in

الإرهاب في هويته الأنثوية

GETTY IMAGES

صبيحة خليل

قد يجد البعض في طرح قضايا المرأة اللاجئة غلوًا وتمييزًا جندريًا مستترًا. وربما يمضي البعض الآخر في القول إن مشاكل اللجوء تتشابه لدى كلا الطرفين، رجلاً كان أم امرأة، فقضايا مثل الاندماج وتعلم اللغة أو الانخراط في سوق العمل هي قضايا ذات بعد واحد من حيث المقدمات المتاحة والنتائج المرجوة. ويمكن دراسة كل العوائق والمشكلات التي تعترض طريق اللاجئين نحو إبرام تسوية وتوازن ذاتي أو مجتمعي من أجل إغلاق دائرة الاندماج بعيدًا عن الصفة الذكورية أو الأنثوية. فهل هذا هو الواقع أم أن للحقيقة وجه آخر؟!

قبل الخوض في الموضوع أود التذكير بحادثة مدينة نيس الفرنسية قبل بضعة أسابيع. حيث قاد سائق مأزوم شاحنته في ساعة متأخرة من الليل وسط حشود المحتفلين بذكرى الثورة الفرنسية، وأسقط خلال دقائق قليلة العشرات من الضحايا، كذلك الأمر في حادثة جنوب ألمانيا. عندما أشهر قاصر أفغاني فأسه وسكينه في وجه ركاب مسالمين قتل بعضهم وجرح آخرين. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تفجيرات بروكسل وحادثة كولونيا وجريدة شارلي ايبدو مازالت ماثلة في بال الكثيرين.

من المؤسف طبعًا أن استمرار العنف والإرهاب الناجم عن تيارات التطرف الإسلامي خاصة تلك التي تبلورت سياقاتها بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول في أميركا. شحنت النفوس في كل أنحاء العالم بجرعات مضاعفة من الخوف والازدراء لكل ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة. هذا الخوف الذي أصبح يشحن ذاتيًا مع تتالي العمليات الإرهابية.

ولكن المفارقة، أن معظم هذه الهجمات لم تثبت قيام النساء بها أو تورطهن المباشر فيها، إلا أن نسبة الكراهية والحقد والسلوكيات العنصرية التي توجه للنساء المسلمات في الغرب تحديدًا وباقي أنحاء العالم بشكل عام تكاد تكون أضعاف ما يوجه للرجال. إذ أن المرأة غالبًا ما تكون هدفًا سهلاً  للعنصريين أو المتأثرين بهول الخطر الإسلامي، أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا.

نعم للمرأة اليوم النصيب الأوفر من نظرات الاشمئزاز في بلاد اللجوء. وفي بعض الأحيان قد تتطور تلك النظرات إلى ردود أفعال قاسية كضريبة للهوية الإسلامية الظاهرة عليها نتيجة ارتباطها بالحجاب أو اللباس. تروي سيدة محجبة إحدى تلك القصص: “كنا نجلس في إحدى الساحات العامة، مر بجانبنا رجل مسن. نظر إلينا شزرًا وبصق ناحيتنا بقرف مكملاً مشواره المسائي” وتتابع بحرقة قائلة: “لو أننا تعرضنا له بإساءة لكنت بررت له. لو كان أصغر سنًا لقلت إنه طيش الشباب. أما أن يبدر هكذا سلوك من رجل تدل هيئته على الوقار فذلك ما لم أفهمه!!”.

سيدة أخرى مسيحية تروي قصة مشابهة: “كنا في المترو ولدى صعود سيدتين محجبتين سدد لهم الركاب نظرات الاستهجان المعبرة عن الرفض والاستهزاء. تمنيت لو أنني أتقن اللغة الألمانية لأقول لهم حتى أنتم تستهدفون المرأة دون الرجل.. هل قامت مثلاً امرأة مسلمة بعمل إرهابي في الغرب حتى يوجهوا لها كل هذا السلوك التمييزي وهذه الكراهية الفادحة؟!”.

hijab-in-islam-3-min

ولكن لماذا المرأة و ليس الرجل؟!

بمتابعة بسيطة لسير حياة بعض الجهاديين والسلفيين في أوروبا ممن ارتكبوا أعمالاً إرهابية نلحظ أن نمط حياتهم وسلوكياتهم الاجتماعية مختلفة تمامًا عن مآلاتهم الأخيرة التي وصلوا اليها، فطالما تنكروا بأزياء وعادات واهتمامات تبيحها الحياة الغربية. مثل شرب الخمر وإدمان المخدرات ومرافقة عشيقات وقضاء سهرات باذخة في النوادي الليلية، وما إلى ذلك من مجون  على عكس المرأة التي يطلب منها التشرنق والتقوقع في إطار محدد سلفًا وبدقة. لا بل مطلوب منها حتى أن ترفض المصافحة والابتسام التي هي أبسط وسائل التواصل البشري في الغرب على عكس كثير من الرجال الذين مهما اشتدت سلفيتهم لا يترددون في مد أيديهم لمصافحة امرأة غربية ما وقد يتطور ذلك حتى إلى عناق.

في هذا السياق تقول سيدة سورية: “لطالما نهاني زوجي عن المصافحة، أما هو فلا يتردد حتى عن ممازحة السيدات بالأيدي” وتختتم قائلة: “لماذا ينهاني عن فعل ولا يجد حرجًا في ممارسته بنفسه؟!”

في الحقيقة تقع المرأة اللاجئة في الغرب بين نارين. أولها سطوة الرجل وخوفه من مساحة الحرية في المجتمع الغربي لذا نراه يشدد قيوده فيما يخص الحشمة، بالإضافة إلى رصد تحركاتها التي تصبح محل استفساراته وشكوكه. ومن جهة ثانية تواجه المرأة اللاجئة. المحجبة تحديدًا. حصار الشارع الغربي وملاحقته لها لكونها أكثر وضوحًا وتعبيرًا عن هويتها المسلمة من خلال الحجاب واللباس.

لا أرمي هنا بالطبع إلى النيل من زي المرأة المسلمة. وهذه ليست دعوة لخلع الحجاب، والقوانين الغربية تضمن الحريات الشخصية وتحترم العادات والتقاليد، ولكن يجب التأكيد على فكرة الإكراه التي تمارس على المرأة من قبل سلطة رجال الدين تحت ذريعة الفروض والفتاوى التي لا توفر التدخل حتى في صغائر الأمور، وتحجم من قدر المرأة لتصبح عاجزة واتكالية في نهاية المطاف. إذ تغدو محاطة بجملة من التعقيدات التي تتحول لكابوس حقيقي يلاحقها كلما قررت الانطلاق في حياتها الجديدة رغم ثقل أعباء اللجوء ومشاكله.

ومعروف أن معظم هذه الفتاوى هي محض اجتهادات تصدر عن أشخاص لا يمتلكون الأرضية المعرفية والشرعية لسن الشرائع والقوانين، وهذا ما يدفع بالمجتمعات الغربية ومن خلال ربطها الساذج بين الإرهاب والحجاب إلى رمي كل تبعات التطرف الذكوري الذي يسرح ويمرح في نفس الوقت بطول الاندماج وعرضه فقط لأنه رجل كامل المواصفات. كما شرعن له البعض. يصافح من يشاء ويربت على كتف من يشاء ويتوب متى يشاء.

أخيرًا ليس أمام المرأة المحجبة ضمن الظروف المتوفرة سوى بذل المزيد من الاجتهاد والنضال اليومي من خلال إتقان اللغة التي تعتبر مفتاح الدخول إلى سوق العمل أو حتى للعودة لمقاعد الدراسة خاصة لمن تعثر حظهنّ بسبب الحرب وتبعاتها، وانقطعنَ عن مدارسهنّ وجامعاتهنّ. علماً أن القوانين الغربية تمنحهنّ مساحة كافية لإعادة هيكلة أنفسهنَ وبناء ما دمرته ليس الحرب، ليس هذا وحسب، وإنما تلك الصورة المجحفة التي ربطت بين الحجاب والتطرف.

ألمانيا: السجن لإطفائي وصديقه أضرما النار في مأوى للاجئين

مجهول رقم ثمانية