in

شخصية العدد: مارسيل بروست.. في البحث عن الزمن المفقود

أحد أساطير الأدب الفرنسي، وُصف بأنه شخص رقيق وذكي بأحاسيس مرهفة، كان محبوب الصالونات الأدبية الباريسية قبل أن يتمكن منه مرض الربو ليغدو عاجزاً مدة طويلة في فراشه، ولينسحب تدريجياً من صالونات الجمهورية الثالثة ولا يخرج إلا ليلاً من بيته، بسبب تحسسه من الضوء ومن العتمة والغبار. ولذلك غرفته كانت كاتمة للصوت بحرارة عالية.

ولد “مارسيل بروست” لأب كان طبيباً معروفاً ومدرساً للصحة العامة في جامعة باريس، ولأم يهودية مثقفة وميسورة الحال سنة 1871. وخلال مرضه كتب أفضل أعماله، وهي روايته الطويلة: “البحث عن الزمن المفقود”، التي ظهرت بعد خمس سنوات من وفاته في ستة عشر مجلداً (1913-1927).

في تلك الرواية أبدع “بروست” عملاً أخلاقياً رفيعاً وأصيلاً، أعطى صورة عن المجتمع المنحل، وأماط اللثام عن قيم المجتمع الراقي آنذاك المليئة بالغش والاحتيال. في روايته تلك يجعلنا ندرك عظمة قيم وأفكار كبيرة كالحب والفن، وقد أراد، كما يوحي العنوان، أن يكتب الماضي الضائع كأنه يستعاد بالنسبة لنا، وذلك في الخلود الذي يخلقه الفن.

بروست كان مشغولاً بالزمن كحقيقة موجودة باستمرار، مادامت ذاكرة الكاتب تستطيع العودة للماضي وتستلهم منه دون اعتبارٍ للتسلسل الزمني أو للزمن الميكانيكي. ينبش من تراثه الشخصي وخبراته ومعاناته، رغم أنه رفض أن تكون الرواية سيرة ذاتية له، بل قال جملته الشهيرة بأنه استعار ابتسامة شخص وحاجب شخص آخر ليخلق شخصيات روائية من مزيج إنساني كبير.

هذه الطريقة في تحويل ما بدا ضائعاً إلى شيء حقيقي موضح في مثال في الفقرة الشهيرة من الجزء الأول في الرواية، والتي تدور حول فنجان الشاي وقطعة الكعك، حيث يثير مذاق الكعك المغمّس بالشاي إحساساً لدى الكاتب بسعادة غامرة. مما يثير فيه سلسلة معقدة من العواطف تقود إلى اكتشاف الخبرة الحسية التي هي زناد يوقظ ما يسمى “الذاكرة اللاإرادية”. اسم هذا الجزء “طريق الوزة” وقد نشره على حسابه بعد رفضه من ناشرين عديدين. أما الجزء “في غابة من الأزهار” 1918 فقد حاز على جائزة كونكورد الفرنسية الشهيرة التي حققت الشهرة لذلك الناسك.   

خلال الوقت الذي استغرقه لينهي روايته الطويلة أيقظ “بروست” ماضيه الشخصي وأعاد صياغة عالمه الاجتماعي إلى فن. موضحاً السبل التي يمكن فيها للعالم الداخلي للإنسان أن يكون تجربة ومعاناة كاملة.

حظيت الرواية بأجزائها بمترجم جيد ترجمها إلى الإنكليزية وهو “شارل.ك.سكوت” ما عدا الجزء الأخير ترجمه “ستيفن هدسون” وقد نالت الرواية بالإنكليزية شهرة وتأثيراً كبيراً، وتأثر بها كتاب كثر كفرجينيا وولف.

توفي بروست سنة 1922

اقرأ/ي أيضاً:

شخصية العدد: الكاتبة الإنكليزية “جورج إليوت” – كتابة النساء في زمن أسماء الذكورة

شخصية العدد: د.ه. لورنس D. H. Lawrence”: حين كان التمرّد جريمة

شخصية العدد 34: آرثر رامبو – الانعتاق والنهايات القصوى

كل شيء في ريال مدريد يريد زيدان

إذا كانت الحياة العصرية تسبب لك التوتر… فالطبيعة فقط من سيعينك على مجابهته