in

سيرة قضيب (1): حكاية الحبر الأحمر

سيرة قضيب (1): حكاية الحبر الأحمر
سيرة قضيب (1): حكاية الحبر الأحمر

سوزان علي. شاعرة وكاتبة من سوريا
سيرة رجال وأباطرة وديوك وبلاد، إنك واضح كالشمس أيها الرجل وبقدر وضوحك وحزنك أعيش أنا مغمضةً متجاهلةً كل ما تفعله خطواتك في هذا العالم، وفي جسدي. دعني أخبرك عن نفسك وأكتبك بطريقة جميلة، فأنا مثلك اعتدت أن أطوي جناحيّ عندما تهب العاصفة.

من وراء النافذة لمحت صديقي يدفع عجلة سيارة بعصا، كان كمن يقود حافلة أو حصاناً جامحاً وفي فمه وضع اسمي، يناديني ويلهث ويتابع الركض، ما هي إلا لحظات قليلة حتى لمحت أختي ذات العشرة أعوام تركض وراءه، غير مباليةٍ بتنورتها الخضراء القصيرة التي تميل وترتفع مع جديلتيها المنكوشتين.
قاطعَ ما كنت أظنه طبيعياً وحتى بدا لي مضحكاً، صراخُ أمي المباغت وهي تشتمني وتطلب مني اللحاق بأختي: أنت رجل ؟ هل ترضى هذا العار؟ اذهب واحضر أختك إلى هنا!

مرت سنين طويلة على تلك الصفعة التي حفرت في وجه أختي مغارةً من الشحوب والسواد لا تمضي بفعل الوقت أو المكان أو قصصنا، ولم تكن حلقة المسلسل الأخيرة بهذا الجمال، بل رافقتها عيون أبي الجميلة وهي تبتسم لي وتكافئني بكرة قدمٍ أتباهى بحملها بين رفاقي في المدرسة، فلقد ضربتُ أختي وحميتها ومنعتها من أن تصير صبياً، فرجة، فضيحة، لقد رافقتني تلك الصفعة حتى الآن، لم تتركني يوماً، انتقلتُ من بيت أهلي إلى مقاعد الجامعة إلى زواجي وهاهي تأمرني بصفع بناتي، وها هي تتغذى على شحنات أمي الكهربائية وهي تطوي حقيبة سفري للدراسة في العاصمة: أنت سيد هذا البيت، عد لنا رجلاً ناجحاً، نحن قطعة لحم وأنت سترنا.

وقعت في حفر كثيرة لم يستطع المني في الليل أن يغفر ويهذي، طلبت من دعاء أمي ونفاذ رائحتها في قلبي أن يساعداني على النهوض من جديد دون جدوى، وعندما توهمتُ الحب، رحت أجربه وأخضعه لاختبارات قوية صادمة مفاجئة كصفعة أختي، ولم تنجح أي امرأةٍ في اختبار أعددته مسبقاً وتعبت ليبدو حقيقياً، باستثناء زوجتي التي حاولت لمس يدها ونحن نقطع الشارع، بل حتى اشتريت لها علبة مكياج كي أنال رضاها وتقع في الفخ دون جدوى، وكنت سعيداً بطريقة غريبة وكأنني حصدت كنزاً أو درعاً كُتب فوقه بخط ذهبي: لقد وجدت القديسة التي لم يقبل فمها حتى أمها.

وانتقل الامتحان من قاعتي إلى قاعة أمي الأكثر رصانةً وقوة وتعقيداً ونجحت زوجتي في الاختبار، لكنّ أمي كرهتها كما لو كانت عاهرة، وصفعتها بدلاً عني بألف جملةٍ وجملة، كي تدربها على الذل الذي اقتاتت منه أمي طويلاً من أهل أبي الوحوش، كما تصفهم دوماً.
وهكذا جاءت زوجتي من ضلعي، وفي ليلة الدخلة شعرت بالله يسكن في أعماقي وأنا أرى الخرقة البيضاء ونقط الدماء فوقها تلمع كسكين حادة، وخفت أن أزغرد بدل أمي، خفت أن أحضن الخرقة وأشمها، وتذكرت في تلك اللحظة أختي، هل نزفت كثيراً ليلة دخلتها؟ وتذكرت أمي، هل كانت بكراً جميلة أم أنها عذبت أبي؟

تذكرت حياتي، وحلمت بأن تكون شبه هذا اليوم، سيلاً من الخفقات والحب والانتصارات وبقعة دم فاترة تعطيني الحق في أن أكون سيد البيت وستره، تلك الكلمات التي خرزتها أمي في أذني.
وقبلتها من عينيها، وبدءاً من تلك اللحظة تنفست زوجتي الصعداء وأصبح قناعها سميكاً وواثقاً من نفسه، وهاهي الأيام تدور، دون صفعات أو شتائم أو قبلات، دقات الساعة تؤنس وحشتنا، وغرفة النوم لا ينقصها سوى البطاريق كي أتأكد من أن الصقيع الذي يدب في دمائي وفي فراش القطن وداخل الوسائد ليس وهماً.

في إحدى ليالي الشتاء الموحشة، حيث لا كهرباء ولا صراخ ولا أخبار، جاءت زوجتي بصينية القهوة على غير عادتها، جلست قربي وأخبرتني قصة حياتي التي حبكتها امرأة. رشفت من فنجان القهوة بعمق وسحبت هواء الغرفة وخنقتني:
“كم وددتُ فعل ما أشتهي وأنتحب من أجله مطولاً كل ليلة، لكنني لا أستطيع، ووصل بي الأمر حد تناول المهدئات دون علمك، أنا متعبة وضائعة وما من حلٍ في المدى سوى أن أصارحك وتسامحني، لم أكن عذراء منذ عشرين سنة، كانت خدعة علمتني إياها أمي، صنعتُ دماءاً من الحبر، وجهزتُ الغطاء، وتمايلت بردفي ومؤخرتي كي تصدق بأنك أول رجل يدخل غابتي، هل تتذكر العتمة التي قاتلت من أجلها كي لا تقرأ عينيك مسرحيتي التي سهرت أنا وأمي ليالٍ في كتابتها وتمثيلها. ومنذ أن نجح الحبر.. أعيش كالعمياء، ولا أرى في ذاكرتي سوى أقلام حبر وتلوين، كم كنت حزينةً وأنت تقبلني في عينيّ، وكم كنت تعيسة وأنت تتقلب بجواري سنيناً طويلة دون أن أستطيع فتح ساقي أو تقبيلك أو مغازلتك حتى. والآن لن تسامحني أبداً، ولن تشعر بمدى البؤس الذي أعانيه بسبب كذبتي الثانية، فأنا لم أصل نشوتي معك مرةً واحدة منذ عشرين سنة، وكل ما أقوم به هو المواساة، أتخيل نفسي مع رجل آخر لا يعرف عني شيئاً، ولا يجمعني مع جسده أي حبر أحمر”.

لم أترك زوجتي تكمل، بل لم أدع لها مجالاً لتصدق بأنها قالت شيئاً، تابعتُ الصفعة القديمة التي حمت أختي من صبيان الحارة سنوات طويلة، ومددت يدي إلى أماكن أخرى كي أصفع كل مناماتي وخيالي وبؤسي وحياتي، وعندما تعبتُ، نهضتُ صوب الباب والنافذة والجدار وصفعتهم حتى نزفت يدي، ثم ركضت إلى الحمام وأقفلت الباب عليّ، خلعت ملابسي، ونظرت مطولاً إلى قضيبي المكسور، صفعته كما لو كان حشرةً سامة، بكيتُ كملكٍ مخذول، كسحابة جافة فوق حقل مثمر، وتذكرت بأنني سيد هذا البيت وستر العائلة وسندها، وتذكرت أنني أختي المحرومة، وتذكرت أنني ابنتي في عيد ميلادها الأشبه بخيمة عزاء، تذكرت بأن كل حيلي كانت كاذبة وتافهة، بل هي بسيطة وساذجة ومسحوقة، وبأن زوجتي ماهرة وفنانة ولو على حساب جسدها وعمرها وروحها، بكيتُ كامرأةٍ مغتصبة.
نظر قضيبي إليّ نظرةً جريئة ووقحة وصفعني ومن يومها وأنا أموت، ليس في قبر قرب قبر زوجتي المهجور، بل في نعش يطوف بي فوق أكتاف هزيلة تضحك، تهز جسدي وتضحك على موتي، دون أن يغمض لي جفن أو تخرس الصفعة، تلك التي صنعت لي شارباً وركبةً ونجمتين فوق كتفي.

اقرأ/ي أيضاً:

ضربني بخنجرو الشامي.. عن أحوال المرأة التي تمايلت على أغانيك
أغمضي عينيكِ عن جسدك.. وابدأي بالعد
الرجل الشرقي والعنف ضد النساء من المنظور الأوروبي

ألمانيا: الإجراء الموصى به لمكافحة كورونا أصبح إلزامياً: إنه فعال ولا يكلف شيئاً!

ألمانيا: الإجراء الموصى به لمكافحة كورونا أصبح إلزامياً: إنه فعال ولا يكلف شيئاً!

ألمانيا: اتفاق ميركل مع الولايات حول قيود كورونا: فرض إغلاق ليلي في هذه المناطق

ألمانيا: اتفاق ميركل مع الولايات حول قيود كورونا: فرض إغلاق ليلي في هذه المناطق