in

قطة ليلة الزفاف وأنا

اللوحة للفنان شادي أبو سعدة

محمد زاده* كان عليّ أن أذبح قطةً في ليلة زفافي، كي تخاف مني شريكة الحياة. ابن عمي سنّ السكين وقال لي: لا تضعف أمام المواء، كن رجلاً وإلا ستدفع كل حياتك الثمن.

أما ابن عمي الآخر فأخذني جانباً وهو يهمس في أذني: لا تفعلها بالسكين الأفضل أن تفعل ذلك بيديك يا محمـد، افصل رأسها عن جسدها وارفعه عالياً هكذا ستخاف منك أكثر اسمع مني، ألا ترى زوجتي كيف تخافني.

إنها محنة حقيقة، فبعد أيام قليلة حفل زفافي وأنا مشغول بقصة القطة.. ابن خالي يضحك قائلاً: ذبح القطة صار فعلاً تقليدياً قدم شيئاً جديداً، قال وهو يشعل سيجارته، أحرق القطة أمامها، أحرقها داخل قفص. يبدو أن ابن خالي فقد صوابه فأنا لا أستطيع فعل ذلك، أنا.. أحرق قطة، وداخل قفص. يضحك ابن خالي: ستندم إن لم تفعل ذلك فأنت أمام فرصةٍ واحدةٍ لن تتكرر.

غادرت مجلس ابن خالي فناداني من الشبّاك: محمـد، إذا كنت تخاف الدم فهناك حلٌ أسهل، ضع القطة في سلةٍ معدنيةٍ وارمِ بها في النهر، ولكن لا تنسَ توثيق الحادثة بكاميرا عالية الدقة، صوّرها وهي تتخبط في حركات لا إرادية بغية الخلاص.

غادرت بيت خالي، وقصدت صديقاً لي يحب الطيور ويعمل في تربيتها فهو من المؤكد سيساعدني، سألته عن طريقة تختصر علي ذبح قطةٍ، فأنا لا أستطيع، قال لي وهو يداعب عنق حمامة: اذبح حمامة وانتف ريشها حول العروس، ثم انتقى لي حمامةً بيضاء وهو يقول: الأبيض يعطي الدم حقه، إنه أجمل خلفية للدم على الإطلاق. يا إلهي كنت أعتقد أنه يحب الطيور. تركته ومضيت.

بالخيبات كنت أصارع الوقت الذي بدأ ينفذ مع اقتراب موعد العرس، وهناك ذئبٌ وفراشةٌ يتصارعان في أعماقي، مطلوب مني أن أذبح قطة لكنني لا أستطيع. صديقة العروس قالت لها بعد لقاءٍ قصيرٍ معي: أنت محظوظةٌ فعريسك مسكين جداً، “القط بياكل عشاه”. فسارعتُ إلى عيادة عمي الطبيب، وجلست في غرفة الانتظار، كان هناك رجل يرفع عن زوجته أعباء المرض، قال لها بالكردية، دون أن يدري بأنني أفهمها: “بربي بعطيكِ الكليتين يا أم نسرين.. الكليتين وببيع دمي منشانك هلق”. سألت نفسي: كم قطة ذبحت هذه السيدة في ليلة زفافها؟ أم نسرين ردت عليه: “شلون رح تبيع دمك وأنا عم أمشي فيه، اعطيني كلية وحدة ومنكفي العمر هيك واحد بواحد”.

قلت لعمي: لا أستطيع أن أذبح قطة، فقال لي ضاحكاً “أنت يجب عليك أن تذبح بقرة”. ستبقى محمـد لو ذبحت كل جمال الأرض، لن يتغير شيءٌ، لا تذبح قطة، أمسك يدها بقوةٍ تجعلها تشعر بأنك وحدك ملاذها. ماذا يقصد عمي؟ هل يقصد بأنني سأفشل حتى لو ذبحت بقرة؟

غادرت العيادة بخيبةٍ جديدةٍ، فماذا أفعل الآن أمام الخيارات الصعبة؟ طوال الطريق إلى البيت وكلما رأيتُ حمامةً بيضاء تذكرتُ الدم، وكلما عبرتْ قطةٌ أمامي تذكرتُ السكين الذي سَنّه ابن عمي. وفي البيت سألت أمي:

– ماذا ذبح أبي يوم زفافكما يا أمي؟

– سبعة خراف للضيوف.

ثم وضّحتُ لها أكثر، هل ذبح شيئاً في ليلة الزفاف؟ لا يا بني والدك لم يذبح شيئاً، كان يخاف الدم. إذًا أنا ابن عائلة تخاف الدم، وأحمل تلك الجينات في تكويني ولن ينفع أي انقلاب أقوم به، فالأمر يتعلق بالجينات، ببساطة أنا لست لها. ولم أتخيل يوماً بأنني سأرى الإنسان يُذبح في زفاف المدن للوحوش.

لم أتوقع أن أشاهد على التلفاز مهرجانات برتقاليةً للدم، كي يبقى الشعب طيلة حياته يخاف هذا الزوج اللاشرعي.

لم أتصور أن الدم سيراق بهذه السخرية تحت عباءة الله. لم أتصور يوماً هذا الاستمتاع بالقتل. كنت أقرأ سيرة صلاح الدين الأيوبي وأوقفتني جملة عظيمة قالها لجنوده: احذروا الدم، فإن الدم لا ينسى، ورحت أفكر بقوة المعنى، لا ينسى ولن يُنسى هذا الدم. لن أذبح شيئاً يا أمي سأمسك بيدها بقوة، وسأطلِق حمامةً بيضاء في ليلة زفافي، وسأتأملها وهي تحلق فوق الجميع.

محمد زاده. كاتب سوري مقيم في ألمانيا

 

اقرأ أيضاً

لجوء حتى حدود الغربة

خولة: مؤنثٌ عربيّ بمعنى الظّبية التي لا تَقوى على المشي

“حنّ الحديد”.. حياة تستحق الروي

مسنّ ألماني يطلق النار على شرطية في مدينة غلاسهوتن

ألقوا بها في “مرجل الساحرات” المشتعل، وتابعوا الاحتفال في كرنفال بولاية بادن-فورتمبرغ الألمانية