in

ملف العدد 47: مظاهرات مصر.. محاولة ثورة ولن تكون الأخيرة

الصورة من موقع (العربي الجديد) من مظاهرات في الإسكندرية تطالب برحيل السيسي وحكم العسكر
دعاء عباس. أكاديمية ومترجمة مصرية

أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 جاءت متناسبة مع أجواء تعبئة الشارع المصري، إذ تدافع الناس في الطرقات والشوارع وتجمعوا في الميادين العامة التي ارتفعت فيها أصواتهم قبل عامين تطالب برحيل مبارك من الحكم في مصر ، لكن هذه المرة لإسقاط حكم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جرى فعلاً في ظروف لا يتسع لها المقام هنا. 

بادئ الأمر استبشر المصريون بالرجل الجديد على الساحة، وزير الدفاع في عهد الإخوان والرئيس المحتمل عبد الفتاح السيسي، وبلغ التأييد الشعبي له حدّ التقديس، و رمي كل من يشكك في صدق نوايا الرجل بتهمة “الإخوان”، وكان للإعلام دوره الكبير في كيل المدائح للسيسي ومباركة أفعاله.

السيسي.. إنجازات مدمرة

لكن ما إن تولى الرجل زمام الحكم حتى تتالت الوقائع والتطورات سريعةً، ولم يشغل المصريين شاغل سوى ارتفاع الأسعار الجنوني، ووقف استيراد العديد من الأدوية الطبية، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية بسبب ضعف الموارد المالية، ثم استفاق الناس على عزم الرئيس الجديد بيع الجزيرتين المصريتين ذات الموقع الاستراتيجي، تيران وصنافير، إلى السعودية بما لذلك من تبعات سياسية خطيرة، بوصفها قضية تمس الأمن القومي بعد أن أصبحت المياه المشتركة مياهً إقليمية سعودية. 

وكثرت الأحاديث عن ضخّ الأموال لبناء “العاصمة الإدارية الجديدة” التي أنهكت الاقتصاد المصري، فلم يبق حتى الفتات للمشروعات الأكثر إلحاحاً وعلى رأسها الصحة والتعليم. ترافق ذلك كله مع استيلاء الجيش على جميع مشروعات السلع الأساسية، فضلا عن مواد البناء، تلا ذلك إجراء تعديلات دستورية تنعم على الرئيس الحالي بالبقاء في الحكم حتى يتوفاه الله، في استفتاء يعد الأكثر هزلية في تاريخ مصر ، إذ قوبل إضراب الناس عن التصويت بتوقيفهم في الشارع ودفعهم من الحافلات للذهاب إلى مراكز الاستفتاء.

فوق ذلك عادت السطوة الأمنية إلى أوجها، فبنيت سجون جديدة زُج فيها بكل من حدثته نفسه بتقييم الموقف الحالي ولو على سبيل النصح. وذاع صيت قوات “الأمن الوطني” التي تفوق في صلاحيتها وزارة الداخلية، حتى أن القبض على شخص ما والزج به في السجن باتت خطوات روتينية تسبق طلب الاستدعاء وتقديم التهم أو الأدلة للقضاء. وانشغلت أجهزة الأمن بملاحقة كل من لا يعجب النظام حتى تجاوز عدد الشباب المعتقلين أربعين ألفاً وفق بعض التقديرات. 

الاستيلاء على الإعلام

كما استولت المخابرات على الإعلام غير الرسمي، عبر شراء القنوات الخاصة في صفقات مشبوهة، فجرى تسييس البرامج والمسلسلات، وازدهر التصفيق الإعلامي من قبل المنتفعين من أموال الدولة المهدورة. ولم يعد يُذكر في الإعلام من قريب أو بعيد أحوال البلدان العربية الشقيقة، حتى أن صفقة القرن التي تمكر بفلسطين مكراً لم يرد ذكرها إلا على منصات التواصل الاجتماعي، التي تستقطب عامة الشعب منذ ثورة يناير لاسيما بعد انصراف الناس عن شاشات التلفاز.

تأزم الوضع مع أخبار “صفقة القرن” والحديث عن الخطة المدبرة لتهجير أهالي رفح بذريعة “مكافحة الإرهاب”، عند المعبر الذي أُغلق في وجه الأهالي منذ انتخاب السيسي رئيساً، وافتعال عداوة بين أهل سيناء وعسكريي الجيش المصري المجندين، تحولت إلى حقد دفين بعد تكرار القنص والاستهداف العشوائي والتفجير. يضاف إلى ذلك تزايد حالات الإعدام بشكل هستيري لم يُشهد مثله حتى في أحلك أوقات حكم العسكر، وسرعة تنفيذ الأحكام وعدم السماح بالطعن، علماً أنّ هناك من برأتهم المحكمة بعد إعدامهم.

اتهامات محمد علي 

وسط كل هذا الشد والجذب، وتحليلات الخبراء للموقف العام، واهتمام القنوات العربية بالوضع المتردي في مصر خرج الفنان ورجل الأعمال المصري محمد علي بفيديوهات نارية تتحدث عن أرقام فلكية تُهدر على قصور رئاسية تٌبنى سراً، بعيداً عن أعين المتطفلين، وتحدث عن عمله مع السلطات، خصوصاً الجيش، في المقاولات طوال خمسة عشر عاماً ثمّ انشقاقه عنهم بعد تكرار الاحتيال عليه وسرقة ماله. توالت الفيديوهات، وظهر بدو سيناء يتحدثون عن تورط محمود السيسي نجل الرئيس في تجارة المخدرات التي تُزرع على مرأى أهالي سيناء ومسمعهم.

ثم دعا محمد علي في أحد فيديوهاته إلى التظاهر يوم 20 أيلول/ سبتمبر لعزل السيسي، ورغم أن الدعوات قوبلت في بعض الأوساط بالاستهزاء والقنوط أو الخوف مما هو آت، إلا أن الدعوة لاقت استجابةً جيدة شجعت الكثيرين على النزول إلى الشارع للتظاهر، خاصة وأنه – على النقيض من ثورة يناير – تلكأت الشرطة في القبض على المتظاهرين وسط أنباء عن تأييد مسؤلين في الجيش والشرطة للمظاهرات الشعبية. 

لكن أذرع السيسي في الجيش والشرطة تداركوا الموقف ونفذوا عمليات اعتقال جماعية. بعدها بأيام تفاقمت عمليات الاعتقال حتى طالت كل من كتب منشوراً فيسبوكياً فيه تعريض بالحاكم، وجرى توقيف أناس في الشوارع لا ناقة لهم في أحداث سبتمبر ولا جمل، وتفتيش هواتفهم المحمولة بحثاً في المنشورات العامة والرسائل الخاصة عن أي موقف مؤيد لمحاولة الثورة أو مناهضة النظام ولو بطريقة ساخرة، فإن وُجدت يكون أصحاب الهواتف قد وقّعوا صك وفاتهم. وبلغت أعداد معتقلي الرأي نحو 2000 معتقل خلال أسبوع واحد فقط، وهو ما لم تشهده مصر في تاريخها. 

ولتهدئة الأوضاع شرع النظام في سلك سبل الخديعة والتمويه على المطالب الحقيقية عن طريق إجراء بعض الإصلاحات الزائفة من تخفيض وهمي لأسعار الوقود وإلغاء ضرائب كان من المخطط فرضها في الفترة القادمة والإفراج عن الشباب الذين قُبض عليهم في عمليات الاعتقال العشوائي الأخيرة، دون التطرق لمشكلة القصور الرئاسية الجديدة أو سجناء الرأي المعتقلين منذ ستة أعوام، ولا إلى أموال التعليم والصحة المنهوبة. 

محاولة لن تكون الأخيرة

الوضع الآن هادئ في الشارع لكنه ليس كذلك لدى الإعلام البديل على منصات التواصل الاجتماعي التي تنذر بأن محاولة الثورة في أيلول/ سبتمبر لن تكون الأخيرة، وظهر فريق من المتفائلين يتوقع إصلاحات مستقبلية حقيقية وأن تكون الحكومة قد فهمت الرسالة وستتفادى الصدام المباشر مع عموم الشعب. أما الفريق الآخر فإنه ينأى بنفسه عن الظن الحسن ويرى أن تحسين الاقتصاد ما هو إلا فتات المائدة التي كان الشعب قد حُرم منها، وأن الوضع سيعود أسوأ من سابقه بعد أن يعيد النظام إحكام قبضته في البلاد ويطمئن إلى أذرعه، كما حدث من قبل في تاريخ حكم العسكر، فبعد أن ينحني النظام للريح حتى تمر يعود ليطلق أيدي زبانيته في البلاد.

على أية حال لم يعد الوضع مع العسكر كما في السابق، وصوت الإعلام الواحد بات من الماضي، وسط برامج التوعية السياسية المنتشرة بكثافة على الإنترنت والتي تتصيد هفوات النظام لتضيفها إلى صحيفة سوابقه. والسيسي مذعور يصرخ ليلاً نهاراً في مؤتمرات الشباب، ضارباً المنطق في مقتل وهو يتحف مستمعيه بمبررات لم تعد تروق لمؤيديه قبل معارضيه، فالرؤية الآن ضبابية حول ما إذا كانت الأرض التي يقف عليها هو ونظامه ستستعيد صلابتها. وللمصريين في الثورات المحيطة أسوة.

اقرأ/ي أيضاً:

حكم العسكر مستمر.. السيسي يمدد حالة الطوارئ مجدداً في مصر لمدة 3 أشهر

الشعب في ميادين مصر مجدداً.. ارحل يا سيسي

ملف العدد 47: الاحتجاجات العراقية مرة أخرى.. الحقوق يقابلها الدم!

Demonstrationen hier, Wahlen dort: Kommt ein neuer Arabischer Frühling?