in

كنّا عايشين!

سلاف أحمد.

وما يدفع الكثيرين لتمني الأيام الخوالي التي يشعرون أنهم لطالما كانوا يعيشونها بأمنها وأمانها..

في مغالطة المقارنة القائمة حد السذاجة، كثير من السوريين ما زالوا يقارنون حقبة ما قبل الثورة بالحقبة الحالية التي تسيطر عليها سمة الحرب، فيما لو حاولنا أن نكون منطقيين قليلاً علينا أولاً الانتباه لهذا الفخ الذي وقعت فيه شريحة كبيرة من السوريين حين حاول الأسد رمي الحرب كفزاعة في وجوهنا لنقارن بين عهدها وعهده، بينما يتجه المنطق إلى مقارنة حقبة ما قبل الثورات بنتائج الثورات، لا بسنوات الحرب التي تحتاجها لتنتصر.

حين نقول إن ما مضى كان أكثر أمنا وراحة للمواطن السوري (الذي لم يكن أصلا ينعم بحقوق المواطنة على جميع الصعد) ينبغي علينا أن نكون قد وصلنا لنتائج صرخة الحرية التي أطلقت في وقت ما عاد يحتمل السكوت على القمع الذي مورس على شعب بأكمله لعقود مضت، لو افترضنا أن الثورة انتهت ولم تكن نتائجها مرضية للمواطن من حيث الحريات المرتقبة والأمان الحقيقي الذي نسعى إليه دون رهاب أن الجدران لها آذان، دون الرقابة التي كانت مفروضة على أفواهنا وآذاننا وأفكارنا وحتى أحلامنا، دون التخلص من الفساد العام وتفعيل دور الرقابة الذاتية والخارجية لتحقيق العدالة المنشودة وإعطاء كل ذي كفاءة حقه بعيدا عن المحسوبيات، حين تنتهي نتائج الثورة إلى عدم استقلالية القضاء وإعلاء سلطة القانون فوق أي سلطة أخرى، أو تنتهي إلى قمع حرية المعتقد والانتماء والولاء، أو إلى استغلال المرأة وعدم اعتبارها نصفا حقيقيا فاعلا ومؤثرا في المجتمع، والكثير الكثير من الأمثلة التي تحتاج إلى صفحات لطرحها، حينها فقط نستطيع أن نلوم الثورة.

أما ونحن في خضم حرب حقيقية تقلب المجتمع رأسا على عقب، لا نستطيع أن ننسى أن هذه الحرب كانت من صنيعة الاستبداد لتصل تماما إلى النتيجة المرجوة منها في شارع عريض بين السوريين ألا وهو تفضيل ما قبل الحرب عليها، لماذا نرى نصف الكوب الفارغ فقط، ليس استهانة بدماء أهرقت ولا بمفقودين نزفناهم جميعا، لكننا احتراما لتضحياتهم لابد لنا من متابعة طريق كانوا منارتنا عليه لنهتدي إلى النور المرصود في آخر النفق، التاريخ لا يعود للوراء، ما بعد أول صرخة لا في وجه الـ نعم لن يكون كما قبلها مطلقا، في نزوحنا المتكرر وهجراتنا ضوء أيضا، نحن لم نكن بحاجة ثورة سياسية فحسب، ذلك النزوح والهجرة سيكونان طريقًا حقيقيا على درب الانقلاب السياسي والاجتماعي الذي نحتاجه أيضا.

حين توزعنا في بقاع الأرض فقدنا كل ما بنيناه لسنوات أجل، لكننا بدأنا بناء صورة ثورتنا في عيون الغرب الذي لم يكن ليعرف عنها شيئا سوى من إعلام النظام، بدأنا نكون الناقل الحقيقي والحي للواقع السوري ولمعاناتنا، معاناتنا السياسية والاجتماعية في آن معا، حيث انتقلت المرأة السورية من واقع يسحقها إلى مكان جديد تعرفت فيه إلى إمكانية حياة أخرى تستطيع فيها أن تعرف الفرق بين حقها وواجبها.

حقها.. الذي لم تكن لتحصل عليه أبدا في بلد لا يحق لها فيه أن تكون رئيسة أو تحصل على حقوق عادلة، بوصفها مواطنةً، ويمارس ضدها العنف القانوني ويؤخذ منها أطفالها في حال عدم توافقها مع زوجها وطلاقها، في مجتمع يعرضها للذبح بمنتهى السهولة إن أعلنت يوما أنها قد وقعت في الحب.

نحن الآن أمام ثورة كاملة المقومات، ستأخذنا حتما لغد أفضل بعد كل الضرائب المتراكمة التي دفعناها جملة، شريطة أن نؤجل المقارنة المزمعة لنرى النتائج فقط.

المهن والاقتصاد والمرأة

الدول الأوروبية الرافضة لاستقبال اللاجئين تحت وطأة غراماتٍ باهظة