in

أمراض المهاجرين: متلازمة أوليسيس، ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الثاني

ريما القاق*

تحدثنا في مقال العدد السابق عن متلازمة أوليسيس، والتي تشير إلى الأعراض النفسية التي يعيشها المهاجرون، بسبب ما يعيشونه من ظروف قاسية، قد تكون هذه الأعراض، ردة فعل على الجهود التي يبذلونها، ليتأقلموا مع الضغوط النفسية.

تعتبر متلازمة أوليسيس من أمراض المهاجرين ولها أعراض جسدية ونفسية مثل: الصداع النصفي، الأرق، القلق المستمر، العصبية، التهيج، الارتباك، الخوف، آلام الرأس والعظام والمعدة، مع شعور مستمر بالوحدة والعزلة. سنتابع في هذا المقال طرق العلاج والوقاية، مع اقتراحات للتعامل معها.

الوقاية والعلاج

لا يتم التعامل مع أعراض متلازمة أوليسيس بطريقة علاجية، وإنما بطريقة وقائية، فهي جزء من الصحة النفسية، وليست من الاضطرابات النفسية. يعتبر هذا الأمر تحدياً حقيقياً في وجه العلاج الدوائي، فالتشخيص ليس عيادياً، بل يتم عن طريق تقييم شامل.

تعتبر الاستعانة بموظفين ومتطوعين من نفس بلاد الأصل، من أهم الاستراتيجيات المساعدة على تخفيف الضغط ومسبباته، وذلك لدورهم في الوصول إلى الفئات التي من الصعب الوصول لها، وتزويدهم بالمصادر اللازمة. فلا يبقى المهاجرون منعزلين اجتماعياً، بل أكثر قابلية للاختلاط والمشاركة الاجتماعية، ويبقون تواصلاً مع لغتهم وثقافتهم الأم، ما يعد عاملاً مهماً جداً من أجل التمتع بظروف حياة أقرب للطبيعية من وجهة نظرهم، إذ لا بد من وجود روابط مع البلد الأصلي.

تشهد ألمانيا اليوم خطوات بارزة في هذا المجال، من خلال السعي لتوظيف أشخاص من بلاد الوافدين، فيوجد برامج للتدريب في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، متاحة للاجئين، ليتم تهيئتهم للقيام بهذا العمل. كما يوجد دورات تدريب مهنية، للعمل في المؤسسات العاملة في مجال الاندماج.

من جهة أخرى، يؤدي تحسين ظروف معيشة المهاجرين، إلى زيادة قدرتهم الذاتية اللازمة لبناء حياة جديدة، وحمايتهم من الضغوط النفسية المحتملة.

أما هذا الأمر فما زال شائكاً في ألمانيا، يعاني الكثير من اللاجئين من ظروف معيشية سيئة للغاية، وخصوصاً المقيمين في أوتيلات و هوستيلات ومساكن جماعية، فلا يحظون في بعض الحالات، حتى لفرصة طبخ طعام للأسرة، أو التمتع بأي خصوصية.  كما يواجهون حوادث تنم عن عنصرية، أو رفض للأجانب، مع صعود اليمين، وزيادة الخوف من الأجانب. عبّر الكثير منهم، عن عجزهم عن القيام بأبسط الواجبات ضمن هذه الظروف الصعبة، وما يزيد الأمر صعوبةً، الضغط المستمر من الدولة، ليقوموا بدورات اللغة، ويحرزوا تقدماً في الاندماج في المجتمع.

اقتراحات للتعامل مع متلازمة أوليسيس

للبدء بمرحلة جديدة، على المرء إغلاق المرحلة القديمة، إلقاء الوداع على الأحبة والأماكن، والوعي بالمشاعر الجديدة التي يمكن المرور بها، والخطوات التي تستلزمها المرحلة القادمة.

يساعد التفكير الإيجابي، والتفاؤل وقوة الإرادة المهاجرين، على الوصول إلى أهدافهم بوقت أسرع، وتؤدي إلى تجنب الاضطرابات النفسية المحتملة. يمكن تحقيق ذلك، من خلال التركيز على الفرص الجديدة، بدلاً من التركيز على الفقدان. على الرغم من الأسباب الصعبة التي دفعت المهاجرين لترك بلادهم، يمكن النظر للهجرة على أنها فرصة للتقدم، وليصبح المرء أقرب لمن يطمح أن يكون.

يعتبر التحدث مع أشخاص عايشوا نفس التجربة، أمراً مساعداً ومحفزاً للاستمرار في السعي للتغلب على متاعب الاغتراب، وعلى كل مهاجر إيجاد استراتيجات، للتأقلم أو طلب المساعدة من المختصين، في حال عدم قدرته على ذلك، يوجد خطوات عملية ومساعدة في هذا المجال.

ينصح أيضاً بنظام طعام صحي، مثل تناول فواكه بين الوجبات، ومواد غذائية صحية، عادة ما يتم صرف طاقة على الجهود المبذولة للتأقلم. على الرغم من الشعور بالتعب الجسدي أحياناً، من المفضل ممارسة رياضة المشي يومياً، أو ممارسة تمارين بسيطة في المنزل، تساعد على تخفيف الضغط. كما يوجد تقنيات خاصة لتخفيف الضغط النفسي، مثل تمارين التنفس والاسترخاء والتأمل واليوغا.

في حال تيقن المغترب من إصابته بأعراض متلازمة أوليسيس

يجب في هذه الحالة استشارة طبيب نفسي، أو طلب استشارة نفسية. كما يمكن للشخص التحدث مع أشخاص قريبين له، يثق بهم لطلب الدعم والمساعدة.

وتبقى تجربة الاغتراب امتحاناً للشجاعة والرغبة بالتقدم، لا بد لنا من أن نقدر الحرية، والفرص المتاحة، لنكون ونعيش ما حلمنا به يوماً ما، مع حفاظنا على جوهرنا وهويتنا.

*ريما القاق. ماجستير في إدارة النزاعات بين الثقافات المختلفة

اقرأ أيضاً

عن الصحة النفسية للاجئين في برلين… استراحة المحارب

أمراض المهاجرين، متلازمة أوليسيس .. ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الأول

هل سيحتاج اللاجئون للمطالبة بحقوق الرجل في ألمانيا؟

المرأة العربية ومتلازمة الضغط النفسي

ما أسباب الخلاف الطويل الأمد بين وزير الخارجية الألماني ونتنياهو؟ وكيف انتهى أخيراً؟

أنتم مدعوون إلى سلسلة ورش العمل الخاصة بالدعم النفسي للاجئين