in

المرأة اللاجئة تحت مطرقة العمل

صبيحة خليل.

 

في قسوة اللجوء والحرب، لم يخطر ببال نسبة كبيرة من السوريات، أن يجدن أنفسهن فجأة في بلد غريب، لا يكتفي بخدمات الأمومة والزوج وتدبر أمور الأسرة. بلد جديد يطالبهن بـ”العمل” خارج أسوار المنزل، الذي كان بمثابة الإقامة الجبرية لكثيرات منهنّ، الأمر الذي بات يشكل لهن عبئًا إضافيًا فوق هموم اللجوء. ذاك الخيار الذي أجبر نسبة كبيرة من السوريين، على الدخول في حلبة صراع جديدة مع ثقافات، أقل ما يقال فيها أنها تتضارب مع الكثير من قيمهم ومفاهيمهم الاجتماعية.

 

نظرة دونية للأعمال الخدمية

وبنظرة أولية، نجد أن كثيرات يستهجنَّ فكرة ممارسة الأعمال ذاتها التي كنَّ يقمن بها في المنزل كمهنة، ضمن سياق الإطار العام لمفهوم العمل. فما زالت تلك الأعمال ذات الطبيعة الخدماتية، مثل تنظيف المكاتب، الطبخ والعناية بالأطفال أو رعاية المسنين، ترتبط في اللاوعي المتوارث بكلمة واحدة فقط “الخادمة”. تلك الكلمة التي ينفر منها الجميع نتيجة ما لحق بها من استخفاف لعملها، وحتى لدورها في تشويه وخلخلة العائلة، بعدما بنى الموروث الشعبي حولها مئات القصص والتخيلات، لتسلب تلك المهنة حرمتها وتضعها في مصاف المهن الرخيصة، لذا باتت كل مهنة ترتبط بالتنظيف والخدمات هي حصرًا “زبال أو خادمة”، تحقيرًا لمهن تحظى بالكثير من التقدير والاحترام في البلدان المتقدمة. حيث يغدو مفهوم العمل، هو كل جهد عضلي أو فكري يبذل لخدمة ديمومة الحياة، ورقيها بغض النظر عن طبيعته. أي بشكل آخر يمكن القول، إن النظرة العامة للمهن في العالم الغربي تختلف جذريًا عن تلك التي نعرفها، لكننا في أوقات كثيرة تأبى إلا أن نقيس الأمور بمعاييرنا وقناعاتنا المتوارثة، والتي اعتدنا عليها نتيجة عملية التلقين والتعليم المجتمعية التي تآلفنا معها في أوطاننا.

 

استهجان الاعتماد على المعونة الاجتماعية

والمفارقة تكمن في أن المواطن الغربي، هو الآخر يرى من خلال ثقافته، أن الاعتماد على الإعانات الاجتماعية، التي تقدمها الدولة للعاطلين عن العمل أو للعائلات والأشخاص الذين لا يعملون لظروف خاصة. يرى في هذا نوعًا من الاستخفاف والتهرب، من الحياة التشاركية والنفعية ذات الجهة الواحدة. أي يمكن القول، أن هذا الأمر بالنسبة لهم غير محبذ، وهو يشبه إلى حد بعيد نظرتنا الشرقية للعمل في مجال الخدمات والتنظيف والرعاية. ربما تبقى النظرة الغربية مقبولة، للتعكز على معونات الدولة لبعض الوقت. مثلاً لحين تعلم اللغة والالتحاق بسوق العمل. أما أن تكون المصدر الدائم للعيش فهو أمر مستهجن ومحل ازدراء ويدعو لعدم التفهم إن طالت المدة.

 

أمنيات غير قابلة للتطبيق

ويمكن القول، إن الكثيرات من اللاجئات اليوم حائرات، ويعتريهن القلق بعدما أصبحن في مواجهة واقع جديد، يدفعهن للعمل بطريقة إلزامية. وبعض منهنّ قطعنَ الحيرة بالأمنيات غير القابلة للتطبيق. فعلى سبيل المثال –لا التعميم- إحدى السيدات، ربة منزل، سألتها موظفة في مكتب العمل (الجوب سنتر) عن المهنة التي ترغب في ممارستها، كان جوابها “أريد أن أصبح معلمة”. رغم أن مستواها التعليمي المتواضع لا يسمح لها بذلك. وعندما قيل لها هل لديك مؤهلات، كان جوابها: “لا أحمل مؤهلات ولكن ما حدا أحسن من حدا، ولا ينقصني شيء عن المعلمات”. بالطبع كان هذا تهربًا واضحًا من فرصة عمل عرض عليها، كطباخة في إحدى دور رعاية المسنين. لم تكن هذه السيدة  مطالبة بالعمل في بلدها. و لكن هنا لا يكاد يمر شهران إلا وتُسأل السؤال ذاته.

 

الإنجاب وسيلة للتهرب المؤقت

ومن أجل إغلاق باب القلق مؤقتًا، كان الحمل والإنجاب ضالة البعض ممن هنّ في سن الإنجاب، فوجود طفل رضيع، سيمكنها من التقاط أنفاسها في بلاد اللجوء لمدة ثلاث سنوات، وسيكف مكتب العمل عن سؤاله الروتيني، حول ماهية العمل. والمرأة هنا غالبًا ما تتخلى طوعًا عن تعلم اللغة. العمود الفقري للاندماج. الأمر الذي يبقي على تبعيتها المطلقة للزوج، في عدم امتلاك زمام أمورها. كنتيجة طبيعية للاتكالية. والعودة للتركيز فقط على الأسرة والمنزل. تلك المسؤوليات التي من المفترض أن يتحملها الطرفان.

 

تشاركية تعلم الدروس لا تعني تشاركية أعمال المنزل

وبالعودة الى جذر المشكلة، نجد أن معظم أسباب العزوف عن العمل لدى السيدات، في عدم وجود مشاركة حقيقية للرجل، في تحمل وزر أعمال المنزل. تلك المهنة التي تؤديها المرأة بمفردها دون مشاركة الزوج. والمرأة التي كانت ربة منزل في بلدها الأم، مازالت تتجشم عناء المنزل بمفردها في بلاد اللجوء. رغم أنها في أحايين كثيرة قد تشارك زوجها نفس المقعد في دروس اللغة والاندماج. إلا أنها مطالبة لوحدها بعد العودة إلى المنزل، بساعات عمل طويلة لتدبر أمور الأسرة. أما الزوج غالبًا ما يقضي مثل هذا الوقت في الراحة، أو ربما يجد لنفسه متسعًا من الوقت الكافي لمراجعة دروس اللغة، أو الالتحاق بدورات العمل ورفع مهاراته المهنية. وهنا يختل ميزان التفوق لصالح الزوج، والثمن تدفعه الزوجة، التعثر في المتابعة وعدم القدرة على اللحاق بالدروس، وبالتالي قلة خيارات العمل باستثناء تلك التي لها طابع نمطي.

 

وأخيرًا، يبقى السؤال الأهم معلقًا: هل سيؤدي البحث عن الحلول المؤقت كالإنجاب، تعويضًا عن إيجاد عمل “مهنة”؟ أم نعيد الاعتبار لبعض المهن التي سلبنا منها قيمتها؟ الجواب برسم القادم من الأيام!

 

*كاتبة سورية

المكان و خلق الفرادة في مجموعة (أطفئوا الزيتون ليلاً)

حلويات رمضان في بلاد الجرمان بدائل مفيدة ونصائح لتحضير الحلويات يقدمها مغتربون