in

الترحيل القسري للاجئين.. القوانين والاتفاقيات التي تخالفها لبنان وتركيا

بسام العيسمي. محامي سوري مقيم في النمسا

كثر في الآونة الأخيرة التضييق على اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان تحت ذرائع عديدة، حتى انتهى الأمر بإجراءات الترحيل القسري ، مما يشّكل خرقاً خطيراً للعهود والمواثيق الدولية واتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين، والبروتوكول الصادرعام 1967 والذين تعتبر تركيا طرفاً في كليهما.

عدا عن مخالفة البلدين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية المدنيين لعام 1949 وبروتكولها الأول المكمل لعام 1977.  إضافةً إلى القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية. الجانب العرفي من القانون الدولي الإنساني.

من جهتها فسرت الحكومة التركية اتفاقية 1951 تفسيراً استنسابياً، حيث قصرت تنفيذها على مواطني الاتحاد الأوروبي واستثنت السوريين من أحكامها. فلم تعتبر السوري لاجئاً وبالتالي فهي غير ملزمة بمنحه حقوق اللاجئ المترتبة عقدياً بموجب الاتفاقية، وبذلك تندرج أي تسهيلات تقدمها له في إطار كرم الضيافة ومنة منها؟ وليست حقوقاً يستحقها لكونه لاجئ. وتأتي كلمة “أنتم المهاجرون ونحن الأنصار”، و”أنتم ضيوفنا” في هذا السياق. لذلك ابتدعت مايسمى بنظام الحماية المؤقتة والكمليك الذي طبقته على السوريين الفارين إلى اراضيها.

  وسنبين أدناه المخالفات التي ينطوي عليها الترحيل القسري للاجئين السوريين لكلٍ من أحكام اتفاقية 1951، وأحكام القانون الدولي الإنساني وبعض الاتفاقيات الدولية الأخرى:

  • مخالفة المادة {31} من اتفاقية 1951 بالترحيل تحت ذريعة عدم حيازة إقامة. حيث تنص المادة: “تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية على اللاجئين الذين يدخلون إقليمها بشكلٍ غير قانوني أو يوجدون فيه دون إذن قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم مهددة، شريطة أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني”.
  • مخالفة المادة {32} من الاتفاقية، ونصها: “لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئاً موجوداً في أراضيها بصورة نظامية إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام”. و “لا ينفذ طرد مثل هذا اللاجئ إلا تطبيقاً لقرار متخذ وفقاً للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون”. والمقصود هنا حقه في مراجعة القضاء والتظلم من قرارات السلطة الإدارية الصادرة بحقه.
  • مخالفة المادة {33} من الاتفاقية: “لايجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الإقليم حيث تكون حياته أو حريته مهددين”. 
  • مخالفة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948: وبخاصة المادة 14 منه، والتي تنص على أنه “لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أويحاول الإلتجاء إليها هرباً من الإضطهاد”. وأهم ما أكد عليه هذا الإعلان هو حرية التعبير في الاعتقاد والانتقاد، ولاشك أن سوريا في ظل حكم الأسد كانت النسخة الأسوأ بين جمهوريات وممالك الخوف والقهر والاعتقال، ولذلك هي بلد غير آمن بالمقياس الدولي والإنساني قبل عام 2011. فكيف الآن بعدما أصبحت ساحةً للصراعات الدولية والإقليمية، ومرتعاً لكل مجرمي العالم. لذلك لايجوز ترحيل أوإرجاع أي سوري فر من بلاده قاصداً النجاة بنفسه من خطر محدق تمثله سلطة الأمر الواقع وحملة السلاح من التنظيمات والفصائل التي لاتحمل فكر الدولة وتشترك مع النظام في عدائها للديمقراطية، وحرية الفكر والعقيدة.
  • مخالفة لاتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1984. ولبنان طرف فيها. وبخاصة المادة 3 ونصّها: “لايجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أوتعيده، أو تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو للاعتقاد بأنه تحت خطر التعرض للتعذيب”. ومن المعروف دولياً ولدى الهيئات المعنية بحقوق الإنسان إن سوريا في عهد هذا النظام من الأسوأ والأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان الفردية والجماعية. وبالتالي فإن الترحيل القسري مخالفٌ للقانون.
  • ويجمع كثير من الفقهاء والمؤسسات الحقوقية على أن حظر العودة القسرية هو جزء من القانون الدولي العرفي، مما يعني أن جميع الدول ملزمة باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئ سواء كانت طرفاً بالمعاهدة أم لا. لذلك نرى كلاً من تركيا ولبنان تجبر اللاجئ بالحيلة أو تحت الضغط والإكراه ليعترف بأن ترحيله كان طوعياً.

ورغم أن لبنان ليست طرفاً في اتفاقية 1951، ولا في البروتوكول الإضافي، لكن هذا لايعفيها من الالتزام بالقواعد التي تحددها الاتفاقيات والقانون الدولي الإنساني الهادفة للحد من نتائج النزاعات المسلحة، وحماية المدنيين الذين لم يكونوا طرفاً فيها.

وبرغم هذه المنظومة من المعاهدات الدولية والتي تشكّل ثروة حقوقية وإنسانية، وتمثل التوافق الإنساني لحماية أنبل الخصائص المتعلقة باحترام الشخصية الإنسانية بغض النظر عن الدين أو الأصل أو أي تمايز آخر، وهي ثمرة تضحيات قدمتها كل شعوب الأرض حتى استطاعت تدويل حقوقها. ولكن السؤال هل هذه الحقوق دائما هي في موضع التطبيق الفعلي؟ 

للأسف لا، لأن آليات المجتمع الدولي غير ملزِمة مما يجعلها قاصرة عن حمايتها وتأمين احترامها وإجبار الدول على مراعاة أحكامها.

ولذلك تستمر الأزمات التي تعصف بالعالم وتخضع للتجاذبات السياسية المبنية على المصالح، وحين تتعارض المصالح مع المبادئ وقواعد العدالة تتراجع الأخيرة مما يؤدي لضياع الحقوق، وتدنّي قدرة المجتمع الدولي على معاجة أسباب اللجوء مع استمرار الحروب. وما العجز الدولي بعد أكثر من ثمان سنوات عن وقف المقتلة السورية إلا مؤشر خطر ينذر بالأسوأ.

والمطلوب أن تتكاتف شعوب الأرض في نضالها لوضع هذه الاتفاقيات موضع التطبيق من خلال ابتداع آليات جديدة تلزم الحكومات وتحمي الحقوق.

اقرأ/ي أيضاً:

الترحيل و”سحب اللجوء” من سوريين زاروا بلادهم.. مطلبٌ جديد لوزير داخلية ألمانيا

ألمانيا.. سحب تصريح “منع الترحيل” ممن يعيق عملية ترحيله

سؤال “بريء” يؤدي إلى ترحيل اللاجئين من أمريكا

هولندا: محاكمة “أبو خضير” السوري بتهمة إرتكاب جرائم حرب

شخصية العدد 45: المفكر المصري “فرج فودة”.. الكلمة التنويرية في زمن التعصّب