in

هذا الاندماج كذبة كبرى

By: Dörthe Boxberg

أصبحت قضيّة الاندماج محلّ جدلٍ واسع في ألمانيا، وسؤالاً ملحًّا، وبات التعامل معها يرتكز على مفهوم مغلوط غالبًا، للحكومة رؤيتها عن الاندماج، وللمؤسسات غير الحكومية رؤيتها الخاصة أيضًا، وللاجئين أيضًا، وتعاني الحكومة من ارتباك هنا، بل إنه في بعض الأوقات أصبح فشلاً ذريعًا اسمه “الإدماج” وبينهما فرق شاسع، فتركزت السياسة الحكومية على ست مائة ساعة للغة، وستين ساعة للثقافة، وكأنك بنبذة عن اللغة ولمحة عن الثقافة ستصبح مندمجًا!.

المؤسسات غير الحكومية عملت أيضًا على مفهومها الخاص عن الاندماج، والذي كان تعليمًا من نوعٍ آخر، يرتكز على شرح المشروح، و”تفهيم” اللاجئ القادم من “الأدغال” كيف يعيش بين البشر! فأصدرت بعضها منشورات عن كيفية استعمال المراحيض، ونشرت أخرى فيديوهات تقول: “هنا في ألمانيا، لو مرضت المرأة تستطيع الذهاب للطبيب” وكأنّ المرأة في بلادنا حين تمرض تذهب إلى “الداية” أو “صالون الحلاقة”!

في الوقت ذاته، اعتقد كثير من اللاجئين أن الاندماج هو ما تخيلوه بأحكامهم المسبقة وصورهم النمطية، فأصبح الاندماج يعني “التعايش” مع المجتمع الآخر وليس “العيش”، أو الشعور بالدونية والتطرف ضد بقية اللاجئين، فكلّما أصبح اللاجئ نازيًا أكثر، متعاليًا على اللاجئين “المتخلّفين الإرهابيين” كلما ظنّ أنه مندمجٌ أكثر!

ما هو الاندماج إذن؟ هل هو عملية باتجاه واحد؟ أي أن على اللاجئ أن يندمج في المجتمع ويتخلى عن منظومته كلها دفعة واحدة؟ هذا ليس اندماجًا، بل انسلاخ سيؤدي إلى نشوء مجتمعات مشوّهة غير قادرة على التخلص من إرثها وغير قادرة على الاستيعاب، وهل هو تعلّم اللغة؟ بالتأكيد اللغة وحدها لا تكفي، إذن، لا يمكن قبول كل ما سبق على أنه اندماج إذ لا يوجد اندماج حقيقي دون معرفة بالآخر، الاندماج والصورة النمطية لا يجتمعان، الاندماج والجهل لا يجتمعان، بذلك سنعيش في صناديق نغلقها على أنفسنا، ونشكل (كانتونات) أقلّوية، ومجتمعاتٍ داخل مجتمعات!.

للاندماج شروط ثلاثة أساسيّة لا مفرّ منها، أوّلها المعرفة بالآخر، ثقافته، تاريخه، عاداته، قوانينه، مشاكله، وآليات تفكيره، وثانيها التأثر والتأثير المتبادل، التعلّم والتعليم، وأخذ الخطوة الاستباقية للتعريف بكلّ ثقافة وكلّ قيمة وكل أسلوب حياة، وثالثها الاحترام، والاحترام لا يعني التجاهل، بل يعني قبول الآخر وخياره والدفاع عن حقه في حرية الاختيار، دون ذلك.. ما يسمى اندماجًا، ليس إلا كذبة كبرى!

رئيس التحرير: رامي العاشق

alasheq@abwab.eu

مضادات السعادة

حبل السرة في ألمانيا