in

الجنسانية كموضوع للعنف، وانعكاسات اللجوء على الصحة النفسية والجنسية 2

الدكتور بسام عويل / تصوير الفنان حنا ورد

لقاء مع د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية

 لا شك أن كثيراً من السوريين مازالوا يعيشون حالاً من الصدمة، تلت تدهور الأوضاع في سوريا وتبعات ذلك من نزوحٍ ولجوءٍ وفقدٍ وخسائر لا تقدر، بعضهم استطاع التكيف نسبياً في حين انهار آخرون أمام وطأة ما أصابهم.

وفي هذا السياق التقت أبواب مع الدكتور بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والصحة الجنسية، والذي له باعٌ طويل في تقديم المساعدة النفسية للاجئين السوريين لاسيما في بلاد الجوار. وجرى اللقاء بمناسبة توقيع كتابه الجديد “علم النفس الجنسي العيادي” في برلين. وتعرض أبواب اللقاء معه على مدى ثلاثة أعداد متتالية من أبواب، تضمن الجزء الأول المعاناة الاستثنائية التي تتعرض لها المرأة اللاجئة، وفيما يلي نستعرض الجزء الثاني من اللقاء ويركز على اختلاف أشكال المعاناة وإمكانيات التكيف معها.

  • من خلال تجربتك قبل وبعد أزمة اللجوء، كيف يمكن أن تصف الاختلاف في الأزمات النفسية الجنسية التي عانى ويعاني منها السوريون؟

للأسف لم تكن الصحة النفسية ورعايتها في سوريا قبل عام 2011 على مايرام، بسبب إهمال المؤسسات التعليمية والطبية لها، شأنها شأن معظم الدول العربية ودول العالم الثالث، والأمر ينسحب أيضاً على الثقافة النفسية وثقافة الاهتمام بها من قبل السوريين أنفسهم وذلك بسبب ضعف المعرفة والاختصاصيين وكثرة التشويهات والأفكار الخاطئة السائدة عن الصحة النفسية واضطراباتها، والتي تجعل ممن يستشير الاختصاصي النفسي في وضع اجتماعي سيء يسمه بالجنون، ويترك آثاره السلبية على سمعته ومكانته الاجتماعية وكذلك مكانة أسرته وعائلته عموماً.

قبل ال 2011 كانت هناك مصادر طبيعية للمحافظة على التوازن النفسي وكذلك الدعم النفسي للسوريين من قبل البنى الاجتماعية كالأسرة والأصدقاء، ومن خلال ملاحظاتي أثناء زياراتي لسوريا وكذلك من خلال الاستشارات التي كنت أقدمها عبر الإنترنت أو بشكل مباشر، فإني أستطيع القول إن أكثر اضطرابات الصحة النفسية التي كان يعاني منها السوريون كانت تتعلق بالاكتئابات والمخاوف المرضية والقلق، وهي بمظاهرها ونسبتها وشيوعها لم تكن على درجة كافية من الوضوح نظراً لمصادر الدعم التي سبق وتكلمت عنها.

ولكن وبعد اشتداد الأزمة وبدء المقتلة السورية التي أنتجت النزوح وفقد الأقرباء بسبب القتل أو الاعتقال أو الخطف وغيره تفاقمت الأزمات النفسية التي عانى منها السوريون لتأخذ مستويات تناسب طرداً مع تفاقم مثل هذه الحوادث وشيوعها واتساع رقعتها يوماً بعد يوم. ففي البداية ارتفعت وتيرة المخاوف والقلق عند الجميع وخاصة عند الأطفال والمراهقين بسبب تفاعل الصدمات النفسية الحادة الناتجة عن مشاهدة القتل والتدمير ومعايشة الفقد وعدم الاستقرار وفقد الأمن والأمان بكافة أنواعه الصحي، والاقتصادي، والتعليمي، والنفسي والاجتماعي.

  • كيف تصف تكيف السوريين مع الأوضاع اللاحقة تحت وطأة التدهور الأمني؟

عاش السوريون بداية الأزمة في حالة صدمة وإنكار لما يعايشونه من أحداث، وهو الأمر الذي جعلهم قادرين على التكيف (وإن كان سلبياً في المضمون) مع تتالي تلك الأحداث، كما لعب التضامن الاجتماعي عندها دوراً إيجابياً في الحفاظ على التوازن النفسي الهش الذي يسم حياتهم النفسية.

إلا أن تفاقم الأوضاع الأمنية التي دفعت بأعداد كبيرة للنزوح والتشرد، وكذلك اتساع الشروخ الاجتماعية بين فئات الشعب السوري المختلفة وانقسامه ما بين مؤيد ومعارض، بدأت تترك آثارها السلبية والعميقة على ذلك التوازن النفسي بشكل متسارع، في ضوء فقدٍ شبه كامل للمساعدة النفسية وانصباب المنظمات الإغاثية على الاهتمام بتقديم المساعدات الطبية أو الإنسانية من مأكل وملبس وما شابه، وهو الأمر الذي جعل من الصحة النفسية تزداد سوءاً وتظهر أعراض الاكتئاب الحاد والمخاوف والقلق وسوء التكيف والعدوانية بشكل أكثر وضوحاً وشيوعاً بين الفئات العمرية المختلفة.

  • من خلال كتابك وورشات العمل التي تديرها وفي ظل هذه الظروف كيف تقيم الصحة الجنسية والنفسية للسوريين؟

ترتبط الصحة الجنسية بالصحة النفسية وكذلك بالتوازن العاطفي مع الذات والهوية الجنسية من جهة، وبالعلاقة العاطفية مع الشريك الجنسي، إضافةً إلى الصحة البدنية للفرد أو الشريك وأمراضها بشكل كبير، كما أن معظم اضطرابات الصحة الجنسية هي اضطرابات وظيفية نفسية المنشأ بالمقارنة مع شبيهتها بسبب الخلل العضوي في الجهاز الجنسي.

وعموماً أستطيع القول إنه بسبب الغياب شبه التام للثقافة الجنسية بين السوريين واقتصارها على بعض المعتقدات الخاطئة المشوهة بما يخص النشاط الجنسي، إضافةً للتأثير السلبي الذي تلعبه العادات والتقاليد والتفسيرات الأحادية الجانب للنصوص الدينية فيما يخص السلوك والأداء الجنسي وقيمة الجنسانية، فإن الصحة الجنسية للسوريين ليست على مايرام وهي بحاجة للرعاية لما لها من تأثير مباشر على السعادة والشعور بالرضا عن الذات والعلاقة الجنسية مع الشريك الجنسي.

  • هل انتقال اللاجئين إلى بلدان الشتات كان سبباً في حدوث اضطرابات جنسية جديدة؟ وما أهم مظاهرها؟

لاشك أن النزوح واللجوء زادا الطين بلة على مستوى الصحة الجنسية للسوريين وظهور اضطراباتها لأسباب متنوعة يعود البعض منها إلى التحرر الجنسي الذي يسود معظم البيئات الأوروبية وصعوبة فهم مكنوناتها وأسسها من قبل اللاجئين وبالتالي صعوبة التعاطي والتكيف معها، والبعض الآخر من الأسباب يعود إلى الحماية التي تقدمها تلك الدول للأفراد بالنظر إلى حقوقهم الفردية والجنسية انطلاقاً من احترام حرياتهم ومحاربة تلك الدول للعنف الجنسي اتجاه النساء، وأسباب أخرى اقتصادية بحتة سحبت من الذكور تفوقهم الاقتصادي.

كل تلك الأسباب وأسباب أخرى جعلت الكثيرين من الذكور يشعرون بالخصاء الاجتماعي لفقدهم التفوق القضيبي الذي كان يُشكل بالنسبة لهم دعامة الذهنية القضيبية الذكورية في مجتمعاتنا العربية، وهو الأمر الذي جعل من اضطرابات القذف والانتصاب شائعة بين اللاجئين من الذكور، وضعف الاهتمام بالجنس والاستثارة الجنسية عند النساء بنتيجة صعوبة مجاراة النساء الأوروبيات بالجاذبية نظراً للمحددات القيمية الاجتماعية والدينية التي تقيدهن.

في العدد القادم من أبواب سيتم استعراض الجزء الثالث والأخير من اللقاء مع الدكتور عويل في تناوله لهذا الموضوع.

 

حاورته سعاد عباس – خاص بواب

اقرأ/ي أيضاً:

الجنسانية كموضوع للعنف، وانعكاسات اللجوء على الصحة النفسية والجنسية للنساء

أمراض المهاجرين، متلازمة أوليسيس .. ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الأول

عن الصحة النفسية للاجئين في برلين… استراحة المحارب

العنف كمفهوم… هل أنا ضحية دون أن أعلم؟

حرق فتاة هندية حية بعد محاولتها النيل من مغتصبيها