً لا يوجد اتفاق على تعريف واحد. في اللغة الإنكليزية تعني كلمة العنف حسب معجم أوكسفورد: ”السلوك الذي ينطوي على استخدام القوة الجسدية لإيذاء، تدمير أو قتل شخص أو شيء“ و ”قوة العاطفة أو قوة طبيعية مدمرة“. فيما يخرج معجم كامبردج عن حصر العنف بالعنف الجسدي ليشمل اللفظي: ”أي فعل أو كلمة تهدف إلى إيذاء الناس“.  يعرف معجم لسان العرب العنف على أنه نقيض الرفق ”الخرق بالأمر وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله“.

تصنيفات العنف متعددة أيضاً مثل: (العنف الجسدي، القانوني، النفسي، الاقتصادي، العنف الفردي، الثقافي، المؤسساتي). وقد يتم تصنيف كل نوع فرعياً بكونه: مقصود أو غير مقصود، ظاهري أو باطني، مباشر أو غير مباشر، إيجابي أو سلبي.

لذا، كان لا بد من تطوير تعريف للعنف ليحاول شمل هذه الأنواع، فيما ذهب البعض إلى اقتراح عدم حصر العنف بتعريف محدد أو تصنيف واحد، إنما التعامل معه على أنه ”مفهوم”. فحسب عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ:

”ليس من المهم الوصول إلى أي تعريف للعنف أو تصنيف واحد لأنواعه، بل يجب أن يكون مفهوم العنف واسع بشكل كافٍ ليشمل أنواعه المختلفة الجسيمة، وبنفس الوقت محدد بما يكفي ليكون بمثابة أساس لإجراءات محددة“.

من الممكن القول أن الأمر المشترك بين كافة التعريفات والتصنيفات، أن العنف مرتبط بإيذاء النفس أو الآخر.

وهنا تأتي الإشكالية: لزوم تحديد العنف مع عدم حصره في تعريف واحد، فلا بد من إيجاد شروط محددة ليتم التوافق على حالات معينة على أنها ”عنف“ لحماية الضحايا، والقيام بإجراءات محددة ومناسبة.

صعوبة التعامل مع أنواع العنف اللاجسدية:

على الرغم من نتائج وتبعات العنف الجسدي السلبية، لكن يبقى التعامل معه أسهل من أنواع العنف الأخرى، وذلك لوضوحه وسهولة التعرف عليه، كما أن له تعريف محدد وواضح، وينص القانون بالعقوبة على مرتكبه مع اختلاف درجات فعالية تنفيذ القوانين على أرض الواقع. على الأقل، يمكن القول أنه من الممكن الاعتراف به واتخاذ اجراءات معينة تجاهه، ولو كان ذلك من قبل الضحية وحدها.

أما أنواع العنف الأخرى غير الجسدية، فقد تواجه إشكالية في التعامل معها بين فرد وآخر، مجتمع وآخر، امرأة ورجل، أجنبي ومواطن، وذلك لعدة نقاط متعلقة بالعنف اللاجسدي عامةً:

  • يصعب التعرف عليه، حتى الضحية قد لا تدرك أنها ضحية عنف من نوع ما. فآثاره ليست دائماً واضحة ومن الممكن تحدديها، مثل العنف المؤسساتي الذي يصفه غالتونغ أنه يمكن أن يكون طبيعي لدرجة أننا نراه طبيعياً كالهواء حولنا.
  • قد لا يتم الإقرار بالعنف ولا الاعتراف به ولا يتم إيلاء أهمية لمعالجة الموضوع. ففي كثير من حالات العنف غير الجسدي من الممكن أن لا يصدق الآخرون الضحية، بما في ذلك السلطات المسؤولة أو العائلة أو الأشخاص المقربون، مثل العنف العاطفي.
  • لا يمكن تسجيله أو أرشفته، وخصوصاً عندما يكون العنف صادر عن مجموعة، ففي هذه الحالة يكون العنف مؤسَّس ومشرَّع له في الوعي الجماعي، فلا يتم التعامل معه كحالة فردية: مجرم وضحية. من الممكن أن تكون ضحاياه مجموعات كاملة مثل: النساء، مثليي الجنس، الأجانب، اللاجئين أو ذوي البشرة الملونة، ومرتكبوه مجموعة أغلبية في المجتمع لا يمكن محاكمتها، أو القانون مثلاً.
  • لا يوجد وصفة لتحديده، التعامل معه ومعالجته. فلا يوجد مقياس أو إجراء فعلي وسهل للتعامل مع العنف الثقافي على سبيل المثال، والذي يأتي نتيجة تراكمات دينية ومجتمعية وثقافية.

تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً في نشر التوعية والمطالبة بتجريم كافة أنواع وممارسات العنف في المجتمع، لكن دورها لا يكون كافياً مع عدم وجود مجموعات ضغط ”لوبيات“ للتأثير على السلطة التشريعية، التي تستطيع أن تساهم في تغيير القوانين ”العنيفة“، أو المشرعة أو الحامية للعنف. كما يساهم غياب الوعي عن المجتمع، والانغلاق الفكري وانخفاض المساهمة الفاعلة فيه في تفاقم حالات العنف وتعزيزها تحت مبررات العادات والتقاليد والدين. فلا يمكن التعامل مع أي حالة عنف دون معرفتها والوعي بها كنقطة بداية.

يتبع في العدد القادم، حيث سيتم التطرق لأمثلة حالية.

اقرأ أيضاً للكاتية:

المرأة والرجل، أين كنا وأين صرنا؟

العالم الافتراضي … لجوء من نوع آخر “الجزء الأول”

العالم الافتراضي … لجوء من نوع آخر “الجزء الثاني”

أمراض المهاجرين، متلازمة أوليسيس .. ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الأول

أمراض المهاجرين: متلازمة أوليسيس، ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الثاني

الصمت المطبق: اتهام سوريين بحيازة وتجارة كمية كبيرة من المخدرات

الجنسانية كموضوع للعنف، وانعكاسات اللجوء على الصحة النفسية والجنسية 2