in

الجنسانية كموضوع للعنف، وانعكاسات اللجوء على الصحة النفسية والجنسية للنساء

الدكتور بسام عويل / تصوير الفنان حنا ورد

لقاء مع د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية.
حاورته سعاد عباس

لا شك أن كثيراً من السوريين مازالوا يعيشون حالاً من الصدمة، تلت تدهور الأوضاع في سوريا وتبعات ذلك من نزوحٍ ولجوءٍ وفقدٍ وخسائر لا تقدر. بعضهم استطاع التكيف نسبياً في حين انهار آخرون أمام وطأة ما أصابهم، ولا شك أن النساء كنّ الأضعف أمام هول ما أصاب الوطن، لكنهنّ من جهةٍ أخرى الحامل الأقوى لتماسك من تبقى.

وفي هذا السياق التقت أبواب مع الدكتور بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والصحة الجنسية، والذي له باعٌ طويل في تقديم المساعدة النفسية للاجئين السوريين لاسيما في بلاد الجوار. وجرى اللقاء بمناسبة توقيع كتابه الجديد “علم النفس الجنسي العيادي” في برلين. وسنعرض لقاءنا معه على مدى عددين متتاليين من أبواب، حيث سنتحدث في الجزء الأول عن المعاناة الاستثنائية التي تتعرض لها المرأة اللاجئة، لاسيما من ناحية الصحة الجنسية والنفسية بحسب مشاهداته في مخيمات اللجوء وبالاستناد إلى كتابه الأخير.

ما هي أبرز مظاهر المعاناة النفسية التي تواجهها النساء في المخيمات، في ظل الافتقار إلى التوجيه والدعم سواء من المنظمات أو النظام الصحي المعتمد.

تحملت النساء السوريات في ظروف الأزمة ونتائجها، القسط الأكبر من المعاناة بالمقارنة مع الذكور، وأخذن على عاتقهنّ الكثير من المهمات التي لم يكن مجهزاتٍ للقيام بها. فالمرأة السورية وخاصة في مخيمات اللجوء تلعب معظم الأدوار الاجتماعية، في ظل ضغوطٍ إضافية فرضتها ظروف اللجوء وذهنية وثقافة الذكور المتحكمين بالمخيمات، وبالنظر إلى طبيعة التعامل معها كقاصر وكوعاء جنسي وعورة الخ.

فالمطلوب من النساء كثير جداً وبنفس الوقت لا يحصلنَ على الدعم والرعاية الكافية لصحتهن النفسية أو الجنسية أو لحقوقهن الاقتصادية أو حتى الإنجابية. وللأسف معظم المنظمات التي تدير هذه المخيمات هي إما خليجية أو بإشراف من الإسلاميين الذين يفرضون على النساء السوريات نموذج للباس والسلوك والعيش بما يتطابق مع معتقداتهم، ضاربين بعرض الحائط حقوق هؤلاء النساء حتى بالمشاركة في تقرير مصيرهن أو مصير أبنائهن وخاصة بناتهن، اللواتي يتم تزويجهن وهن ما زلن قاصرات، وما ينتج عن ذلك من معاناة نفسية وبدنية بسبب ممارسة الجنس والحمل المبكر.

  • كيف انعكس اللجوء على الصحة الجنسية للمرأة اللاجئة وهل تختلف المشاكل الحالية عن المشاكل التي كانت تعانيها النساء عموماً في المجتمع السوري؟

دون شك، انعكست الأوضاع التي تعيشها النساء السوريات في ظل الأزمة واللجوء عموماً بشكل سلبي على صحتهن الجنسية وسعادتهن ومتعتهن الجنسية وحظوظهن بشريك جنسي يحقق الرضا لهن، وهو حق من حقوقهن وذلك لأسباب وعوامل متعددة، ومن أهمها فقد الأزواج بسبب الحرب والاعتقال. وكذلك ارتفاع نسبة العنوسة والطلاق بسبب هجرة الذكور أو التحاقهم بالقتال.

كما أن استبداد العقلية الذكورية وانتفاخها في بلاد اللجوء على حساب حرية المرأة، جعلت من النساء السوريات مواضيع للعنف الذي يصل إلى القتل بحسب يسمى بجرائم الشرف وفق التوصيف القضيبي الذكوري المتخلف. فالمرأة السورية اللاجئة مُعرضة للملاحقات والأذى والتشهير من قبل الأغراب قبل المعارف والأقرباء، بسبب ذهنية الوصاية الذكورية التي تُشرعها التقاليد والأعراف البالية على النساء، وتحدّ من حريتهن وتطورهن ورسم مستقبلهن في بلاد الاغتراب، عبر محاولاتهن الحصول على الاستقلال الاقتصادي وتمتعهن بحقوقهن الجنسية.

  • في كتابك الأخير “علم النفس الجنسي العيادي” تناولت الجنسانية كموضوع للعنف، والعنف الجنسي بين الأنسنة والصراع الثقافي الحضاري، فما هي أكثر انعكاسات هذا العنف من خلال عملك العيادي سواء في أوروبا أو في المخيمات؟

عملت في كتابي على تقديم مقاربات تخص معادلة “أنسنة الجنس” مقابل جنسنة الواقع الاجتماعي التي نشهدها، والتي تجعل من الجنس قيمة استهلاكية ووظيفية معاصرة، يدفع الإنسان المعاصر ثمنها من سعادته واستقراره النفسي والاجتماعي.

فالملاحظ في العشرين سنة الاخيرة، سواء عبر وسائل الإعلام (المسموعة والمرئية أو شبكات التواصل الاجتماعية والمواقع الإلكترونية)، أو في المؤلفات (الأدبية والعلمية)، أنّ الحديث بدأ يتوسع ويحطّم الكثير من الحواجز والتابوهات عن الجنس، وتفاصيل العملية الجنسية، ومراحلها، والوضعيات الجنسية المُصوّرة، الاستثارة الجنسية، والنشوة. وكل ذلك نظرياً يعمل على رفع مستوى الثقافة الجنسية في المجتمع، وتحسين مستوى الحياة الجنسية للنساء.

ولكن باستعراض سريع للمقاربات التي تتعلق بهذا الموضوع نجد أن التركيز يعود من جديد إلى نفس النقطة التي أشرت إليها أعلاه، وهي التعامل مع الجنس وظيفياً، وبشكل بعيد عن الجنسانية الإنسانية بأوجهها النفسية والروحية الشخصية الخاصة. ومنها تجد على سبيل المثال العناوين التالية: ” كيف تعطي المرأة نشوة جنسية لم تحلم بها من قبل”، “أمور تُسعد الرجل في الفراش”، “أمور ترفضها المرأة في العلاقة الجنسية”، “المعاشرة الجنسية الشرعية”، “أسرار الجنس عند النساء التي يجب أن يعرفها الرجل”، “المحظورات في الجنس الزوجي”، “الأشياء التي تُثير الرجل”، الخ.

  • وهل كان لهذه المقاربات تأثير إيجابي فعلي في تحسين مستوى الثقافة الجنسية في المجتمع لاسيما لدى النساء؟

لا تتوفر لدينا معطيات علمية ناتجة عن الأبحاث الأكاديمية العلمية ولكن من الملاحظ عياديّاً، أن المشكلات الجنسية للمرأة كموضوع للعنف في العصر الراهن في ازدياد، لأن ما ذكرته سابقاً جعل منها موضوعاً للمقاربات الوظيفية من جديد لا أكثر، إن كان مع نفسها أو مع متطلبات “التكيف العصري القسري” مع أنوثتها ومتطلباتها.

إذ تنمو وتعيش معظم نساء الشرق في أجواء ثقافة الهلع فيما يتعلق بمحافظتهنّ على عوراتهنّ، فيكبرن ليجدن أنفسهن عائماتٍ في فضاءات ما بين التكيف مع المتطلبات الاجتماعية الذكورية، المُؤطّرة بالمعايير والعادات والتقاليد بخصوص دورهن الجنسي المرسوم من ناحية، والمحددات الدينية والاجتماعية له من ناحية أخرى، وبين متطلبات التكيّف العصري، الذي فتح لهن أبواب الانطلاق بعيداً خارج تلك المحددات. فضاء الإنترنت الواسع، الذي حطّم كل القيود عن المعرفة، وجعلها في متناول اليد، وسمح للفتيات بتجاوز حواجز التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة في أجواء آمنة.

هي فضاءات واسعة من جهة، ولكنها افتراضية وهمية من جهة أخرى، تم تسخيرها لجنسنة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تجد النساء أنفسهن فيها محاصرات بخيارات ضيقة، يبحثن عن فسحة لجنسانيتهن والتعبير عنها.

تحدثت في كتابك عن الجنسانية كموضوع للعنف فما هي انعكاساتها على النساء ضمن إطار العلاقة الزوجية؟

النساء العربيات معروفات بجمالهن، وعموماً بقدرتهن ومهاراتهن الإغوائية، التي يعملن على تنميتها في ظل غطاء اجتماعي مليء بالقيود الاجتماعية والمحظورات الدينية، ولكن بنفس الوقت تحت ضغط متطلبات اجتماعية أخرى، تدفعهن لتهيئة أنفسهن للعب الأدوار الاجتماعية المرسومة لهن، بأن يعملن على منافسة بعضهن بعضاً ليستقطبن الذكور ويتزوجن، وليخرجن أو ليتحررن أخيراً من السلطة الأبوية والأخوية الذكرية في البيت. لكن معظم هؤلاء النساء في حقيقة الأمر ينتقلن من محدوديات إلى محدوديات أخرى قد لا تقل ثقلاً عليهن، نظراً لما ينتظره الأزواج منهن.

نسبة ليست قليلة بين النساء يمارسن الجنس مع شركائهن لإرضاء حاجات الشريك وفقاً لمتطلبات الدور اللواتي عليهن أداءه دون تقصير، خوفاً من عدم رضا الزوج والتزوج من أخرى. ومعظم هؤلاء النسوة يعددن رغباتهن الجنسية ليست من أولوياتهن في العلاقة الزوجية. فالسرير الزوجي سرعان ما يصبح ملاذاً للنوم والراحة بعد يوم طويل من الواجبات التربوية والمنزلية التي لا تنتهي، والملقاة عادة على عاتقهن. ويلاحظ أن معظم النساء يتحولن بعد الزواج إلى نساء أخريات يُهملن العناية بأنفسهن، ويُفضلن لعب دور الأم على دور الأنثى ودور الزوجة.

فالكثيرات من النساء لم يختبرن العلاقات الجنسية المرضية لهن مع أزواجهن، وتراهم يتعاملن مع العملية الجنسية كنوع من الواجب، الذي يمكن الاستغناء عنه لا بل ويفضل الاستغناء عنه. والكثيرات منهن يخجلن من المبادرة عندما تتحرك رغباتهن الجنسية، وكما عبرت إحدى المتعالجات عندي “أخاف طلب الممارسة الجنسية من زوجي لخوفي من أن يُشكك بأخلاقي”. ومجدداً نعود لنحاول الإجابة عن السؤال الذي يطرح نفسه علينا، لماذا..؟!

وبالرغم من أني أعتقد جازماً أن معظم القارئات والقارئين لهذا الكلام يعرفن/يعرفون الجواب جيداً، إلا أني حاولت وبشكل منهجي وأكاديمي إضاءة بعض الجوانب الأخرى في كتابي لكونها ربما تغيب عنهم، وهو الأمر الذي يجعلني أقوم بالترويج له بين الناس وأرجو أن يقرأوه.

بورتريه: د. بسام عويل

اختصاصي بعلم النفس العيادي والصحة النفسية، وعلم النفس الجنسي والصحة الجنسية، حائز على دكتوراه بعلم النفس. يعمل في الجامعات البولندية بمنصب بروفيسور أكاديمي منذ حوالي 23 سنة. له ما يقارب مائة مقالة علمية وفصول في كتب باللغات البولندية والعربية والروسية والإنكليزية، كما أن له 13 كتاب ما بين إعداد وتأليف آخرها “علم النفس الجنسي العيادي”.

مع بدء رحلة الشتات السوري عمل على مساعدة أهلنا في سوريا وخارجها إن كان عبر جمع التبرعات أو تقديم الاستشارات المهنية للمحتاجين بشكل غير مباشر عبر الإنترنت، أو بشكل مباشر عبر المشاريع الإغاثية الإنسانية واللقاءات معهم سواء في الأردن أو لبنان أو تركيا. وسعى منذ بداية 2012 على المساعدة برفع السوية المهنية للعاملين مع النازحين بالداخل أو اللاجئين بالخارج لتقديم الخدمات النفسية اللازمة والضرورية، ذلك عبر دورات تدريبية وندوات عبر الإنترنت أو بشكل مباشر.

عام 2016 ومن خلال جمعية ” سوريا الحرة” أمكن الحصول على تمويل من الخارجية البولندية لافتتاح عيادة نفسية في إربد في الأردن، وتمكن مع فريق من الاختصاصيين السوريين اللاجئين هناك، من تقديم المساعدة النفسية لما يقرب من 40 ألف سوري في الشمال الأردني بينهم أطفال ومراهقين ونساء وذكور وكهول، إضافةً إلى تدريب العاملين في المؤسسات الأردنية والدولية لرفع سويتهم المهنية بالتعامل مع اللاجئين السوريين هناك.

سيشارك الدكتور عويل قريباً في تدريب السيكولوجيين والعاملين الاجتماعيين السوريين في جنوب تركيا، والذين يقومون على رعاية اللاجئين السوريين هناك بالتعاون مع منظمة سورية ألمانية غير حكومية (Deutsch-Syrischer Verein) وبتمويل ألماني، والتدريب يتعلق بالصحة الجنسية ومشكلاتها واضطراباتها.

حاورته سعاد عباس / خاص أبواب

اقرأ/ي أيضاً:

أمراض المهاجرين، متلازمة أوليسيس .. ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الأول

أمراض المهاجرين: متلازمة أوليسيس، ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الثاني

عن الصحة النفسية للاجئين في برلين… استراحة المحارب

9 أنواع من الفوبيا الجنسية ربما لم تسمعوا بها من قبل، بينها الخوف من الجميلات

بالفيديو: احتفال لمثليين ومتحولين جنسياً عرب في برلين

ماسبب غلاء رسوم الإنترنت على الموبايل في ألمانيا مقارنة بباقي دول الاتحاد الأوروبي؟