in

سلمان، أخي

اللوحة بعنوان missing للفنان وليد المصري 2012
زين صالح. كاتب من سوريا

سلمان، أخي

لما كنت طفلاً، كان صدري يثقل إن فزتُ على أخي الصغير في لعبةٍ ما ورأيته حزيناً، كنت أشفق إذا بقي في كأس العصير خاصتي رشفتين بعد أن أنهى هو كأسه وعبس، رغم أنها كانت لعبتنا.. يغيظ واحدنا الآخر مردداً بعبارة ملحنة “ما عندك.. ما عندك”. 

كان صدري يثقل لما أرى ثيابه مغبرة، دفاتره غير منظمة، نظارته متسخة أو مكسورة، كنت أتلوّى إذا أراد شراء شيءٍ ما وعجزت عنه جيبتي. كان صدري يثقل بحقٍّ إن تشاجرنا وأحسست أني ظلمته وكسرني كبريائي عن الاعتذار.

ثقل صدري كصخرة هائلة، وهزل صوتي لما رأيت يده الغضة نازفة.. ونزف قلبي وذهلت وخرجت من دوامتي لأول مرة. وخفت. 

يثقل صدري كل مرة أرفع هاتفي لأتصل وأراقبه يتغير، من عين الكاميرا.. يكسو وجهه الشعر تارة، ينحل ثم يسمن، يضحك ويثلج قلبي تارة أخرى، يغني، ينقّل عينيه، ذات اليمين والشمال، ويحك رأسه، ويدخن بحركة يد خفيفة، يحكي لي الكثير مما أعرف ولا أعرف، يشجعني، ينهرني، يشدني بعيداً عن كل الهاويات التي أُرمى وأرمي نفسي بها، أبكي.. أبكي بحرقة، الأرض لا تسعني واحتمالات الصدفة كلها لا تقتل سماء القلق المنكودة جوّاي.

يثقل صدري يا سلمان، يا حبيبي، وأنزف من كل مسام جلدي، أرشح دمعاً مالحاً من كل الندوب التي لا تنفك تندمل حتى تصيح بي من جديد.

أنا ابن أرض النحس، ابن الأوقات المسمومة، ابن غضب الآلهة المجنونة، ابن الألفية السائبة. أنا ابن سحابة الصيف المارقة. أنا محبُّ هذه البلوى ولاعنها. صدري يحترق، وأشتم رائحة الشيّ تحت جلدي.

أخاف المشي في الشارع.. أخاف أن يتصاعد دخان حرائقي المسعورة عالياً ويصيح بالناس حولي، وألا يأتي أحد لنجدتي. ويفتضح أمري. وتتأكد أكاذيب أملي.

لكني أبكي
وأفرد يدي على طولها
وأكبر
وأرسم
وأفرح بالشمس
وأبتسم في وجوه المارة
وأرد السلام
أربّت على كل الجراء والقطط

وأكتب
وأقضم تفاحة
وأغسل يدي بعد دخول الحمام
وأحزن
وأتخيل
وأهتاج
وأصرخ عالياً إذا انتشيت
وأحرك شفاهي مزامناً أغاني السماعات

وأغوي الناظر ما استطعت
وأتذكر
وأشرب الشاي
وأغمض عيني
وأنام
وأحلم.
وأفتح الأبواب وأشرعها. . أواجه الحياة كلها.. كلها
وأستحق الراحة.
سلمان، أقسم أني أستحق الراحة.

اقرأ/ي أيضاً:

اعتبارات الخاسر

قصة قصيرة: علاقة ورقية…

وهم الآلات الحاسبة وحسابي “الجيد”

سيدات سوريات ينجحن في إقامة وإدارة مشاريعهن في ألمانيا: سأرسم على كل شيء

برلين: انعقاد منتدى “المرأة في الإعلام ومنظمات المجتمع المدني”