in

سميّة لن تعود إلى سوريا، لكن عبد الله سيعود!

في قرية وادعة في منطقة نهر الراين، تعيش عائلة سورية مكوّنة من أم وأب وطفلة تدعى يوليا. الهدوء يسيطر على كل شيء، مزرعة خيول تحت البيت تعود للعائلة الألمانية التي يسكنون معها، كل شيء يوحي بأن المكان مثاليّ للراحة والاستقرار، اللون الأخضر المنتشر في كل مكان، تفاصيل البيت المرتب بعناية، اللوحات الأثرية والمكتبة في المدخل، حتى ملامح عبد الله، وهو يبتسم ويتحدث عن مغامراته على الطريق إلى ألمانيا، عن حياته هنا، وعن حلمه في إيجاد حياة أفضل لطفلته يوليا.

سميّة وصلت مؤخرًا عن طريق “لم الشمل” مع طفلتها يوليا بعد تسعة أشهر من البعد عن زوجها. الإرهاق يبدو واضحًا على ملامحها. صوتها خافت، وثمّة أرق يشكّل هالة تحيط بها من كل جانب. لم تعبّر سميّة عن انزعاجها من هدوء المكان وبعده عن كل شيء، فهي تعتبر هذه السنة الأولى التي تقضيها في ألمانيا سنةَ الاستراحة والتفكير، وإعادة بناء الذات والتخطيط للمستقبل، وبالتأكيد؛ التشارك مع عبد الله في الاعتناء بيوليا إلى حين تستطيع الذهاب إلى الروضة، وبذلك تستطيع سميّة البدء بتعلّم اللغة الألمانية.

تختلف الحياة في القرية عن المدينة بالتأكيد، إلّا أن لكل منهما منافع مختلفة. يقول عبد الله: “المدينة جيدة لإكمال الدراسة، للحياة الفعالة، للعمل أحيانًا، إلّا أنني أفضل أن يعيش جميع اللاجئين في قرى صغيرة في البداية، المدن الكبيرة تلتهم الجديد، ويضيع فيها، وتحديدًا إن كان يتكلّم الإنكليزية، في القرية يكون عدد اللاجئين صغيرًا، ويمكن ملاحظتهم في مجتمع القرية، وإمكانية تأثيرهم وتأثرهم تكون أفضل، بالإضافة إلى أن القرية ضمن هذه الشروط تسهّل عملية بناء العلاقات مع المجتمع الآخر، وبالتالي تعلّم اللغة والتعرف إلى الثقافة الأخرى، وهذا ما تفتقده المدينة، حيث لن ينتبه أحد إلى وجودك أو غيابك”.

family-with-ramy-tiff-1

سميّة لا تحبّ القرى أو المدن الصغيرة، فقد تركت مدينتها “اللاذقية” على الساحل السوري لتعيش في العاصمة “دمشق”: “المدن الصغيرة تخنقني، أحب أن أكون في مكان حي، أرى الناس في كل مكان، وأتفاعل مع محيطي في أي وقت، دمشق كانت تعطيني هذه الأشياء، كذلك اسطنبول الكبيرة جدًا، أعرف أن هذا المكان مؤقت بالنسبة إلي لأكتب وأرسم وأستريح، وسأنتقل للمدينة بعدها” قالت سميّة.

درست سميّة في كليّة الآثار والمتاحف، حيث التقت بعبد الله الذي يحمل شهادة ماجستير في نفس الاختصاص، عبد الله كان يحاضر في الجامعة، بينما سميّة، فبعد أن انتقلت إلى اسطنبول، انتقلت إلى العمل الإعلامي، وشاركت بعدة دورات تدربيبة في المجال الإعلامي، وعملت مع إذاعتي “صوت راية” و”وطن” السوريتين ومقرهما تركيا.

يختلف الزوجان في رؤية كل منهما لأمور عديدة، إلّا أنّ الحب يجمعهما دائمًا. وصل عبد الله إلى ألمانيا قبل زوجته وطفلته بتسعة أشهر. عبر البحر، ثمّ قطع الطريق البرّي سيرًا على الأقدام في معظمه: “مزارع الأرز كانت الأصعب في الطريق، غرقنا في الوحل حتى منتصف أجسادنا، وخسرت حذائي وأكملت حافيًا لمسافة طويلة” يقول عبد الله وهو يبتسم كمن يتحدث عن “مشوار بين إدلب (مدينته) وحلب في أيام السلم”.

تقف يوليا أمام شاشة التلفاز الكبيرة، تتابع برامج الأطفال باللغة العربية، فقد نصح المدرّسون العائلة بالتكلّم مع يويليا باللغة الأم، وترك الألمانية للروضة، حيث ستتعلمها بسرعة هناك، أما في المنزل فعليهم أن يتكلموا معها باللغة الأم لتستطيع الحفاظ على اللغتين.

أنهى عبد الله دورة اللغة الألمانية ووصل إلى المستوى B1 ويريد أن يكمل الآن لإكمال دراسته ولإيجاد فرص عمل هنا في ألمانيا: “تقدّمت بطلب توظيف في أحد المتاحف القريبة هنا، واستغربت أن مدير المتحف قام بدعوتي إلى مكتبه، تحدثنا طويلاً، وقد أبدى اهتمامًا كبيرًا، إلّا أن مستوى اللغة الذي حصلت عليه غير كافٍ للعمل مع المصطلحات التاريخية والسياحية، كان لطيفًا جدًا، واعتذر بلباقة وود، كان يستطيع أن يرسل لي بريدًا يعتذر به، إلا أن دعوته هذه جعلتني لا أخسر أملي، وأسعى لأصل إلى مستوى أعلى باللغة” قال عبد الله.

تعمل سميّة على مسلسل إذاعي جديد تقوم بتأليفه، شخصيات المسلسل متواجدة بين سوريا وتركيا ولبنان وألمانيا، وتربط بينها بطريقة جميلة، تقول سمية: “لا توجد عائلة في مكان واحد الآن، من هو في ألمانيا، يحتاج من هو في الداخل من أجل بعض الأوراق الثبوتية والمعاملات، ومن هو بالداخل يحتاج إلى من هو هنا ليسعى باستقدامه أو يرسل له بعض المال، كذلك في تركيا، المحطة لبعضنا والمستقر لبعضنا الآخر، العلاقات الإنسانية والمصلحية الجديدة يجب أن تدرس وتعالج دراميًا”.

يختلف عبد الله مع سمية أيضًا في وجهة نظره عن الوطن والعودة، “بالتأكيد سأعود إلى سوريا، عاجلاً أم أجلاً سأعود إلى بلدي لأعمرها، وهذا لا يعني أن نتنكر لألمانيا التي استقبلتنا وقدمت لنا ما لم يقدمه أحد، إلّا أن هذا واجبي” يقول عبد الله والتفاؤل يملأ عينيه، ويتابع “نحن هنا، ولحسن الحظ أننا في ألمانيا، التاريخ الألماني يعلمنا الكثير، هذه البلاد نهضت وأصبحت من أقوى دول العالم بعد أن دمرتها الحرب بالكامل، ألمانيا صورة جميلة تلهمني أن وطني سوريا، سيعود أفضل يومًا ما”. لا توافق سميّة على أفكار عبد الله المتفائلة، وتقول: “لن أعود، لأن سوريا لن تعود!”.

سميّة تريد لابنتها أن تكون ألمانية، بينما عبد الله يريدها أن تكون سورية بالدرجة الأولى، دون التنكر لوطنها الثاني ألمانيا، بالمقابل صوت يوليا لم يسمع إلا وهي تعد بالعربية: واحد، اثنان، ثلاثة…

baby-tiff-1

بالصور: سيارة الشحن المستقبلية .. من مرسيدس

أشكال العنف ضد النساء -2- العنف الاقتصادي