in

كورونا في العالم أجمع.. وكورونا في سوريا!

Getty

اليوم، يتبختر وباء «كورونا» وجميعنا في سوريا، ننتظره دون قوة أو يقين بأننا نستطيع مجابهته. في أعماقنا جميعاً، نعرف أننا شعب فائض عن حاجة النظام الذي يستطيع العيش والاستمرار بربع عدد السكان فيما لو ماتت الأرباع الثلاثة المتبقية.

بهذه الكلمات يصف الكاتب خالد خليفة الوضع هنا معبّراً عما يجول في خاطر السوري بكل شفافية، المواطن السوري الذي ومنذ تسع سنوات يحاول أن يتوازن، و يصارع من أجل البقاء، لقمة عيشه، ولملمة أحزانه، وبينما يشكل سعر الدولار والغلاء هاجسه الأساسي وشغله الشاغل، يأتي فيروس كورونا في سوريا ليشكل مزحة سخيفة ضمن همومه التي يحملها على ظهره كالجبال، وليشكل موضوعاً آخر من مواضيع النكتة والدعابة وقد اعتاد السوريون على مواجهة المصائب بالسخرية.

بدايةً، كان الناس يصدقون أنه لا يوجد كورونا في المنطقة، رغم اشتعال الأخبار العالمية، وتأكيد انتشار الوباء كإيران ولبنان، والحدود التي كانت مفتوحة حتى وقت قريب؛ يعيشون حياتهم كالمعتاد، غير آبهين بكل ما يحصل في العالم، وبين ليلة وضحاها، وما أن قررت الحكومة السورية إقفال المدارس والجامعات والمقاهي، حتى قالوا إنها مؤامرة أمريكية على الصين وعلى سوريا أيضاً، وببطء حاولوا التقيد بالتعليمات. منهم من يقول ساخراً: “إذا الحكومة ما قدرت تقتلنا، الكورونا رح تقتلنا؟!”  أو “إي ونموت دخيلك أحسن من هالعيشة اللي عايشينها”

عطلة  عيد الكورونا

والناس، على الأقل في حمص، لم يصبهم هوس الاقتناء لأنهم لم يأخذوا حجم الكارثة الكورونية على محمل الجد بعد، من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يوجد مال كافٍ لذلك. وحين سُئل طفل حمصي لماذا لست في المدرسة أجاب :” إنها عطلة  عيد الكورونا”.

ولتفسير ردود الفعل بحسب علم دراسة المجتمع، نجد أن الصدمات النفسية تصيب المجتمعات كما الأفراد. وكما يستخدم الفرد آليات دفاعية للتعامل مع الصدمات النفسية تحميه، بقدر الإمكان، من الشعور بالخوف أو الذنب، كذلك المجتمعات تستخدم وسائل دفاعية مجتمعية للتغلب على المخاوف وآلام الصدمات الكبيرة.

 يتحدث عالم النفس البريطاني “ولفريد بيون” عن ردود فعل المجتمع اللاواعية على الصدمات النفسية الجماعية بأنها (Group Defenses)، أي وسائل دفاع نفسية جماعية، تستخدمها المجموعات/المجتمعات التي يتخلى أفرادها عن مسؤوليتهم الشخصية فى بناء مجتمعهم ورعايته وحمايته، ويرمون هذه المسؤولية على أب مُتخيَل، أوعلى مهدّد خارجى، أو على مسيح أو مهدي منتظر.

أولاً، سيبحث المجتمع عن شخص يلعب دور المنقذ، يحاول أن يخلق “البطل” الذي يشعر نحوه بالضعف باحثاً عن الحماية والنجاة. أعطى بيون اسماً لذلك هو (Basic Assumption Dependency)، وهو يتجلى في ردود فعل الناس التي يُعبّر عنها بالجمل الآتية: “الله يستر” أو “أكتر من القرد ما مسخ الله” أو “ما حدا بيموت ناقص عمر” أو ” القذائف ما موتتنا هادا بدو يموتنا” أو “ما بيصير إلا اللي الله كاتبو”. وهكذا، يستخدم الناس الله حتى يمارسوا الاعتمادية والتواكل ورفع المسؤولية الشخصية عما يحدث.

ثانياً، “سيؤمن المجتمع بنظرية المؤامرة، وأن هناك أياد خفية وراء الوباء مع أن المجتمع نفسه سيكون مسؤولاً عن تفشي الوباء”. ووصف بيون ذلك بـ (Basic Assumption Fight and Flight).

سنرى الكثير من الناس يقتنعون بنظرية المؤامرة بما لا تقبل الجدل، وبأن الفيروس جرى تخليقه لكسب الأموال من اللقاح أو لوهن عزيمة الأمة، أو بفعل مؤامرة أمريكية، رغم وجود الإصابات في كل دول العالم والوفيات في ازدياد. هناك الكثير من الفيديوهات تؤكد على نظرية المؤامرة، ويتابعها ملايين الأشخاص؛ وهذا يناسب جداً طريقة تفكير السوريين.

أخيراً، “يخلق المجتمع أملاً زائفاً من لا شيء، وينتظر الخلاص من اللاشيء في تفاؤل غير مبرر، وكأنه في انتظار معجزة دون إحساس بالمسؤولية وانتظار المسيح المنتظر.” وهو ما يسميه (Basic Assumption Pairing).  

حيث يعتقد الكثيرون هنا أنهم لن يصابوا بـ “كورونا في سوريا”، أو أن احتمال إصابتهم قليل جداً، بدون أي مبرر واقعي. عزّز الإعلام السوري هذه الفكرة عبر إصراره على أنه لا توجد إصابات كورونا في سوريا، وحين أعلن عنها كانت قليلة جداً بشكل لا تشعر بالخطر، علماً أنه لا يوجد مبرّر علمي لعدم الإصابة، خاصةً وأن كل الدول المجاورة أُعلِنت فيها الإصابات.

سوريا بخير!!

وإذا كانت هناك صدمة نفسية عالمية من جراء الكورونا، فالخصوصية التاريخية للسوريين تجعل هناك إضافة لردود الفعل، وهي حالة الإنكار المجتمعي التي بدأت بجملة “سوريا بخير” على الرغم من كل آثار الحرب والتهجير المدمرة، إلى التكتم على عدد الإصابات، إلى استخدام مفردة التصدي للفيروس في الإعلام السوري، وليس الوقاية منه، وهذا ما يسمى (Social Denial).

إذا ما رغب السوريون بأن يلزموا فعلاً منازلهم، على الرغم من إنقطاع الكهرباء، فما يخيفهم هو القوت اليومي وتأمين المعيشة وسط غلاء لا يرحم. إضافةً الى أزمة الثقة العميقة بين الشعب والدولة، فما إن فُرِض حظر التجول في حمص حتى خاف الناس من السرقات وسرت شائعة مفادها انه هناك خطة مدروسة للسرقة اثناء بقاء الناس في بيوتهم. ناهيك عن الأسباب النفسية الأخرى، فالجلوس في المنزل يعني القبول بأن هناك خطراً محدقاً في الخارج، ويعني عودة صعوبات التواصل ضمن الأسرة، الذي يحاول الرجل عادة الهروب منها وتجنبها عن طريق العمل.

  حسب علم نفس الجماعة، فإن ما يوحّد المجموعات الإنسانية إما توحيد الهدف أو توحيد المصير، وهذا ما يحدث فعلاً فالخوف من إنتشار الوباء الآن يوحّد البشرية. فهل يوحّد الخوف من الكورونا السوريين الموزعين في أصقاع الأرض؟ هل سيعزز الشعور بالانتماء للبشرية وللإنسانية جمعاء لتكون كورونا عالمية وليست سورية فقط؟

رولا ابراهيم. اختصاصية اجتماعية وكاتبة من سوريا

اقرأ/ي أيضاً:

ما هي العلاقة بين حالة الطقس وانتشار فيروس كورونا؟
هل الشباب والأطفال بالفعل أقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا الجديد؟
“الزموا منازلكم!.. وأغلقوا كل شي!” لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد
اختبارات للكشف عن كورونا في إدلب وسط مخاوف من وصول الوباء إلى المخيمات

السماح للأطباء باستخدام دواء مثير للجدل كعلاج لفيروس كورونا في أمريكا

مخاوف من انتشار كورونا في الجزر اليونانية ودعوات لاستقبال مزيد من اللاجئين