in

زاوية حديث سوري: ممتنون؟

عمر السوادي. إعلام وعلوم تواصل، مقيم في ألمانيا

في بلدان اللجوء الأوروبية وعند كل حديث عن القهر السوري مع أبناء القارة العجوز ينتهي الحوار بعبارات الامتنان لأننا نجونا، لأننا لسنا في ذلك الحجيم “يقول شريك سكني الألماني وزميلي في الجامعة هنا: من الجيد أنك نجوت”. ينتهي الحديث وأسأل نفسي، هل نجوت فعلاً؟ ما هي النجاة وكيف لنا إسقاطها على حياتنا نحن السوريين.

اندلعت الاحتجاجات في سوريا عام 2011، كنت وقتها طالباً في المرحلة الثانوية أتحضر لامتحانات البكلوريا. انشغلت بالأحداث السياسية والحراك الشعبي جنوب دمشق، في الوقت الذي انشغل فيه الشباب من عمري في بلدان أخرى بالاندفاع في الحياة، السفر، عزف الموسيقى وتجربة أول حب.

وبدل أن أرى أصدقائي في المدرسة مرهقين على الأرض من التعب بعد مبارة كرة قدم، رأيتهم تحت أقدام عناصر الأمن الذي اعتقل العديد منهم بسبب التظاهر.

في عام البلكوريا نزحت من بيت أهلي، قُصفت المنازل في حارتنا ورأيت الدبابات في شوارع العاصمة أثناء مغادرتي لها. كان زميلي الألماني وقتها يقضي عطلة المرحلة الإعدادية على سواحل إسبانيا.

نزحت إلى شرق سوريا، كنت أحضر لامتحانات الفصل الثالث في جامعة الفرات عندما علمت أن والدي قد قتل برصاص تنظيم داعش، تركت دراستي الجامعية واضطررت للخروج من سوريا، كان عمري وقتها عشرون عاماً، أصبحت أربعين تستهلك أفكاري وتستنزف طاقتي.

وعلى طريق العبور إلى تركيا وضعت امرأةٌ ابنها في علبة كرتون، لأن كان عليها أن تركض به خوفاً من حرس الحدود، اكتشفتُ أن الظلم هناك مثل الظلم في سوريا، إلا أن مذاقه تركياً. قررت الذهاب إلى أوروبا بحثاً عن حياة فيها شيءٌ من العدل، أو ظلمٌ أقل إن صح التعبير.

حصلت على الإقامة، بحثت عن منزل كي أستقر وأتعلم اللغة، إلا أنني رفضت عشرات المرات لأنني لا أتقنها (أنا الذي كنت أريد الاستقرار من أجل التعلم). وفي غرفةٍ صغيرة لا تتسع لاثنين كنت أكدس أحلامي وأوراق اللغة الألمانية، قبل أول فحص للغة بعدة أيام وفي القطار تصفحت الإنترنت، رأيت تعازي من الناس لي مع صور لجثة أخي الأصغر مني. أستاذي في دورة الاندماج كان يظن أنني أسرفت في السهر مع الأصدقاء، إلا أنني كنت جسداً بلا روح.

انتهيت من اللغة، ذهبت للعمل لنصف عام، وحصلت بعدها على قبول في كلية الإعلام والتواصل، وعندما بدأت في البحث عن منزل كنت أرفض من قبل الألمان، بعضهم كان يسأل إن كنت محافظاً دينياً. في آخر الأمر تمكنت من الحصول على غرفة كان يسكنها شاب من باكستان.

عمري الآن خمسة وعشرون عاماً، أدرس في الفصل الثاني مع طلاب ولدوا عندما كنت في المرحلة الإعدادية، لعمري هذا كنت أخطط قبل 2011 أن يكون لدي منزل وعمل وعائلة. إلا أنني أعيش الآن في سكن مشترك أحاول أن أبني حياة لم أعد أعرف ما الغاية منها. بلا هدف أدرس مقرراتي وأبحث عن عمل طلابي.

أكتب كل ما سبق لأنه يأتي بخاطري دفعة واحدة عندما يقول لي أحدهم هنا: عمر أنا فرح لأجلك لأنك نجوت. وهل النجاة من سوريا تعني الخروج منها قطعة واحدة دون يد مبتورة أو عين مفقوءة؟ وهل النجاة تعني الحياة بعيداً عما حصل وما يحصل الآن؟

لست أرى نفسي ناجياً، كما أنني لا أرى نفسي مع غير الناجين، جسدي كامل يمشي وينطق ويعمل كأي إنسان هنا، إلا داخلي لا أعرفه، لم أعد أميز بين ما أرغبه وما لا أرغبه. أقوم بأشيائي فقط من أجل إنهائها. لقد “نجوت” من سوريا وخرجت منها، إلا أنني بشكل أو بآخر لم أعد أجدُني.

أحاديث سورية أخرى:

زاوية حديث سوري: هل تجوز التهنئة ؟

زاوية حديث سوري: ما يريده الألمان “What German want”

زاوية حديث سوري: سخرية…

وثائق مسربة تكشف خفايا الاعتقالات التعسفية بحق طائفة الإيغور المسلمة في الصين

ألمانيا: المجموعة اليمينية المتطرفة كانت تخطط لمهاجمة مساجد في أوقات الصلاة