in

معلوماتٌ محجوبةٌ عن حقوقٍ لا تُحجب!

هز أوساط كثير من السوريين في ألمانيا منشور صغير موجه للنساء علق في أماكن سكن اللاجئين. يقول هذا المنشور باختصار إن المرأة لها في ألمانيا حقوق مساوية للرجل، وبالتالي، لا يحق له تعنيفها، ولا إجبارها على ما لا تريد، وأن من حق المرأة، كما الرجل، أن يكون لها أصدقاء، وأن تعيش حياتها بحرية تامة.

جاءت معظم التعليقات على هذا المنشور من قبيل: قريبًا سوف تأتي نساؤنا بأصدقائهن من الرجال إلى البيت، ولن نستطيع منعهن. وستلبس المرأة في ألمانيا ما تريد، وتخلع حجابها، ولن نستطيع السيطرة عليها، بينما تساءل آخرون عن إمكانية السيطرة على أبنائهم وبناتهم في ظل قانون يحمي الأطفال من كافة أشكال التعنيف والإهمال.

من جهة أخرى، تبدو حالات الطلاق بين الأزواج السوريين مفاجئة لكل من يعرف المجتمع السوري عن قرب. فهذا المجتمع معروف بتماسك العائلة فيه، وبالذات بمحافظة النساء على أسرهن، مهما كانت الظروف التي يتعرضن لها.

هذان الأمران مرتبطان بخلل أساسي في بنية المجتمع السوري، نشأ مرتبطًا بالعادات والتقاليد والأديان، وتطور تحت حماية دستور يميز بين المرأة والرجل في القوانين الشخصية والجنائية، وعزز من ثقة الرجل بأنه يستطيع أن يفعل ما يريد، دون خوف من عواقب أفعاله، بينما على المرأة أن ترضى بدور التابع المطيع، خوفًا من قوانين لا تنصفها ومجتمع لا يرحمها.

هذه الثقة فقدها كثيرون بعد الهجرة إلى أوروبا. هنا، لا تخاف المرأة من طلب الطلاق، فكل العوامل التي كانت تشكل عائقًا يحول دون طلاقها من رجل يسيء معاملتها لم تعد موجودة. هنا، المرأة مستقلة اقتصاديًا حتى لو لم تكن عاملة. تقبض مبلغًا مساويًا للرجل، ولا يستطيع إجبارها على التنازل عنه. هنا أيضًا لا يمكنه أخذ أولادها منها بقرار من قاضٍ جائر. الأولاد يبقون في حضانة الأم، كما تدفع الحكومة مساعدات مالية لهم. هنا أيضًا، تعرف المرأة أن الرجل المعنّف لن يقتلها تحت ذريعة ما يسمى “جريمة الشرف”. لا شرف في القتل هنا. لو حاول ضربها أو تعنيفها بأي شكل، تعرف أنها تستطيع الاتصال بالشرطة، وأنها ستكون محمية وآمنة.

وبعد أن شعر بعض الرجال بفقدان سطوتهم الذكورية التي اعتادوا عليها، يحاولون الآن اللجوء إلى أسلوب جديد.

بداية، يتم حجب المعلومات عن النساء كي لا يعرفن حقوقهن، ولذا كانت ردة الفعل عنيفة في سلبيتها ضد المنشورات التي علقت في أماكن إقامة اللاجئين. بعدها، ولأن لا أحد يستطيع حجب الحقائق، يأتي دور التخجيل والترهيب المعتادين ضد كل متمرد في مجتمعنا. يتم تذكير المرأة في ألمانيا دائماً بأن لها أهل، وأن أهلها سيقاطعونها إذا ما طالبت بحقوقها التي لم ينص عليها المجتمع الذي غادرته هاربة، وأن ابنة “الأصول” ذات التربية الحسنة لا تتصرف بهذه الطريقة، بينما يحاول البعض تحقيق “ضربة استباقية” بالتضييق على بناته، حتى الصغيرات منهن، كي لا يندمجن في المجتمع الغريب.

ربما آن الأوان لتطالب المرأة بكل ما حرمت منه؛ بحقها في اختيار لباسها ومأكلها ودراستها وأسلوب حياتها، بحريتها في اختيار شريك حياتها، وبحقها في الاحترام الكامل والشراكة الكاملة معه، لا التبعية له ولا لأي ذكر آخر، وبحقها في حريتها وفي استقلالها.

في المقابل، فإن هذه الحقوق لا تأتي دون مقابل من المسؤوليات، فعلى المرأة أن تدرك جيدًا أن حقها في الحصول على راتبها، مثلاً، يقابله واجبها في الإنفاق المتساوي مع الرجل على البيت، فلا يحق لها الاحتفاظ براتبها ومطالبة الرجل بالإنفاق عليها. كما أن عليها أن تتعلم وتعمل لتصبح شريكًا كاملاً وفاعلاً.

للمرأة حقوق، وعلى الرجل أن يحترمها ويحسن معاملتها تحت طائلة المسؤولية القانونية، إن لم تكن الأخلاقية. هذه حقوق يجب أن تصان، وليست منّة ولا كرم أخلاق. وبعيدًا عن الشأن القانوني، فإن ما يحدث الآن ينذر بثورة -ربما آن أوانها- في المجتمع السوري.

مواضيع ذات صلة

المرأة بين التنزيل الحكيم والفقه

أشكال العنف ضد المرأة -الجزء الثاني- العنف الجسدي والنفسي

الطلاق بين اللاجئين

العنف الصامت ضد المرأة

الفائزات بجائزة نوبل للسلام: الردّ على التهديد الإرهابي لا يكون بمنع اللاجئين من دخول أوروبا

افتتاحية العدد الثاني