in

صفعات

جميل جرعتلي

 

النظر إلى المستقبل البعيد قد يكون من اختصاص كُتّاب الخيال العلمي، أما النظر إلى ما سيأتي بعد عشرين أو ثلاثين سنة، فهو توقع يدعمه كثير مما وصلنا إليه اليوم. ما وصلنا إليه هو حروب على مد عينيك والنظر، لا تكاد تخلو منطقة على كوكبنا من حروب أو نزاعات عرقية أو طائفية أو مذهبية أو حضارية. ومع ذلك فالأرض تدور، وتدور دون أن تعبأ بما يجري فوقها. أليس من المخجل بعد آلاف السنين من المعرفة، أن يكون هذا العالم، كل العالم، عبارة عن خلايا دبابير متقاتلة، بدل أن يكون خلية نحل واحدة، العالم أصبح قرية صغيرة ولكننا لم نحصل على سند إقامة بها، مازلنا غرباء أو في أفضل الأحوال ينظر إلينا كثور إسباني يتلقى الطعنات من أكثر من لاعب والعالم يصفق لهم.

يحكى أن صيادين كانا يعبران حرشًا، عندما صادفا دبًا رماديًا غاضبًا جدًا (وجائعًا جدًا)، بدأ أحد الصيادين يتخلص من عتاده ملقيًا به إلى الأرض.

سأله الثاني: ما الذي أنت فاعله؟ قال: سأجري. فأجابه: لا تكن سخيفًا، لا يمكنك أن تجري أسرع من ذلك الدب!. فقال: ليس عليّ أن أجري أسرع من الدب فقط علي أن أجري أسرع منك أنت!

أصبحت سوريا الآن أشبه بغابة متوحشة، فهل على كل واحد منا أن يركض لوحده خوفًا من حيوانات الغابة المتوحشة؟ فإذا سلّمنا جدلاً استحالة ترويضها، فأضعف الإيمان أن نتحد في مواجهتها. لا أعرف من قال إن الحياة عبارة عن فقاعة صابون فصورها قبل أن تنفجر، كل ما أعرفه من الحياة هو أننا من ننفجر دون أن نملك أي كاميرا للتصوير إنمـا الفضائيات هي من تصورنا بالأســــود والأبيض، تصورنا ونحن مطمورون تحت الركام أو عالقون على حدود البلقان، أو تائهون في بلاد اللجوء.

كان هناك طفل يدعى (كاوس) وكان كاوس طالبا ذكيا، ذكاؤه من النوع الخارق للمألوف وكلما سأل مدرسُ الرياضيات سؤالا، كان كاوس هو السباق للأجابه على السؤال، وفي أحد المرات سأل المدرس سؤالا صعبًا، فأجاب عليه كاوس بشكل سريع مما أغضب مدرسه، فأعطاه المدرس مسأله حسابيه وقال: أوجد لي ناتج جمع الأعداد من 1 إلى 100 طبعا كي يلهيه عن الدرس ويفسح المجال للآخرين، بعد 5 دقائق بالتحديد قال كاوس بصوت منفعل: 5050 فصفعة المدرس علي وجهه! وقال: هل تمزح؟ أين حساباتك؟ فقال كاوس: اكتشفت ان هناك علاقه بين 99 و 1 ومجموعها = 100 وأيضا 98 و 2 تساوي 100 و 97 و 3 تساوي 100 وهكذا إلى 51 و 49 واكتشفت بأني حصلت على 50 زوجا من الأعداد وبذلك ألّفت قانونا عاما لحساب هذه المسأله وهو  n ( n+ 1) /2 واصبح الناتج 5050 ! فإندهش المدرس من هذه العبقرية ولم يعلم أنه صفع في تلك اللحظة العالم الكبير: فريدريتش كاوس أشهر عالم رياضيات في التاريخ.

ترى كم هي عدد الصفعات الني يجب أن نتلقاها حتى نكون سوريين بامتياز، فإذا أسقطنا من حسابنا الصفعات التي أكلناها من أهالينا ومعلمين، والصفعات التي تحمل طعم الزبيب من أحبابنا، بعد ذلك إذا بدأنا بعدً الصفعات التي توجه إلينا يوميا على وسائل التواصل الإجتماعي ونحن نبحث عن أبسط مقومات الحياة  من ماء وغذاء أو عبر شاشات الفضائيات العربية من تشويه مرعب لحقيقة أننا شعب واحد لا يرضى بأي محاولة للتقسيم ومشتقاته وتزييف صارخ للتاريخ وتحطيم مدروس للقيم، لا شك أننا يجب أن ندخل موسوعة غينس للأرقام القياسية في عدد تلقي الصفعات  فهل تتحمل خدودنا كل ذلك؟

هل الحياة هي الملوثة أم ظروفنا، أعتقد وبشــــكلٍ عام أن من يمتهن كرامة الإنسان وحريته هو الملوث، عقله، تفكيره، أحلامه، طموحاته «الحيــــاة فقاعة صابــون» أجل حياتنــا فقاعة صابـون ولكـــن هناك مليون دبوس بانتظار خروجها، ينتظر بلهفةٍ طيرانهــا كي يقتنصهـا، كي يحرمهـا لحظـة اســـتمتاعها بطيرانها القصيــــر. بعد كل ذلك أمامنا خياران لا ثالث لهما: إما أن ننهض وندافع عن أنفسنا، وإما أن ندير خدنا الآخر لتلقي صفعة جديدة!.

كاريكاتير. هاني عباس

علي كولو: روايتي تروي مظلمة السوريين في عهد الأسد الأب