أبواب – عمّان
صدر حديثًا عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع – عمّان، رواية “كرز” للروائية الأردنية نيرمينة الرفاعي.
تدور أحداث الرواية بين عمّان (الأردن)، درعا (سوريا)، وغوتنبرغ (السويد)، وتتنوع قصص شخصياتها الأساسية الخمس، حيث تعالج الرواية قضايا مجتمعية إنسانية مختلفة، بطريقة جذابة وجريئة. يجمع بينها قاسم مشترك رمزي واحد “الكرز”.
وتنفرد صحيفة أبواب بنشر مقطع حصري من رواية “كرز” خصّتنا به الروائية الرفاعي:
في ﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮﻡ اﻷﻭﹼﻝ اﺗصلت ﺑﻮالدتها اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘقدُ ﺑﺄﻥﱠ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﺳﺎﻓﺮت ﻟﻼﺳتجمتم عند اﺑﻨﺔ عمها بعد المشاﻛﻞ اﻟﺘﻲ ﻻ تعلم ﻋﻨﻬﺎ شيئًا
اطمأنت سيرين على ﻋﻠﻴﺎء ثم ﺑﺎدرتﹾ إلى قطع الخط بسرعة ﻣﺘﺤﺠﺠﺔ ﺑﺴﻮء اﻻﺗﺼﺎﻝ بخدمة الهاتف، ﺷﻌﺮت ﺑﻘﻠﺒﻬﺎ يتكسر ككرة زﺟﺎﺟﻴﺔ ﺷﺘﺎﺋﻴﺔ تمتلئ ﺑﺎﻟﻔﺮاغ ﻭﺑﺤﺒﹼﺎت اﻟﺜﻠﺞ اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﺘﻲ تتطاير ﻓﻮﻕ «ﺳﺎﻧﺘﺎﻛﻠﻮز» المثبّت في ﻣﻨﺘﺼﻔﻬﺎ ﺑﻠﺒﺎﺳﻪ الأحمر ﻭﺣﺰاﻣﻪ العريض..
ﻓﺎرﻏﺔﹲ ﻫﻲ ﻭﻣﻠﻴﺌﺔﹲ ﺑﺤﺒﹼﺎت اﻟﺜﻠﺞ، ﻭﻗﻠﺒﻬﺎ ﺣﺰاﻡﹲ أسود عريض يخنقها ﻣﻦ المنتصف دﻭﻥ جدوى..
أقفلت الخط ونظرت إلى اﻟﺮﺟﻞ الذي أتت ﻣﻦ أﺟﻠﻪ فوجدته ﻛﻌﺎدﺗﻪ أﻣﺎﻡﹶ ﺟﻬﺎزﻩ اللابتوب ﻳﺘﺼﻔﺢﹸ ﺑﺮيده ﻭرﺳﺎﺋﻠﻪ ﻭيضحك ﻣﻘﻬﻘﻬﹰﺎ ﻭﻳﻘﻮﻝ: «اﺳﻤﻌﻲ هذه النكتة: دﺧﻞﹶ اﻟﺴﺎرﻕ إلى ﻏﺮﻓﺔ عجوز ﻭﺑﻘﻲ ينتظرﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺎﻡ، ﻭاﻟﻌﺠﻮزﹸ، أﻣﺎﻡﹶ المرآة تمشّطُ ﺷﻌﺮﻫﺎ، وتمشّطه، وتمشّطه، ﻭهكذا اﻷﻣﺮﹸ ﺛﻼثﹶ ﺳﺎﻋﺎت متواصلة، ﻭعندما نامت لم يجد في ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﺷﻴﺌﹰﺎ ليسرقه، فنكشَ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻭﻫﺮب»، ﻭضحكَ مجددًا بأعلى صوته..
أﻭﻣﺄت ﺑﺮأﺳﻬﺎ ﻭﻫﻲ تمنحهُ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ مصطنعة ﻭدموعها ﻣﻌﻠقة بصوت اﺑﻨﺘﻬﺎ البعيد على الهاتف، صوتُ ﻋﻠﻴﺎء ﻛﺎﻥﹶ خطًا ﻃﻮﻳﻼ من البكاء ﻳﺼﻞﹸ المدينتين بكثير من الأسى والخيبة..
نظرت إلى ﺣﻘﻴﺒﺔ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ زالت على اﻷرض بجوار اﻟﺒﺎب وكأنّها تنتظر ﻓﺮﺻﺔ المغادرة في أﻗﺮبﹺ وقت، وعدلت عن ارتداء قميص النوم البنفسجي الذي أنفقت من أجله ثروة صغيرة استعدادًا للقاء الرجل الذي تحب..
“ﺳﺄبدو ﻛﺎﻟﺒﻠﻬﺎء ﻭأﻧﺎ أرتدي قميص نوم ﺷﻔﺎﻑ ﻭﻫﻮ ﻏﺎرﻕ في اﻟﺮؤﻭس الخضراء اﻟﻠﻌﻴﻨﺔ لبرنامج “اﻡ اس ماسنجر”
فكّرت ﻭﻫﻲ ترتدي ملابس النوم الشتوية اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻭﺗﻀﻊﹸ رأﺳﻬﺎ قرب ﺣﻀﻨﻪ وتحاولُ النوم ” في ﻛﻞﹼ الأحوال أﻧﺎ ﺑﻠﻬﺎء، ﺑﻠﻬﺎء.. ﺑﻘﻤﺼﺎﻥ نومي وبحقيبتي المرﻣﻴﺔ ﻛﺠﺜﹼﺔ أﻣﺎﻡ ﺑﺎﺑﻪ” فكّرت ﻭﻫﻲ تخفي ﻋﻨﻪ دﻣﻌﺔ صامتة..
ﻛﺎﻥﹶ سامر في تلك اللحظات ﺻﺎﻣﺘﹰﺎ، ﻏﺎرﻗﹰﺎ في حيرته، لم يفهم لمَ تعيّرت سيرين إلى هذا الحدّ ﻭﻣﺎ الذي يدور في ﻋﻘﻠﻬﺎ المليء بالغضب ﻭاﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻭاﻟﻌﻨﺎد! لم يفهم ردﻭد ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻭﺣﺎﻭﻝﹶ اﻻﺧﺘﺒﺎء ﻭراء ﺣﺎﺳﻮﺑﻪ ﻛﺄﺳﻬﻞ الطرق لتجنّب اﳌﺸﺎﺣﻨﺎت اﻟﺘﻲ بدأت في اﻓﺘﻌﺎلها منذ لحظة وصولها.. أﺷﺎح ﻭﺟﻬﻪ ﻋﻨﻬﺎ بحيرة ﻭاﺿﺤﺔ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ ﻷﺣﻼﻣﻬﺎ.
