in

العـلاقات الجَـيدة تَـجعلنا أكثر سعادة وصحة

إسلام سعود مطور

مُـنذ سَـنوات مَـعدودة كـان يُـرافقني سؤال: “كيف أحصل على السعادة ؟”، ثمّ بطريقةٍ ما، ولرُبما كَـمحصلة شَـخصية، وجدت أن السـرّ يَـكمن فـي الِـرضا فعلاً.

حَـتى أَنـنـي لـو ألـقيت نَـظرة عـلى مُنحنى السعادة خَــاصتي “Curve of Happiness”، سَـأرى بِـوضوح أَنني كُـنت طيلة حَـياتي، أتمنى الحصول على الأشياء بِـشغف “فـكرة الوصول”، ونسيت أن أُفكر كيف ستكون حينها نفسي راضية، وأَن الوصول يعني نُـقطة النهاية، إلا أن غاية الجمال تَـكمن في مُــتعة الطَـريق، والمُـشاركة أثناءه.

لذلك يَـبدو واضحاً لي، أَن في أَقصى لَـحظات اكتمال الأحلام، أو الاستحقاقات، كان مُـنحنى السعادة أَحياناً في حياتي، يَـتناسب تناسباً عكسياً مع الحدث. وأَنني في مراحل أُخرى، كُـنت على قَـدر من النقصان، أو العدم أو الانهزام، ولكن بالـمُقابل، كـان مسـتوى الـرِضا و السعادة لَـديّ، في تَـناسب طَـردي مُذهل، ولربما أكثر من أعظم نقاط سعادتي باكتمال حلم، أو إنجاز.

ولو أَمعنت النظر بطابع تَـحليلي، سأجد أن هُناك عَـوامل، لَـعبت دوراً مهماً، في تَـحديد ماهية العلاقة بـين المنحنيات، سواء إيجاباً أو سلباً، وهي وجود عَلاقة قـوية وعميقة جداً بِـصديق، شَريك، عَائلة، أو بِطفل حينها، أو بضعف هذه العلاقة، أو خسارتها.

قد يُعتبر كُـل ذلك فَـلسفة شَـخصية بَـحتة، وربما مَـقيتة ومُـملة للبعض، إلى أن صادفت أَطول دراسة على مَرّ التـاريخ، لِـحُقبة تمتدّ لخمسةٍ وسبعين عاماً، لـِ ٧٢٤ رجلاً، شملت كل مَناحي حَياتهم بتفاصيلها الصغيرة، وأحاديثهم العميقة مع زَوجاتهم، إلى الفُحوص الطبية، وعمليات المسح الدماغي بشكل منتظم ودوري. رافقت هذه الدراسة من بَـقي مكانه في مضمار الحياة، ومن صَعد السُـلم بشكل تَـصاعدي، ومن عاد بالاتجاه المُـعاكس.

خُلاصة العُـمر النَـاضج لهذه الـدراسة تَـتحدد في ثَـلاث نِـقاط، أو دروس مهمة، كنت بحاجة فعلاً لمعرفتها، والابتعاد من خلالها، عن الإعتباطية الشخصية في تحليل أمور أكبر مني بكثير، واحتاجت بالفعل لكمٍ هائلٍ من العمل الدؤوب، لتظهر بشكل رائع وعلمي. وقَـام بِـعرضها مدير الجـيل الرابع من الفريق المتناوب على العَمل عليها، وهو “روبيرت والدينغر/Robert Waldinger ” في قناة TEDX الشَـهيرة.

تَتمحور الدُروس على المَحاور التَالية:

أولاً: كــن اجتماعياً، أو بالأحرى إمتلك الذكاء الاجتماعي بشكل صـِحي، وابتعد عن الوحدة، فهي لن تُضيف لك وقتاً أكثر، أو تَـحميك مِن عَواقب الاختلاط، وإن حَدث هَذا حاضراً، فَـمستقبلاً سُتعاني من أُعراض الاكتئاب والوحدة والمرض، بــنسبةٍ كبيرة جداً.

ثَانياً :الفكرة ليست بـعدد العلاقات، واختصارها على الحميمة منها حـصراً، لكنها بِـنوعية العَلاقة وعُـمقها. فأنت لا تَحتاج لعشرة أصدقاء لِــتكون، ممن “لديه علاقات جيدة”، ولا يجب أن تكون مع شريك، لتكون ذا علاقة جيدة اجتماعياً وشكلياً، وهذا كُله يؤثر على الصحة الجسدية أيضاً.

ومن الأمثلة التي قام والدرينغر بِطرحها: أَن الانفصال أحياناً، أَفضل بِـكثير من الاستمرار مع شَـريك في مُـشاحنات وعدم رضا، وأن الأَشخاص الذين يَـصلون إلى منتصف العمر، ويمتلكون مستوى رضا واستقرار في حياتهم وعلاقاتهم، هم الأكثر صحة جسدياً في عمر الثمانينات عن غيرهم، ويمكننا أن نجزم ذلك بنسبة معينة من خلال الفحوصات الطبية.

أما النُـقطة الأهم، فهي أن العلاقات العميقة فعلاً، تَحمي أدمغتنا وذكرياتها، وبالتالي تحفظ لنا ذكرياتنا الجَميلة، وأن الأشخاص الذين يحتمون بالعلاقات الجيدة، يَحتمون أيضاً من أمراض الخرف والزهايمر، بشكل أكبر من غيرهم. وهو ما أثبتته عمليات المسح الدماغي الدورية للمشاركين فيها.

ومـــع هٰذا كله أتوّج مَـنطقي بِــقناعة مُـهمة، أن العلاقات العميقة، وأولها العَـائلة، هي أعظم الأمور، وأهم الركائز لحياة صحية وذاكرة جميلة. فأَنا أَستطيع أَن أُمسك يَـدي اليُمنى بِــاليسرى وأَشد أَزرها، ولـكــن الأَجمل، أَن أَجد من يُــمسك كِـليهما، ويُـساند رِحلتي فـي الحياة، كَـعكازة سَـعادة، عِـندما أصل إلى خريف العمر.

المصادر:

 

إسلام سعود مطور

اقرأ أيضاً:

أنتم مدعوون إلى سلسلة ورش العمل الخاصة بالدعم النفسي للاجئين

أمراض المهاجرين، متلازمة أوليسيس .. ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الأول

أمراض المهاجرين: متلازمة أوليسيس، ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الثاني

اليابان تكشف عن دواء جديد، يقضي على الإنفلونزا في 24 ساعة

عوامل يعوّل عليها ريال مدريد أمام باريس سان جيرمان